الشيوعي أعلن عن برنامجه للمرحلة الانتقالية: نحو دولة علمانية ديموقراطية
شارك هذا الخبر
Friday, June 18, 2021
أعلن المكتب السياسي في الحزب الشيوعي في بيان برنامجه للمرحلة الانتقالية، شارحا "ان لبنان يعاني من أزمة متعددة الأبعاد على الصعد السياسية والإقتصادية والإجتماعية كافة. فأزمة نظام الطائف وصلت الى مداها، مع فشل السلطات التنفيذية والتشريعية وشللها، وإزدياد مخاطر التشظي الوطني ومخاطر التدخلات الخارجية، السياسية منها والعدوانية، فضلا عن مخاطر تفشي جائحة الكورونا التي لم تكتمل فصولها بعد. ويبرز، على الصعيد الأقتصادي، تفاقم الأزمة النقدية والمالية كجزء من أزمة اقتصادية أشد عمقا وشمولا، وأبرز عواملها: طغيان الانشطة الريعية والقطاعات المتدنية الانتاجية غير القادرة على خلق الوظائف، وانهيار البنى التحتية ووظائف الدولة الأساسية، وغياب التقدم التكنولوجي والابتكار، والتفاوت الكبير في توزع الدخل والثروة وتراجع العوائد الناتجة عن العمل بالتزامن مع ارتفاع متواصل في كلفة المعيشة".
ورأى ان هذه العوامل "انتجت على الصعيد الإجتماعي بطالة وهجرة وتهميشا خصوصا بين الشباب، وأضعفت بنسبة كبيرة القدرة الشرائية للعمال والأجراء والموظفين ولمروحة واسعة من الفئات الاجتماعية الفقيرة والمتوسطة التي فرض عليها أن تتحمل بشكل غير متساو - مقارنة بالطبقات الغنية - الأعباء الضريبية وتكاليف خدمة الدين العام ونفقات الصحة والتعليم والنقل والسكن".
وأوضح ان برنامجه "لا ينطوي على مطالب موجهة الى السلطة القائمة، بل هو يرمي الى تحقيق تغيير عميق ينهي استثمار المنظومة الحاكمة للانقسامات الطائفية وما تنتجه من شلل دستوري، ويؤسس لبناء دولة ديمقراطية علمانية واقتصاد يلبي تطلعات الشباب والمتعلمين والنساء والطبقة العاملة والفئات المتوسطة نحو التقدم والحداثة والعدالة الاجتماعية، بدلا من اقتصاد تسيطر عليه الاحتكارات والمصارف والرساميل الكبرى المستظلة بنظام سياسي مذهبي تحاصصي متخلف ورجعي لا يليق بلبنان القرن الواحد والعشرين".
ولفت الى انه "يدرك أن أهداف الانتفاضة ليست من النوع الذي يمكن تحقيقه عبر برامج مجتزأة أو فئوية أو ذات طابع مطلبي بحت، بل هي من النوع الذي يتطلب برنامجا متكاملا وجذريا ينهي مرحلة ويبني على أنقاضها مرحلة جديدة ترسي الأسس السياسية والاقتصادية والاجتماعية لعملية التغيير".
أضاف البيان: "ان الإنتقال من انتفاضة اكتوبر في اتجاه التغيير يستند الى متغيرات عميقة في اسس النظام السياسي- الإقتصادي اللبناني، مما يطرح على الانتفاضة مهمة التحول الى ثورة ديمقراطية تتطلع الى نزع الهيمنة المزدوجة للرأسمال والأحزاب الطائفية التي تحول تحالفهما المتقادم الى عائق أساسي أمام التقدم وأمام الاستجابة لمصالح القوى الاجتماعية الحية في لبنان، وبخاصة العمال والأجراء والشباب والنساء. فقد برزت حقائق أساسية تحتم على قوى التغيير اعتبار أن النظام القديم قد بلغ نهايته ولا بد من الدفع في اتجاه تغييره وإرساء ديمقراطية حقيقية وبناء الأقتصاد المنتج والعدالة الأجتماعية".
