تحضّروا لانقطاع المياه عن منازلكم!!

  • شارك هذا الخبر
Sunday, July 25, 2021

دقّ تقرير اليونيسف ناقوس الخطر في ما يخص أزمة المياه في لبنان (راجع "المدن")، وخصوصاً في الجزء الذي يتوقّع توقّف محطات الضخ تدريجيّاً بغضون أربعة إلى ستّة أسابيع، ما يعني إحالة الأسر اللبنانيّة إلى سوق صهاريج المياه الخاصّة الباهظة الثمن. لكنّ أسوأ ما يجري اليوم، لم تعكسه الأرقام والحقائق الواردة في التقرير، إذ يشير المتابعون إلى أن مضخات مصالح المياه الرسميّة بدأت بالفعل بالتوقف في عدّة مناطق لبنانيّة، وأن أصحاب صهاريج المياه الخاصّة باتوا غير قادرين، نتيجة هذا الواقع، على تلبية طلب الأسر اللبنانيّة على مياه الصهاريج. لا بل أخطر ما في الموضوع، هو التقديرات التي تشير إلى أنّ سوق صهاريج المياه الخاصّة لن تكون قادرة على تلبية معظم طلب اللبنانيين على المياه، بعد توقف سائر المضخات عن العمل، حتّى لو تمكنت الأسر من تأمين كلفة هذه الصهاريج الباهظة.

هكذا، سنكون على موعد مع انقطاع المياه عن معظم المنازل قريباً، بعد أن تآلفنا مع فكرة انقطاع الكهرباء لساعات طويلة.

أزمة السيولة
أزمة مصالح المياه الرسميّة، التي ترعى إدارة الشبكات في كل منطقة بشكل مستقل، بدأت منذ ما قبل حصول الانهيار المالي منذ سنة ونصف. فهذه المصالح كانت تعتمد على عوائد محدودة لم تكن تكفي لتغطية النفقات الاستثماريّة، المتعلّقة بصيانة المضخات وإعادة تأهيلها بشكل دوري، وتبديل القطع المعطّلة، بالإضافة إلى النفقات التشغيليّة المتعلّقة بالرواتب وتوليد الكهرباء في فترات انقطاع تيار مؤسسة كهرباء لبنان. مع العلم أن هذه المصالح كانت تشهد أساساً تضخّماً غير مبرر في عدد المستخدمين والمياومين فيها، كحال مؤسسة كهرباء لبنان، نتيجة استعمال بعض هذه المصالح لتنفيعات الأحزاب السياسيّة. وفي الوقت نفسه، تأخرت الدولة في تنفيذ الكثير من مشاريع إصلاح هذه الشبكات وتطويرها، نتيجة الضغط الذي كانت تعاني الميزانيّة العامّة وسياسة التقشّف المتبعة حكوميّاً، ما ضاعف معدلات الهدر المائي، وقلل من فعاليّة العمليات، وزاد من كلفتها على مصالح المياه. باختصار، لم تكن شبكات المياه في أفضل حالاتها حتّى قبل الانهيار المالي وتدهور سعر صرف الليرة.

بعد الانهيار، اتخذت الأزمة بُعداً مختلفاً تماماً. فالاشتراكات الدوريّة التي تستفيد منها مصالح المياه من المواطنين كانت مقوّمة بالليرة اللبنانيّة، بينما كانت غالبيّة مصاريف الصيانة وتبديل القطع مقوّمة بالدولار الأميركي. ومع كل تدهور في سعر الصرف، كانت قيمة الاشتراكات تتضائل إلى حد كبير مقابل التكاليف المترتبة على شبكات المياه، إلى الحد الذي وضع مصالح المياه على حافة الخروج الكلّي من الخدمة. علماً أن الدولة لم تعمد هذه السنة إلى إقرار أي موازنة سنويّة جديدة، ما أبقى جميع الاعتمادات المرصودة من الميزانيّة العامّة للاستثمار في شبكات المياه عند مستويات السنة الماضية نفسها، من دون أن تواكب الارتفاع في أسعار قطع الغيار وتكاليف الصيانة.

أزمات مستجدة
المسألة الوحيدة التي سمحت لمصالح المياه بالاستمرار بالعمل طوال الأشهر الماضية، كانت استفادتها من بعض القروض الدولية بالعملة الصعبة، المرصودة لإبقائها على قيد الحياة، وأهمها قرض اليونيسف الذي كان يغطي تكاليف تبديل القطع في معظم الأحيان. لكنّ هذه القروض جرى استنزافها تدريجياً، وصولاً إلى نفاذ القيمة المرصودة في قرض اليونيسف الأخير خلال الأسابيع القليلة الماضية، وهو ما مثّل رصاصة الرحمة على مصالح المياه وقدرتها على الاستمرار. ومن هنا، يمكن فهم جرس الإنذار الذي أطلقته اليونيسف مؤخراً، بعد أن أصبحت عاجزة عن الاستمرار بتقديم التمويل المطلوب، وبعد أن تراكمت الأعطال والثغرات في شبكات المياه الموجودة حالياً. مع الإشارة إلى أن تأمين هذه الدولارات من قبل مصرف لبنان مسألة غير مطروحة على بساط البحث في الوقت الراهن.

