"ما نَفْعُ قوة الأسد ... متى تلاشَتْ هَيْبَتُـهُ "؟!- المحامي انطوان القاصوف

  • شارك هذا الخبر
Sunday, August 1, 2021

كتب المحامي انطوان القاصوف:

تقول القصة _ العبرة : " إنّ الأسد ، ملك الغابة ، إشتكى يوماً من " دُمَّل " خبيثٍ في بطنِه .. فعَلِمَ الثعلبُ المحتالُ بالأمرِ ، فمشَّطَ لحيتَهُ ودخلَ عليه وقبَّلَ الأرضُ بين يديه ، وقالَ له : كان المرحومُ والدي طبيباً يَفْقَأُ " الدمامِل " وأنا تمّرسْتُ على يديه ، لذلِكَ جِئتُ أضعُ نفسي في خدمةِ مولاي الأسد ، ولكنّي أخافُ إذا سَبَبْتُ لكَ بعضَ الوجع في أثناءِ المعالجة أن تتناوَلني بِصَفْعَةٍ أو بِنَهْشَةٍ يكونُ فيها هلاكي .. لذلك دَعْني أَرْبِطُكَ الى جِذْعِ الشجرة ، أمام باب العرين ، فسَلَكَتْ حيلةُ الثعلب على الأسد ، فأحضَرَ حبلاً وشَدَّ وثَاقَهُ ورَفَعَ نَظَرَهُ الى وجهِه وقال له بدون وجل : " إذا كنت ملك الغابة وسيّد الوحوش ، خَلِّص نفسَكَ ... ؟!
رَحَلَ الثعلبُ وراحَ الأسدُ يتمرمَرْ ويبحثُ عن مناصٍ للْخلاص قبل إفتضاح أمرِه .. وَحَدَثَ أنّ مَرَّت فأرةٌ وقالت : سأغتنِم المناسبة وأقطعُ بأسناني رباطَ الأسد، فيحمل جميلي الى الأبد .. وراحتِ الفأرةُ تقضُمُ خيطانَ الحبلِ برفقٍ وملك الوحوش مُطْرِقٌ يُفكِّرُ بمقدارِ مَذَلَّتِهِ .. وعندما تحرّرَ الأسد من وِثاقِهِ ، إنتَفَضَ ومشى على غيرِ هدى .. وعند آخِر الوادي ، لَقِيَتْهُ جماعةٌ من الأتباعِ وسألته أين يقصدُ في تلك الساعة ، أجاب : أنا لا أقدرُ بعد الآن أنّ أعيشَ في بلدٍ ، الثعلبُ فيه يَرْبُطْ والفأرةُ تحلّ ... ؟!
وهكذا ، كلما كبُر الأسد وساءت صحْتَه وَضَعُفَتْ همّتُه وتلاشتْ هيبتُهُ ، فلا يعودُ " لا من أهل الربط ولا من أهل الحلّ " فتغدو الغابَةُ بِعهدَةِ ثعالبِ الإحتيال وفئرانِ الإستغلال : الثعالبُ تزعمُ المعالجة وتُصبحُ من " أهل الربط " والفئران تدّعي المساعدة فتُمْسِي من أهلِ الحلّ ... !!
وقياساً ، هكذا حال الوطن ، بعْدَ أنْ حولّوا الدولة الى " غابة " والدستور الى " شريعة غاب " والنظام الى مبدأ " القوة " :
السيّد القوي ، العهد القوي ، تكتل لبنان القوي ، التاجر القوي ، المرابي القوي ، الصيرفي القوي ، المهرِّب القوي ، صاحب " الموتور " القوي ، موزع النفط القوي ، مستورد " الدواء " القوي ... دون أن ننسى " الأقوى " في طائفته ، ولا أن نتناسى سلاح القوة وقوة السلاح ؟!
