تسوية أمنية تنهي "عشرين عشرين"

  • شارك هذا الخبر
Thursday, May 13, 2021

لم يكن يتوقع أن ينتهي مسلسل "عشرين عشرين" الذي نال أعلى نسبة مشاهدة، ضمن مسلسلات رمضان هذا العام في لبنان، على مصير مختلف عما ظهر في الحلقات الثلاثين.

معضلة السيناريو أنه يزاوج بين الجانب الإنساني، والجانب الأمني المهني، ولا بد من الخروج برسالة حاسمة بأن تاجر المخدرات يجب أن يُهزم، منعاً لتكريس صورة أمنية عن صفقات يمكن أن تنمط صورة مختلفة لدور القوى الأمنية، تختلف عما يجب أن تكون عليه.

على مدى 27 حلقة، كانت القوة الأمنية مهزومة أمام تاجر مخدرات محترف، يتقن التخفّي، وينجح في ترويج المخدرات، ويمتلك أذرع وخططاً تؤهله لتنفيذ مهامه. كان الجانب الأمني في معضلة، كون العصابات استطاعت أن تنفذ، وأن تنتصر في جولة من معركة لا بد أن ينتصر فيها الأمن أخيراً.

انت الأنظار مشدودة الى ما يمكن أن ينتهي اليه الخط الدرامي الآخذ بالصعود، والذي حافظ على ذروة التشويق منذ الحلقات الأولى. لعب الكاتبان بلال شحادات ونادين جابر على وتر التشويق. تصعد المشكلة الى الذروة، ولا تهبط الى حل. كلما لامست انحداراً، تتسلق الى أعلى مرة أخرى. عقدة وراء عقدة، حتى بات المسلسل عالقاً بين القلب والعقل. بين ما يجب أن تكون عليه الأمور، حفاظاً على صورة الأجهزة اللأمنية التي يجب أن تنجح ولا تستكين أمام ضغوط سياسية أو أمنية، وبين قلب مشدود الى علاقة حب مستحيلة. حب بين رأسين متباعدين، كلاهما ضحية في موقعه، وكلاهما جلاد على الآخر.

فالريّس صافي (قصي خولي) ضحية علاقة عائلية تعمل في الممنوع، وتترك آلاف الضحايا وراءها من متعاطي المخدرات. أما النقيب سما (نادين نسيب نجيم) فهي ضحية عصابات المخدرات التي قتلت شقيقها، وتلاحق العصابة حتى تفكيكها وإحالتها الى المحاسبة القضائية. وبينهما، حب صامت، مستحيل، ينازع إنسانياً بين الواجب والعاطفة. كلاهما يبرر للآخر. يتفهم وظيفته. لكن أحدهما يجب أن ينتصر.

لا سبيل لانتصار الخارج على القانون. في ذلك إنتكاسة لصورة الأجهزة الأمنية اللبنانية. ولا سبيل لكسر الحب. ففي ذلك إهانة لمشاعر حب يتم تجريدها من نوازعها الإنسانية. لا يتنازل أي منهما تحت ضغط العاطفة. فهما رأسان. يُقطع الرأس ولا ينكسر. وتتراكم العقد، وصولاً الى الحلقة الثلاثين حيث يجب أن يُهزم الخارج عن القانون، من دون المساس برهافة القلب.

في ذلك، وجد الكاتبان مَخرَجاً. تسوية بين العقل والقلب. تسوية أمنية، بالمعنى الضيق، وتسوية درامية بالمعنى المتخيّل الأوسع. انتصر جهاز إنفاذ القانون، المتمثل في شعبة المعلومات في قوى الأمن الداخلي وقوته الضاربة. وهُزم الشرّ، المتمثل في الخارجين على القانون، الى حين سلوك الملف مساره القضائي. أنجزت شعبة المعلومات ما عليها إنجازه.. ولم يُترك للدمع في موقع انتحار صافي، منعاً لانكسار رأسه، كتضحية في سبيل الحب.

وليست الحوارات المتوقعة، خلال مواجهة بين رأسي القانون والخارجين عليه، عجزاً، بقدر ما هي الإعلان عن واقع لا فرار منه. ما يُحسب للمسلسل، الى جانب الأداء الرائع والحبكة النصية المتماسكة، أنه أعاد الدراما اللبنانية الى الأحياء الفقيرة. الى بيئة اللبنانيين الذين تتوسع مساحة فقرهم، ما يدفع بهم الى الجريمة، والى السكوت على المجرمين.

لم يكرر المسلسل أخطاء الماضي. بمعني فصل الدراما عن منشئها، عن بيئتها الاجتماعية. لم تُسجن في القصور والشقق الفارهة، ولا في سيارات الأغنياء وأنماط حياتهم. أعادتها الى الزقاق، الى الأحياء الفقيرة، الى بهجة الناس بجائزة ارتياد مركز تجميل وتدليك. الى سعادة العائلة بصندوق اعاشة.

في السابق، فشلت الدراما اللبنانية في ملامسة هذا الجانب، فتصدرت الدراما المصرية المشهد كونها تصور حياة الفقراء. وبعد اتجاه المصريين الى الجانب الاستهلاكي والحياة الفارهة، تصدرت الدراما السورية، التي تغيرت أخيراً تحت ضغط وجود ممثلة لبنانية منافسة بجمالها وبكامل أناقتها. نادين نجيم، أعادت تصويب الواقع. ملكة جمال بصورة حقيقية تنتمي الى مئات آلاف اللبنانيين في شكلهم وتصوراتهم عن حياة البسطاء. هنا يكمن النجاح، في انتظار الموسم المقبل من المسلسل.


نذير رضا- المدن