وأشار الى أن انفجار مرفأ بيروت الذي دمر جزءا أساسيا من العاصمة، جاء ليرسخ فعل هذه الحقائق، نظرا لضخامة الخسائر البشرية والاقتصادية والاجتماعية التي نجمت عنه ولعجز المنظومة الفاضح عن التعامل مع تبعاته بما في ذلك التقدم الفعلي في انجاز التحقيق الجنائي. وها نحن اليوم في مرحلة انتقالية يموت فيها القديم فيما الجديد لم يولد بعد. من هنا بات وقف هذا المسار المأزوم مهمة وطنية راهنة أمام القوى السياسية التقدمية والديمقراطية وجميع مكونات حالة الاعتراض الوطني والديمقراطي والقوى الطبقية المتقدمة في المجتمع، ومن ضمنها الطبقة العاملة والعاملون لحسابهم والمتعطّلون عن العمل وأجزاء من البورجوازية الصغيرة والبورجوازية المنتجة المستثمرة في الصناعة والزراعة واقتصاد المعرفة، للسير معا باتجاه مسار آخر، مسار إنقاذي يطرح الحزب الشيوعي فيه تأسيس عقد اجتماعي تحت شعار "نحو دولة ديمقراطية علمانية...نحو بناء ألأقتصاد المنتج...نحو العدالة الأجتماعية".
ودعا الحزب "جميع الحلفاء والأصدقاء والهيئات الإجتماعية والمهنية وعموم الشعب اللبناني الى دعم برنامجه في هذا المجال. أولاً: في التغيير السياسي وبناء الدولة العلمانية الديمقراطية - إقرار قانون للانتخابات النيابية يعتمد النسبية خارج القيد الطائفي على أساس لبنان دائرة واحدة أو دوائر موسّعة، مع التوازن في نظم الدعاية والاعلام والتمويل الانتخابي والمكننة وخفض سن الاقتراع إلى 18 سنة وتطبيق الكوتا النسائية بما يحدّ من تأثير الخطاب الطائفي والنفوذ المالي في العملية الانتخابية، ويؤمن أوسع تمثيل ممكن للقوى السياسية وينتج برلماناً جديداً يعمل على إصدار القوانين الضرورية لتطوير النظام السياسي اللبناني والنهوض بالاقتصاد والمجتمع. - اجراء الانتخابات النيابية وفقا للقانون الجديد، وإعادة تشكيل السلطة السياسية على أسس جديدة بعدما عجزت السلطة القائمة عن تأمين الانتظام العام وعن معالجة تفاقم الخلل العضوي في شرعيتها وسياساتها ومؤسساتها العامة، مع التطلّع في هذا المنعطف الخطير الذي يمرّ به البلاد نحو ترجمة روح الانتفاضة وقدراتها وطاقاتها في صناديق الاقتراع، أي في نتائج هذه الانتخابات. - استحداث مجلس للشيوخ تتمثل فيه جميع الطوائف وتختصر صلاحياته على قضاياها الخاصة. - اقرار قانون مدني موحّد للأحوال الشخصية، يتم تطبيقه بشكل اختياري ومؤقت ليتحول بعد عشر سنوات حدّا أقصى إلى قانون إلزامي - وضع قانون وطني جديد للأحزاب السياسية يتماهى مع عملية التحرّر التدريجي من الطائفية. - - إستحداث قانون عصري لمفهوم الإقامة، يحدّد مكان ممارسة المواطن لحقه الإنتخابي السياسي والبلدي إنطلاقا من معايير واضحة، كبديل للمكان المحدّد في سجلات النفوس، مما يتطلب اجراء مسح سكاني شامل، من دونه لا تستقيم القوانين الانتخابية والسياسات الاقتصادية والضريبية. - إستكمال التغيير السياسي بتطوير معايير الفصل بين السلطات التشريعية والتنفيذية والرقابية والقضائية، والإلتزام بشكل خاص باعادة بناء القضاء كسلطة مستقلة محصّنة بمهنيتها وإستقلاليتها، كبديل لإستمرار رهنه للقوى المسيطرة سياسيا وإقتصاديا. - إقرار قانون عصري نسبي للحكم البلدي مع قانون اللامركزية الإدارية في دولة علمانية ديمقراطية، يعزّز مقومات التنمية الإقتصادية والإجتماعية في الإطار المحلي، ويحدّ من استمرار حصر وتركّز معظم الموارد والثروات في قبضة الحكم المركزي. ثانيا: في السياسات الآنية ألأقتصادية وألأجتماعية تقضي أولويات السياسات الآنية بالعمل على