وحده ، الشعب صار " ضعيفاً : جائعاً ، ضائعاً ، تائهاً ، مريضاً ، هزيلاً ، مفلساً ، متسولاً ، مُهْمَلاً ، متوتِراً ، يعيش في جيرة الموت ، متسائلاً : إذا كانت القوة هي المعيار ، فلماذا لا يَصل الى سُدّة كلّ رئاسة : إمّا " بطلُ " ملاكمة أو " عتريسُ " مصارعة أو " صنديد ُ" رفع أثقال ... ألم تكن ناجحة تجربة القويّ " عيدي أمين دادا " حتى نعتمدَها ونكررها ؟؟!!
عندما استشار " ديغول " القادة العسكريين عن كيفية مواجهة ثورة الطلاب ، أجابه ُ " صهره" : إيّاك وهذه " الحماقة " ، سَوف تجرف تاريخك وتدمّر فرنسا ، القوة تنهيك ولا تنهيهم ... ؟! ومَن كان تاريخه " مجروفاً "وصار وطنه مدمراً فمْمّا وعلى ما يخاف ؟!
أمّا " غاندي – الهند " الذي كان يجلس الى " نَوْلٍ " صغير، شبه عارٍ، بجسدِه النحيل ، فقد استطاع أن يضع نهاية للإستعمار في بلاده من مملكةٍ كانت لا تغيب الشمس عن أراضيها .. !!
وهل يهّمكم ما قاله " ماريو فارغاس يوسا " ( حامل جائزة نوبل ) : " إنّ اميركا اللاتينية بدأت تشفى من " تخلفِها " عندما تخلّت عن فكرة السوبرمان القوي "
أيّها الأقوياء !
كان " الخوف " أن يمرضَ أسدُ القوة ... فَمرِض .. !!
كان " الذعر " أن تَضْعفَ هِمّتُهُ ... فَضَعُفَتْ .. !!
كان " اليأس " أن تتلاشى هَيْبَتُهُ ... فتلاشَت .. !!
... وظهرت " ثعالب " الإحتيال وبانت " فئران " الإستِغْلال .. وانكشفت " مواليد " جديدة من الحكّام " إسْتَولدوها " من " رحم " الجهلِ ، في غفلة من الزمن ، وكلّما فَتح أحدُهم فاه ، أغلقَ باباً من أبواب المعرفة .. !
أيّها الأقوياء !
القوة ، القوي ، الأقوى ، كلمات لا تُرهبُ الشعب الواعي ، كلمات توحي " بالتسلّط " ولكنّ أصحابها عاجزون عن " السيطرة " ! وفي المبدأ : إثنان يفشلان في الحكم : " قويٌّ " يحاولُ " تشغيل " عقله و"ضعيفٌ " يجرّب " تمرين " زنده ... ؟!
أيّها الأقوياء !
الرأي قبل الشجاعة والشجاعة قبل القوة واذكروا وتذكّروا على الدوام : إذا بدأ التاريخ بمهزلةٍ فسوف ينتهي حكماً بمأساة .. !!

أيّها الشعب " الضعيف " !
لا تهابوا أسودَ القوة ولا تمارسوا لا احتيال الثعالب ولا إستغلال الفئران .. آزروا " ثوارّكُم" ، مع ثورتهم يزولُ ضعفكم وتكمن قوتكم ، واجهوا " الأقوياء " ولا تخافوا ، ففي إتحادكم طوفانٌ يجرفهُم ، وفي تضامنِكم بركانٌ يحرقهم ، وفي وعيكم الوطني زلزالٌ يزلزلهم .. لقد حان أوان التغيير : إرسموا خطَّكم، وَحِدّوا خِطَتكم وتوجهوا بخطى ثابتة الى هدفكم .. خوفاً مِنْ أن يصحّ فيكم قولَ نابليون : الثورة يُديرها الخبثاء ويقوم بها الجهلاء .. ثمّ يجني ثمارها الجبناء .. " ؟!