بالإضافة إلى مشكلة تراكم الأعطال وفقدان قطع الغيار، التي تفاقمت خلال الأسابيع الماضية، بدأت مصالح المياه تعاني من انقطاع تيار مؤسسة كهرباء لبنان لفترات طويلة، وعدم توفر المازوت المطلوب لتشغيل مولدات المصالح الخاصة. كما بدأت المصالح تعاني من ارتفاع كلفة المازوت نفسه، وعدم قدرتها على مواكبة الأسعار الجديدة، بعد أن جرى رفع سعر الصرف المعمول به لاستيراد المادّة من 1507.5 إلى 3900 ليرة مقابل الدولار الواحد. وبذلك، لم تعد مصالح المياه قادرة على تأمين المازوت من ميزانياتها الخاصّة، حتى لو تمكّنت من العثور على مصادر لتأمين هذه المادة.

البدائل المتوفّرة
البديل المتوفر بشكل بديهي، هو القطاع الخاص، وتحديداً صهاريج المياه الخاصّة التي كانت تقوم منذ زمن بتأمين المياه للأسر في المناطق التي لم تكن تستفيد من شبكات مياه القطاع العام. لكنّ الأزمة الأساسيّة هنا هي كلفتها، التي تتجاوز ثلاثة أضعاف كلفة استخدام مياه شبكات القطاع العام. مع العلم أن كلفة شراء مياه القطاع الخاص آخذة بالارتفاع اليوم، نتيجة عدم توفّر المازوت المستعمل في شاحنات النقل، وغلاء سعره في السوق السوداء. وعلى أي حال، من الواضح أن كلفة مياه القطاع الخاص لن تكون بمتناول الغالبيّة الساحقة من الأسر اللبنانيّة، التي يستنزف مداخيلها في الوقت الراهن الارتفاع الخيالي في أسعار جميع الخدمات والسلع الأساسيّة.

في الوقت نفسه، يشير العاملون في هذا القطاع بالتحديد إلى أن أصحاب صهاريج المياه باتوا غير قادرين في الوقت الحاضر على مواكبة الارتفاع في الطلب على مياه القطاع الخاص، وتحديداً بعد أن انضمت مناطق عدة إلى صفوف الفئات غير القادرة على الحصول على خدمات مصالح مياه الدولة. علماً أن هؤلاء بدأوا برفع أسعارهم بشكل إضافي للتخلّص من نسبة الطلب الذي لا يمكن تلبيته في الوقت الراهن. أما في حال توقّف شبكات مياه الدولة بشكل كلي خلال بضعة أسابيع، كما توقّع تقرير اليونيسف، فستكون صهاريج القطاع الخاص غير قادرة على تلبية الغالبية الساحقة من الطلب، بسبب محدوديّة الصهاريج المتوفّرة، لا بل وحتى محدوديّة قدرة مضخات القطاع الخاص الإنتاجيّة. وعلى أي حال، من الأكيد أن أصحاب الصهاريج لن يكونوا قادرين على توسعة حجم أعمالهم خلال فترة قصيرة جداً، من خلال تجهيز صهاريج ومضخات إضافيّة، وخصوصاً في ظل ارتفاع ثمن هذه التجهيزات بالتوازي مع تدهور سعر صرف الليرة.

الطامة الكبرى: مياه الشرب
في الأساس، لم تستفد البلاد يوماً من مياه الشرب عبر شبكات المياه الرسميّة، إذ تمّت إحالة هذه المسألة بأسرها منذ البداية إلى القطاع الخاص. لكنّ المشكلة الأساسيّة في هذا النموذج بدأت تظهر اليوم، مع غلاء قوارير مياه الشرب نتيجة ارتفاع كلفة النقل وثمن المواد البلاستيكيّة المعتمدة لتعبئة هذه المياه، كما بدأت الشركات بالامتناع عن توفير هذه الخدمة للمناطق النائية، التي ترتفع كلفة نقل المياه إليها.

في الخلاصة، أمام الدولة مسافة تُقاس بالأسابيع المعدودة لتجد الحلول المطلوبة لكل هذه الأزمات المتصلة بشبكة المياه، من مسألة الدولارات المطلوبة للصيانة وقطع الغيار، إلى مسألة تزويد المضخات بالتيار الكهربائي أو تزويد مصالح المياه بالمازوت المطلوب لتشغيل مولداتها الخاصّة، وتأمين مياه الشرب للمنازل. وبانتظار ذلك، فلا يوجد مهرب من انتظار قرارات مماثلة لقرار مؤسسة مياه لبنان الشمالي، التي أعلنت الدخول في حالة طوارىء قصوى وتطبيق برنامج قاسٍ لتقنين عملية ضخ المياه. وهذه الأزمات المتراكمة تُضاف إلى لائحة طويلة من المشاكل التي ضربت كل مفاصل القطاعات الحساسة من دون استثناء، من الكهرباء إلى المحروقات والخبز والمصارف وغيرها. أما المعالجات الموضوعيّة التي يتم اعتمادها لهذه المشاكل، فستظل مجرّد عمليّة ترقيع مؤقتة، بغياب أي خطة معالجة جذريّة لحالة الانهيار النقدي والمالي الحاصل.


علي نور الدين- المدن