غطرسة إسرائيلية وتقهقر عربي...وغياب لبناني

  • شارك هذا الخبر
Friday, May 14, 2021



المركزية- كتب أديب أبي عقل:مشهد المجازر التي يرتكبها العدو الإسرائيلي ضد الفلسطينيين الذين يواجهون آلاته الحربية باللحم الحي، يدمي القلوب ويؤذي المشاعر الإنسانية في الصميم، في جريمة موصوفة بالصوت والصورة ضدها، فيما العمل العربي المشترك غائب، ومواقف التنديد والاستنكار بعيدا من أي خطوات عملية لردع العدوان، هي العادة، في عز التفاهمات العربية، فكيف اليوم، والخريطة الجيوسياسية العربية ترسم صورة قاتمة عن حال تشرذم الأمة .

ويبدو أن ما يحصل اليوم، له في السياسة قراءة إقليمية، على خلفية ما يُجرى من مفاوضات أميركية-إيرانية في الملف النووي، وسعودية-إيرانية لتنفيس الإحتقان وتبريد الأجواء السنية-الشيعية في المنطقة، فيما الثابت الوحيد أن العرب لم يأخذوا العبرة من التصرف الإسرائيلي الذي لم يُقم أي اعتبار لخطواتهم في فتح صفحة سلام مع هذا الكيان. بدليل أن الفلسطينين يدفعون دمهم ثمناً لما يحصل، وللوضع السياسي والحكومي المأزوم في اسرائيل نفسها. حتى أن الجامعة العربية لم تجد في مجازر اسرائيل الأخيرة ما يستوجب توجيه الدعوة إلى عقد قمة عربية طارئة لاتخاذ الموقف المناسب، وإعادة تعويم مبادرة بيروت العربية (2002) ومباشرة اتصالات مع المراجع الدولية المعنية لدفع تل أبيب إلى تنفيذها.

فإيران منهمكة في "صراع" المفاوضات النووية، وما يتفرع عنها من مطالبتها بدور وازن ونفوذ محوري له موقعه وحضوره في حماية مناطق بحرية وحدود برية، وهو ما لم يحظٓ بعد بموافقة أميركية وغربية، ما يجعل المفاوضات صعبة ولكن غير مستحيلة.

في المقابل، السعودية ومعها دول الخليج، منهمكة في مفاوضات تبريد الأجواء على الجبهة اليمنية-خاصرتها الرخوة منذ عقود- وإيجاد حل ينهي التوتر هناك.

العراق منهمك في متابعة تنظيم أوضاعه الداخلية وعلاقته مع ايران، وضبط الوضع الأمني الذي لا يزال متفلتاً في عدد من المحافظات.

مصر منهمكة مع السودان في قضية سد النهضة وانعكاسات خلافهما مع اثيوبيا على الدول المعنية مباشرة بالموضوع.

سوريا منهمكة باستحقاقها الرئاسي ، على رغم الشرذمة في الخريطة السياسية والجغرافية فيها، والنفوذ الروسي المتصاعد والحاضر بقوة، وكذلك الإيراني، ولو أنه تراجع سياسياً وميدانيا، لمصلحة توسع الدور الروسي، حيث أحكمت موسكو قبضتها وباتت صاحبة الكلمة الاولى والقرار.

ليبيا منهمكة هي الاخرى في محاولة النهوض وتركيب سلطتها السياسية وتنظيم قواتها العسكرية، والتدخل العسكري التركي فيها والصراعات الدائرة على أرضها.

الجزائر وتونس والمغرب في شمال افريقيا، بعدها الجغرافي يجعل مواقفها حيال التطورات الحاصلة، غير ذي تأثير في مجريات الأمور، والبعض منها منهمك بأزمات سياسية داخلية.

اما لبنان، فهو منهمك بشؤونه الداخلية، ولا يحاول العمل على فك العزلة السياسية والاقتصادية العربية والاوروبية والاميركية عنه. ومع ذلك، يواصل معظم المسؤولين المعنيين بتشكيل الحكومة-مفتاح إطلاق الوضع من الجمود القاتل- المكابرة والعناد وتبادل الاتهامات، وتحميل مسؤولية التعطيل، وكأن ترف الوقت يسمح بذلك، فيما اللبنانيون يعيشون ذلّ الانتظار والوقوف في الطوابير، للحصول على ما تيسر من الخبز والدواء والمحروقات، بينما تهريب هذه المواد قائم على قدم وساق، في تحدٍّ سافر للسلطة، في غياب أي خطة أمنية مشتركة، لوقفه واعتقال القائمين به وإحالتهم الى القضاء .

وعلى رغم المواقف الدولية لرؤساء دول ووزراء خارجية، التي تحمّل هذه الطبقة مسؤولية اللامسؤولية في إدارة الشأن، فان سياسة دفن الرؤوس في الرمال لا تزال مستمرة، وحسابات الحلول لم تعد تتناول كيفية الخروج من المأزق الراهن، بل باتت تصب في خانة الاستحقاق الرئاسي المقبل، وسبر أغوار توجهات أصحاب القرار والرأي الخارجي، ليُبنى على الشيء مقتضاه في حينه.

هل يمكن ان تنتهي هذه الشرذمة حيث الانهيار الشامل طاول كل القطاعات؟

في الجواب، يبدو واضحاً أن الواقع القائم، لا يحمل أي تباشير خير أو بارقة أمل، للخروج من النفق المظلم، واللبنانيون ينتظرون خلاصاً لا يبدو قريب المنال، في ظل الشرذمة العربية، واستمرار إسرائيل في غيّها وغطرستها بلا رادع، وفي انتظار ما سينتج عن المفاوضات الإقليمية من قرارات، قد تكون، في الجزء المتعلق منها بلبنان، بمثابة املاءات يتبلغها وما عليه إلا تنفيذها.