وقف تبعيات الانهيار النقدي الذي يلف البلاد حاليا عبر: - إجراء حساب شامل لجميع أصول ومتوجبات الدولة والقطاع المصرفي (الخاص والعام)، مع التشديد على أهمية المضيّ في التحقيق الجنائي في حسابات مصرف لبنان (وحسابات المؤسسات العامة الأخرى لاحقا) كي يتمّ تقدير القيمة الاجمالية للخسائر، والتأكيد على تحميل عبئها الأكبر للقطاع المصرفي وكبار المودعين الذين استفادوا على مدى سنوات من السياسات المالية والنقدية السابقة، - اخضاع المصارف التجارية الحاملة لجزء كبير من الدين العام بالليرة اللبنانية وبالدولار الأميركي على الغاء جزء كبير منه في اطار السعي الى إعادة هيكلة الدين العام، على ان يترافق ذلك مع خفض مواز في قيمة الودائع الكبيرة التي تتركّز في الشطور التي تزيد عن مليون دولار والتي يمتلكها نحو واحد بالمائة من المودعين. - من ضمن قانون استعادة الأموال العامة المنهوبة والمهرّبة للخارج- الذي لا يكفي إقراره بل المهمّ إصدار مراسيمه التنظيمية ومحاكمة المرتكبين - يتوجّب العمل على استرداد الثلث المتراكم (المقدّر بنحو 27 مليار دولار اميركي) من قيمة خدمة الدين المتراكمة منذ عام 1993، والذي ثبت أنه ناجم - استنادا الى دراسات محلية ودولية موثّقة - عن تبعات تطبيق سياسة التثبيت النقدي المستمرّة منذ أوائل التسعينيات والتي ارتدت شكل زيادات مضخّمة وغير مبرّرة في معدلات الفائدة على رؤوس الأموال التي تمّ استجلابها من الداخل والخارج. وتتضمّن عملية الاسترداد: أ - اقتطاع نحو 75% من ثلث هذه الفوائد المتراكمة، اي حوالي 20 مليار دولار، لمرّة واحدة من خلال استهداف مصدرين أساسيين: ? عشرة مليارات دولار من كبارالمودعين، عبر ضريبة استثنائية على أصحاب الودائع فوق المليون دولار، على أن تتدرّج الضريبة بمعدلات تصاعدية بحسب الشطور من15% الى 25%؛ ? عشرة مليارات دولار من كبار مساهمي المصارف، 50% منها تعويضا عن قيمة الهندسات المالية المنفّذة بدءا من عام 2016، و50% استردادا لربع الأرباح المصرفية المحقّقة في السنوات العشر الأخيرة. على أن يجري تحصيل هذه الأموال إما عبر تدفقات مالية ونقدية مباشرة أو من خلال تصفية ما يملكونه من موجودات وأصول على الأراضي اللبنانية وخارجها. ب - اقتطاع ما يوازي 7 مليار دولار أميركي (أي ربع الثلث المصطنع من فاتورة خدمة الدين) من الزعماء الذين تعاقبوا على السلطة منذ 1992، ومن كبار موظفي الادارات والمؤسسات العامة والمصالح المستقلة وكبار المتعهدين لدى مجلس الانماء والاعمار والتكتلات الاحتكارية الكبرى في قطاعات المحروقات والدواء والاسمنت وغيرها، وذلك استردادا لما سطوا عليه من أموال عامة. وتتم استعادة هذه المبالغ بعد إصدار قانون رفع السرية المصرفية والحصانة الادارية عن هؤلاء وتخييرهم بواحد من خيارين:
إما القبول الطوعي بالتخلي عن جزء من رصيد حساباتهم الدائنة من دون مساءلة عن المصادر التي تكونت عبرها ثرواتهم الشخصية، على أن يتحدد هذا الجزء بمعدلات تصاعدية وفق شطور تصل الى 25% من تلك الثروات.أو الخضوع - إذا ما رفضوا الحل الطوعي - لتحقيق قضائي ومالي شفاف من قبل هيئة قضائية ومالية مختصة ومستقلة حول مصادر ثرواتهم للتأكد من طابعها النظامي وعدم تورط أصحابها بأعمال الرشوة والفساد والأثراء غير المشروع خلال فترة عملهم في قطاع الدولة (السياسيون والموظفون) أو خلال تعاقدهم مع هذا القطاع (المتعهدون، وأصحاب التكتلات الاحتكارية). وتتم في هذه الحالة مصادرة كل الثروات التي لا يجري تدعيمها باثباتات موثقة نظاميا.
