خاص - التآكل والتحلل فالاستسلام... عنوان الجيل الرابع من الحروب

  • شارك هذا الخبر
Saturday, May 29, 2021

خاص - الكلمة أونلاين
المحامي فؤاد الأسمر


كانت الحروب قديماً بين الدول المتخاصمة كناية عن صدامات واشتباكات عسكرية تستعمل فيها أنواع شتى من الأسلحة والمعدات الحربية مع ما تحمله من قتل وتنكيل واحتلال. وعلى مرّ الزمن شهدنا تطوراً تقنياً وتكنولوجياً رافق هذه الحروب من جيل الى جيل.
أما اليوم فإن غالبية الدول تجنح الى اعتماد استراتيجيات وتكتيكات جديدة تخرج عن المفهوم التقليدي للحرب، وهو ما يسمى الجيل الرابع من الحروب.
هذا الجيل يعتمد مفهوماً جد مختلف عن المفهوم القديم والباهظ الأكلاف. بحيث تعتمد استراتيجية الجيل الرابع على مبدأ تآكل الدولة المعتدى عليها من الداخل، وتحلل القيّم فيها، وصولاً الى تحلل اداراتها ومؤسساتها الأمر الذي يرمي بهذه الدولة وشعبها في اتون من العبثية والعدمية انتهاءاً باستسلامها لرغبة العدوّ.
ويمكن تلخيص مفهوم هذا الجيل الرابع من الحروب بعبارة: "الإنهاك، والتآكل البطيء فالاستسلام".
تبدأ الحرب من خلال خلق فئة حاكمة فاسدة، عميلة للخارج عن معرفة أو عن جهل، تعمد الى انهاك الدولة ومؤسساتها بالفساد والفوضى والمحسوبيات والانحرافات، أي بانهاك الدولة ومؤسساتها.
يترافق مع هذا الانهاك عنصر التآكل الهادئ والبطيء، وهو جزء بالغ الخطورة من الحرب. بحيث يؤدي هذا التآكل الى خراب وتدمير ممنهج للمؤسسات الوطنية ولقدرة الدولة. فتنهار ركائز وأساسات الدولة ومقوماتها الأمنية والاقتصادية، آخذة معها العملة والمصارف والقطاعات الاقتصادية والانتاجية، وتعجز الدولة عن تأمين أبسط متطلبات المواطنين ويستحيل عليها توفير الخدمات الأساسية والجوهرية لهم من أمن واستشفاء وطبابة وتعليم وحتى الخدمات البديهية من ماء وكهرباء، وصولاً الى تحويل الناس الى "قطعان هائمة" تحاول الانقضاض على بعضها البعض بعد ان شُلَّت قدرة البلد على الاضطلاع بدوره وبأدنى موجباته او مسؤولياته.
إن استراتيجية الانهاك تعني نقل الحرب من جبهة الى أخرى، ومن أرض الى أخرى، واستنزاف كل قدرات الدولة المُعتدى عليها على مراحل متباعدة ، وجعل هذه الدولة تقاتل نفسها بنفسها على جبهات متعددة محاصرة "بضباع محليين" ينهشون منها دون رحمة ولا هوادة.
علماً بأن هذه الاستراتيجية ترفض الانهيار السريع للدولة، لأن الانهيار السريع تستعصي عليه بعض المؤسسات المتينة والصلبة في الدولة والمجتمع، بحيث أن أفضل سبيل للانهيار الشامل هو التآكل البطيء، بهدوء وثبات عبر سنوات من خلال محاربين "محليين شرسين وشريرين" يخدمون مشروع عدوهم وهو السيطرة وتقويض الدولة والمجتمع المُعتدى عليهما انتهاءً بمحو هذه الدولة وهذا المجتمع.
إن مراقبة وتتبع الواقع اللبناني المتمثل بتسليم الدولة ومؤسساتها الى عصابات تحكّمت فيها وما تزال، وهذه العصابات، بالتواطؤ مع الخارج، أغرقت لبنان بالمديونية، وانهالت نهباً وسرقة للمال العام، وتدميراً ممنهجاً لا بل تحطيماً سافراً ويومياً لمؤسساتها وقدراتها، وصولاً الى حالة من الانهيار التام على مختلف الصعد، جعل من البلد والشعب اليوم اشلاءً عاجزة مستسلمة بحالة انتظارٍ مميت للرغبة الخارجية، "لأية رغبة او ارادة خارجية " بحيث ينساق اليها اللبنانيون يائسين صاغرين، وذلك ليس الا دليلاً ساطعاً على ضراوة هذه الحرب التي شُنَّت وما تزال على لبنان بمعاونة المسؤولين الاشاوس فيه! فهل من يتعظ ويتعلم؟ وهل من شعب يسأل أو يحاسب؟ أم أن الأوان قد فات؟