بعض من مبادئ مدرسة الرئيس شمعون للنهوض بلبنان - المحامي فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Friday, June 18, 2021


أثبتت التجارب على مدى العصور انه لا وجود لدولة قوية وغنية بالمطلق ولا لدولة فقيرة ضعيفة بالمطلق، بل هناك مدرسة سياسية وفكرية تقود الدولة للنجاح والتقدم وهنالك ممارسات تدمر الدولة وتقوّض اركانها. فكم من امبراطوريات عظيمة سقطت وتهاوت بفعل فساد حكامها ورداءة ادائهم، وكم من دول فقيرة ضعيفة طوّرت ذاتها وعرفت القوة والازدهار بفعل سياسات حكيمة ادارتها وتولت شؤونها، وهو ما يسمى بالحوكمة.
لقد حققت مدرسة الرئيس كميل نمر شمعون لبنان العز والمجد، وجعلته يقارع أرقى دول العالم ازدهاراً وعظمة وأقواها اقتصاداً وفاعلية تحت نور الشمس، وذلك رغم ان جميع المعطيات التي كانت موجودة آنذاك هي ذاتها موجودة اليوم.
واذا اردنا تطبيق بعضاً من مبادئ المدرسة الشمعونية على وضعنا الراهن للنهوض من جديد بلبنان، فما هي الخطوات الأولية الواجب اتباعها؟
١-نبذ التوريث السياسي والمصالح الفردية: لم يعمل الرئيس شمعون يوماً على توريث احد، لا بل حارب اية مصلحة خاصة او فردية لاي من افراد عائلته في السلطة، فلم يوّزر اياً من اقاربه في حكومات عهده، ورفض ترشيح ابنه لانتخابات العام ١٩٥٧ النيابية، فيما بقي شقيقه قاضٍ منفرد طوال فترة ولايته.
بحيث وضع نصب عينيه مصلحة الوطن على أنها المصلحة المثلى والفضلى، التي تسمو على اية مصلحة أخرى.
٢-الرئيس المسيحي القوي في بيئته المسيحية، فقد شكّل المرجعية الحاضنة لمختلف الاحزاب والقوى والعائلات المسيحية، دون خوف او وجل من شخصية او حزب قد ينافسه على موقع سلطوي. فأنتج تضافر القوى هذا حضوراً فاعلاً للرئيس القوي المتكامل مع المسيحيين الاقوياء في بيئة صلبة منيعة.
٣-الرئيس القوي في بيئته الوطنية، لم يتموّضع الرئيس شمعون ضمن تحالف او مع فريق ضد آخر. بل عمد الى هدم الحواجز الطائفية والمذهبية والمناطقية، ومد يده بكل صدق واخلاص لمختلف القوى والاحزاب والمرجعيات الوطنية، فأوجد لبنان القوي بمختلف اطيافه ومكوناته. وقد حرص على بناء افضل العلاقات حتى مع مخاصميه، لاسيما ممن اختار الخط الناصري، وتحاور معهم وحاججهم بالعقل والمنطق ومصلحة لبنان العليا.
٤-الرئيس القوي في بيئته العربية والاقليمية. كان الرئيس شمعون رأس حربة في الدفاع عن القضايا العربية، وعلى رأسها القضية الفلسطينية. وجهد في حل النزاعات بين الاخوة العرب، وأقام افضل العلاقات مع العالمين العربي والاسلامي ومع القادة العرب والاقليميين كافة، ومن ضمنهم ايران وتركيا وصولاً الى باكستان. الامر الذي ادى الى تعزيز موقع لبنان في محيطه واستقطب اهتمام هذه الدول بلبنان، وساهم بتدفق البترول والرساميل والبترودولار اليه، فازدهر الاقتصاد ونشطت الصناعة والتجارة والترانزيت، وبلغت السياحة اوّجها، بحيث اصبح لبنان مصرف الشرق، وفندق الشرق، ومستشفى الشرق، ومدرسة الشرق، وعاصمة الشرق السياحية والثقافية.
٥-الانفتاح ورفض مغريات التقوقع. كان يكفي ان يمد الرئيس شمعون يده لعبد الناصر كي يضمن تجديد ولايته الرئاسية والاستفادة من مغانم السلطة. انما، على عكس ذلك، نبذ كل مصلحة فردية او انانية له، ورفض الانغلاق في المشروع الناصري المسيء للبنان وثقافته ومستقبله، واعتمد سياسة الانفتاح تحقيقاً لمصلحة لبنان وسيادته وامنه وازدهاره.