- الشروع في تغيير منظومة السياسات الاقتصادية المعتمدة منذ عام 1992، وترجمة هذا التوجه عبر مواقف واجراءات تؤكد للأسواق والعملاء الاقتصاديين أن تلك المرحلة انتهت ولن يعود لبنان إليها. والمهمة الأساسية في هذا الإطار تقضي بتقويض أساس النموذج القديم القائم على الاستدانة الحكومية وتراكم الرأسمال الريعي الناتج عنها، بعدما أفضى الإنفاق العام الكبير وغير المنتج الذي حصل منذ بداية التسعينيات - بالتزامن مع خفض الضريبة على الرأسمال - إلى تراكم الدَّيْن العام وأعبائه على عموم المواطنين من جهة وتركّز الثروة لدى القلّة من جهة أخرى. ومن دون هذا التعديل، لا طائل من المراهنة على أي سياسات ولا فائدة من الاتكال فقط على النمو أوعلى التدفقات الخارجية.
- استحداث خطة انقاذ اقتصادية واجتماعية في مواجهة أزمة الكورونا التي أكدت أن النموذج الاقتصادي النيوليبرالي الذي اتبع في العقود الأربع السابقة قد فشل في تحقيق التعاقد المجتمعي وزاد الفوارق الاقتصادية والاجتماعية واضعف النظم الصحية والتعليمية التي تشكل العصب الرئيسي لقوة المجتمع.
وفي دور الدولة في الاقتصاد، شدد البرنامج على وجوب العمل على استرداد دور الدولة الفاعل وتأكيد ملكيتها لمرافق عامة أساسية في الاقتصاد، كالكهرباء والاتصالات والمياه والطاقة، من خلال امتلاك رؤية اقتصادية بعيدة المدى وإعادة الاعتبار للموازنة العامة والاستثمار الحكومي في تطوير وصيانة شبكات المرافق العامة والبنى التحتية والالتزام بقانون عصري للشراء العام، بحيث تغطي هذه الشبكات بصورة متوازنة المناطق اللبنانية المختلفة. هذا بالإضافة إلى توفير الخدمات المجتمعية الأساسية كالصحة والتعليم الرسمي العام والعالي (الجامعة اللبنانية) والنقل العام وأنظمة الرعاية الاجتماعية والتقاعد وضمان البطالة ودعم ذوي الحاجات الخاصة لتمكينهم من الاستمرار والانتاج، والعمل على إعادة هيكلة النفقات العامة وإنهاء حقبة الأنفاق التوزيعي لنظام الطائف، وإقرار قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار ومكافحة الفساد المتأصل في نظام المحاصصة الطائفية، وإعادة صياغة مجمل عناصر سياسة الحماية الاجتماعية، وبخاصة: تعزيز وتطوير دور الهيئات الضامنة لا سيما الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي الذي يجب أن تتوسع مروحة المنتسبين اليه، ويستبدل فيه نظام تعويضات نهاية الخدمة بنظام وطني للتقاعد، كما يستحدث فيه فرع لضمان البطالة وإقرار مشروع التغطية الصحية الشاملة للمقيمين من اللبنانيين، على أن يتمّ تمويل هذا المشروع من المال العام وليس من نظام الاشتراكات، والعمل الجاد على تحسين جودة التعليم الرسمي خصوصا في مرحلتي التعليم الابتدائي والعالي (الجامعة اللبنانية)، بما يشمل البرامج والمواد التعليمية وطرق التعليم وإعداد وتطوير قدرات المعلمين، مع التأكيد على استقلالية الجامعة اللبنانية وإعادة صياغة مجمل الاطر الوظيفية الناظمة لعمل لجنة المؤشر والتأكيد على إضفاء طابع دوري ممأسس على عملية تصحيح الأجور في القطاعين الخاص والعام كلما تراجعت القيمة الحقيقية للأجور بنسبة معينة".
