لا ... لن يكون مقال هذا الأسبوع عن المزروعات اللبنانية التي تصدّر مزيّنة بحبوب الكبتاغون، ولا عن جشع التجار الذين يتلفون المزروعات ولا يقبلون بيعها بسعر مقبول، ولا عن الجرائم البيئية وآخرها السمك النافق في بحيرة القرعون، ولا عن الوضع المعيشي ورفع الدعم والبطاقة التموينية التي تضاف الى انجازات الفشل... لا... لن نتطرق الى كلّ هذه المواضيع، فالشهر الفضيل يفرض نفسه، فلنترفّع ولنشاهد المسلسلات وندّعي أنّ "الدني بألف خير" وأنّ "البد ماشي"...
من كلمات سعاد الصباح أنشدت ماجدة الرومي قائلة "غير أنّ الشرقيّ لا يرضى بدورٍ غير أدوار البطولة، وهذا لسان حال الدراما اليوم، فالأبطال يعيدون أنفسهم والأدوار الثانوية هي التي تسطع. ثلاثون حلقة تتزيّن الى جانب القصّة الرئيسية بقصص ثانوية يكون أبطالها من خيرة الممثلين وأداؤهم في كثير من الأحيان أفضل من الأبطال، فننجذب لسياق قصصهم أكثر من القصة الرئيسية التي غالبًا ما تدخل في الرتابة بعد عدد من الحلقات. إنّه جوزف بو نصّار الذي يتلوّن بحسب دوره، فتراه مجرماً وأباً وحبيباً، تعشق الأذن صوته وتعشق الكاميرا أداءه. هو ليس ممثلاً بارعاً، بل انه مجرّد شخص عادي، عفويّ، تلقائي، لا يحفظ حواره بل يتفاعل معه. وكم يشتهي القلم أن يكتب له أدواراً مختلفة متنوّعة وغير محدودة لأنّه سيجيدها وسيتألق بكلّ منها ويعطيه نكهة مميزة ومختلفة. وها هي برناديت حديب، الملكة على عرش مسرحها، وقد أسرت عين المشاهد بإبداعها، تراها اليوم في أصعب دور، تجيد لعبة السهل الممتنع، فتتقن اللهجة العراقية التي تحشد فيها كلّ الأحاسيس، حتى نكاد نصدّق أنّها سيدة من العراق تتألم لفراق عائلتها وفقدان سبل الاتصال بأفرادها. ألسنا مجرمين يا برناديت لأنّنا أقصيناك كلّ هذه المدة عن الشاشة، هل نعلم ماذا ارتكبت أيدينا عندما أغفلنا عن مشاهدة مسرحياتك؟ هل نقدّر قيمتك الفنية؟ شربل زيادة، وماذا أقول عنه، يتفنّن في ابراز قوّته كممثل، يجيد الأدوار العادية وتلك المركّبة من دون الافراط في التعبير، تلقائيّ هو يتفاعل مع مشهده فيضيف حياة الى شخصيّته المكتوبة، وكم جميل أن تُكتب الشخصيات لهذا النوع من الممثلين.
يا سادة، على شاشاتنا مبدعين... اعطوهم حقوقهم ومساحاتهم... كفانا استيرداً لقصص لا تلائم مجتمعاتنا، كفانا استيرادًا لنجوم لا يشبهوننا، كفانا تمجيداً لكلّ ما هو أجنبي... على شاشاتنا من يستحق أن نصفّق لهم... من يستحقون التقدير... من لا يستحقون صفة "البطل الثانوي" لأنّهم الأبطال الحقيقيّون... نعم... استثمروا فيهم، واستثمروا بالدراما... نوّعوا المواضيع ولنصدّر الابداع... كلّ التصفيق