٦-من الجدير التوقف عند آراء الرئيس شمعون وخطاباته ومراسلاته للملوك والرؤساء العرب عامة، وللرئيس جمال عبد الناصر خاصة، والتي تضمنت رؤيته حول كيفية حلّ المسائل العربية الشائكة وكيفية تفعيل الدور والحضور العربي في المنتديات الدولية، وبناء افضل العلاقات ومد جسور التواصل الحضاري والثقافي مع العالم الحر تحقيقاً للأهداف العربية السامية والمحقة.
هذه الآراء والخطب والمراسلات تشكل مدرسة في السياسة والديبلوماسية يقتضي الرجوع اليها والتعلّم منها والاقتداء بها.
٧-اقام أفضل العلاقات مع الشرق والغرب ضمن مفهوم الحياد الناشط الايجابي. بحيث وطّد العلاقات مع دفتيّ العالم وحرص على تعزيز موقع لبنان في المنتديات الدولية كافة، وجعله محط احترام وتقدير عميق في مختلف اوساط المجتمع الدولي. وقد ساهمت هذه العلاقات بجعل لبنان دولة فاعلة ومؤثرة، يشهد على ذلك دوره بوقف العدوان الثلاثي على مصر في العام ١٩٥٦، وتدخله المباشر لتسوية عدة نزاعات دولية عالقة.
٨-احاط نفسه بعمالقة الفكر والسياسة والاقتصاد والامن، فشكل فريق عمل كفوء ووطني ونزيه، ولم يجد المتسلقون المتزلفون الوصوليون مكاناً لهم بالقرب منه. وقد حرص فريق الرئيس شمعون على بناء المؤسسات الوطنية الفاعلة وتطوير الادارات ووضع الخطط الاقتصادية والتنموية لمختلف القطاعات الاقتصادية والانتاجية والاستفادة من مقدرات لبنان البشرية والطبيعية كافة.
٩-لا يوجد في قاموس مدرسة الرئيس شمعون تعابير العجز والاستسلام والانهزام والانكفاء.
ان العمل في الشأن العام هو حركة دؤوبة لا تهدأ. لم يستسلم لأي عذر يحول دون تحقيق الاهداف المرسومة، ولم يتوسل أية ذريعة لتبرير تقاعسه، بل عمل ليل نهار وكافح ونجح بتوفير الامان والسلام والبحبوحة والرخاء للشعب كل الشعب.
١٠-أسس ورسخ بنية لبنان كعاصمة للشرق الاوسط. فشهدنا بناء القصر الجمهوري في بعبدا، وانشاء مصرف لبنان، واقامة قصور العدل، الجامعة اللبنانية والمدارس المهنية، تشييد مطار بيروت الدولي، المستشفيات الحكومية، الموانئ العديدة وعلى رأسها مرفأ بيروت، المدينة الرياضية، كازينو لبنان، تلفزيون لبنان والاذاعة اللبنانية، بورصة بيروت، مهرجانات بعلبك، وشهدنا ثورة السدود ومشاريع الري ومعامل انتاج الطاقة، واكبتها عشرات القوانين العصرية المتقدمة، وسواها من الانجازات التي لا تحصى ولا تعد.
١١-استغل مختلف مقدرات ومقومات لبنان من اليد العاملة الى طبيعة لبنان وارضه ومناخه وموقعه الاستراتيجي وثرواته المختلفة المائية والبيئية والثقافية وسواها، وصولاً الى الدياسبورا، خزان لبنان البشري في العالم، بحيث رسم حدود لبنان على امتداد انتشار ابنائه، وسعى مع هذه القوى البشرية والفكرية والاقتصادية والسياسية اللبنانية المنتشرة، الى حمل لبنان وتبني قضاياه ودعم مصالحه في دول انتشارهم وفي المحافل الدولية كافة.
١٢-تعزيز وتحصين الجيش والامن والقضاء والمؤسسات الرقابية، الأعمدة الاساس لبناء وثبات الوطن.
من المؤكد ان مجرد مقالة لا يمكن ان تلمّ بمختلف جوانب فكر ومدرسة وانجازات عملاق الشرق الرئيس كميل نمر شمعون، انما الاستنارة ببعض من تعاليم ومبادئ هذه المدرسة واعتمادها، كفيل بالنهوض بلبنان واستعادة زمن العز والمجد. فهل من يتعلم ويقتدي؟ وهل توجد نيّة صادقة لدى مسؤولي اليوم للنهوض بلبنان؟