وفي خطة للاستثمار في البنى التحتية والمرافق العامة، اعتبر البرنامج ان "اعادة تشييد البنى التحتية سيكون لها الأثر الأيجابي البالغ على تحسين مستوى الإنتاجية والتوظيف في الاقتصاد. وعلى الدولة ان تكون هنا ايضا ريادية في هذا المجال، على ان يتبعها اذا ما دعت الحاجة انفتاح على شراكة مع القطاع الخاص او مع مستثمر خارجي ضمن مهل زمنية وشروط سيادية واضحة ومحددة، بدلا من استمرار المراوحة في سياسة الإنتظار التي كلفت الأقتصاد اللبناني الكثير من الفرص الضائعة ، واعادة بناء مصانع الكهرباء وتحديث قطاع الطاقة مع السعي الى الاستحصال على القروض ذات الكلفة القليلة من بلدان صديقة لتمويل الاستثمار في هذا القطاع وبناء شبكة عصرية ومتطورة للنقل العام تحل معضلات الازدحام اليومي وارتفاع كلفة النقل الخاص والتلوث الناجم عنه، ما يستدعي إطلاق مشروع ضخم لبناء شبكات من القطارات والمترو والحافلات العامة المنتظمة بين كافة المناطق اللبنانية، مع ما تحمله من أثر إنمائي أيضا، و ضمان حق لبنان بثروته النفطية والغازية واستخراجها، واعتبارها ليس موردا ماليا وريعيا فقط، بل رافعة أساسية للتنمية الاقتصادية، وبخاصة الصناعية منها، وأداة فعلية للتنمية الاجتماعية وتوطين واستيعاب التكنولوجيا، مع مراعاة توزيع ثمارها بشكل عادل على الأجيال،ووضع خطة شاملة لمعالجة الآثار البيئية والاجتماعية الناجمة عن تفاقم مشاكل المياه والكسارات والمرامل والمكبات العشوائية وجمع النفايات وشبكات الصرف الصحي، مع وقف كافة الاعتداءات على الأملاك البحرية والنهرية العامة والخاصة".
ولفت البرنامج الى ان الاقتصاد اللبناني "يعاني من الشلل على المستوى الإنتاجي. وتتطلب مواجهة هذه المعضلة أكثر من الاعتماد فقط على"تحسين بيئة الأعمال" وقوى السوق الحرة، لأن هذه القوى بالذات هي التي تعيد انتاج الاقتصاد نفسه عاما بعد عام من دون أي تغيير في بنيته. المطلوب اليوم تدخل "اداة" من خارج الاسواق وذلك من أجل تحويل جزء من الفائض الاقتصادي الذي يذهب اليوم إلى القطاعات المالية والخدماتية والتجارية والريعية ويستخدم في تكديس الثروة لدى القلة، نحو إعادة تشييد البنى التحتية من كهرباء واتصالات وشبكات صرف صحي وطرقات ومياه بالإضافة إلى حل مشكلة النفايات والمحافظة على البيئة الطبيعية؛ وكذلك نحو دعم القطاعات المنتجة وتحفيز الشركات المنتجة التي توظف المهارات العالية وخريجي الجامعات ". واعتبر ان الاقتصاد اللبناني "يحتاج الى نظام ضرائبي جديد يطال أساسا الثروات والأرباح، ويؤمن للدولة المداخيل التي تسمح لها بتمويل وظائفها الأساسية وخدماتها العامة، بدل التخلي عن هذه الوظائف لكبار الرأسماليين عبر الخصخصة أو عبر ما يسمى "الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص".
ورأى البرنامج "بعد ان تبين الدور المحوري لسياسات المصرف المركزي في انتاج الأزمة الاقتصادية والنقدية، المطلوب جعل سياسات مصرف لبنان أكثر استقلالا عن المصالح الخاصة للنواة المصرفية الاحتكارية الضيقة، وأكثر توافقا مع مصالح الشعب اللبناني بالاستثمار المنتج والتوظيف في التطور الاقتصادي، ويكون ذلك عبر: إلزام مصرف لبنان بنشر دوري للحسابات النظامية المفصلة لأرباحه وخسائره وإخضاع سياسات المصرف المركزي للمحاسبة الديمقراطية من قبل مجلس النواب عبر جلسات استماع دورية للحاكمية أمام اللجان المشتركة المعنية بالمال والاقتصاد و تشريع الشفافية في عمل المصرف المركزي عبر إلزامه بنشر محاضر جلسات المجلس المركزي ليطلع النواب والرأي العام على كيفية إدارة السياسة النقدية من جانب مصرف لبنان و تعديل المادة 70 من قانون النقد والتسليف بحيث تضاف أهداف النمو الاقتصادي والمحافظة على درجات عالية من التوظيف في الاقتصاد من حيث هي أهداف مستقلة تتساوى مع هدف المحافظة على قيمة النقد الوطني".
وفي المسائل السياسية الاخرى الملحة، في القضية الوطنية وبناء الدولة المقاومة، دعا البرنام الى العمل على "تحرير القرار السياسي للدولة اللبنانية من التبعية للخارج بحيث تصبح دولة مقاومة قادرة، بمقوماتها الذاتية الوطنية، على الدفاع عن أرضها وبحرها وجوها وثرواتها، وعلى مواجهة المشروع الصهيوني المعادي للبنان والمعادي أيضا لقيام الدولة العلمانية الديمقراطية فيه، وذلك تأكيدا لحق الشعب اللبناني الذي تم تجسيده بالملموس على امتداد تاريخه الوطني المقاوم. والمطلوب كأولوية تعزيز قدرات الجيش وتأمين مستلزماته العسكرية كافة، على أن تضطلع الدولة بمهمة تمويله دون انتظار الهبات المشروطة بأجندات سياسية من الخارج تمس بسيادتنا واستقلالية قرارنا. فهذه هي المنطلقات لتحرير باقي المناطق اللبنانية المحتلة وتحصين الوحدة الداخلية وتقوية مناعتها وتأمين مقومات الصمود والمقاومة في القرى الحدودية".
وفي قضية اللاجئين الفلسطينيين والسوريين، دعا البرنامج الى "بلورة معالجات لقضية اللاجئين السوريين، ومن ضمنها العمل على تأمين عودتهم السوية الى بلدهم، بالتعاون مع الامم المتحدة والحكومة السورية".مؤكدا "وجوب مكافحة مختلف أشكال الحملات والممارسات العنصرية ضد السوريين والفلسطينيين والأجانب، ومنح اللاجئين الفلسطينيين في لبنان حقوقهم المدنية الأساسية التي تكفلها المواثيق والاتفاقات الدولية، ومن موقع الأخوة والتضامن بين الشعبين، وفي طليعتها حق العمل والتعليم والاستشفاء، وذلك بهدف تحسين اوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية".
ودعا الى اعتماد سياسة خارجية جديدة "تؤكد احترام خيارات الشعوب في سعيها المشروع لتحقيق أهدافها في التحرر الوطني والتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ودعم القضية الفلسطينية وخيارات الشعب الفلسطيني وحقه في المقاومة ووقف الاستيطان والتمسك بالأرض وحق العودة وتقرير المصير وبناء الدولة الديمقراطية العلمانية على كامل فلسطين التاريخية وعاصمتها القدس، في مواجهة السياسات الصهيونية التي تسعى إلى إرساء يهودية الدولة وترسيخ الاستيطان وتهجير الشعب الفلسطيني، ودعم الحل السياسي للأزمة السورية ضمن الدولة السورية الديمقراطية الموحدة التي يختارها الشعب السوري، وإدانة العقوبات الاقتصادية والتدخلات الخارجية في شؤونها، واستعادة لبنان للعلاقات السياسية والاقتصادية معها".
وختم البيان، بالاشارة الى انه على "لبنان ان يستعيد دوره الريادي في المجال الديبلوماسي والسياسي الخارجي وأن يكون قادرا على استخدام مروحة علاقاته الدولية والإقليمية الموسعة مع الدول الصاعدة ومع القوى والأحزاب التقدمية من أجل توفير حلول للقضايا العربية الملحة، ومن اجل تحقيق اشكال تكامل اقتصادي أكثر تطورا بين الدول العربية، وبخاصة دول الجوار في المشرق العربي، ودعم انتفاضات شعوبنا العربية ونضالاتها ضد انظمة القمع والافقار والتطبيع من اجل تحررها الوطني والاجتماعي وتحقيق مصالحها في التنمية والعدالة الاجتماعية والأمن والاستقرار".
ولفت الى أن آلية العمل لتحقيق المشروع في المرحلة الانتقالية ، تتطلب من الحزب وقوى التغيير الديمقراطي وضع هذا البرنامج في خدمة اطلاق المبادرات من أجل تعبئة الطاقات والجهود المشتركة لإطلاق المشروع السياسي البديل وبناء التحالف الاجتماعي وتأسيس وتعميم اللجان الشعبية في المدن والمناطق، وصولا الى بناء الائتلاف الوطني الواسع لقوى التغيير، يقدم نفسه بديلا عن المنظومة الحاكمة، ويتولى مسؤولية قيادة الصراع معها، لخلق موازين قوى جديدة تفرض تشكيل حكومة إنقاذ وطني انتقالية، بصلاحيات تشريعية استثنائية، من خارج المنظومة الحاكمة لإدارة المرحلة الانتقالية".