شارل شرتوني- دولة حزب الله بين صادق النابلسي وحسن دقو

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, May 4, 2021

"سوف يكون الموت إلهكم"
آنا غافمن

تحيلنا الأحوال المأساوية التي انتهت اليها البلاد إلى تساؤلات أساسية حول ما تبقى لها من حيثيات التحضر، وحقوق الانسان، والديموقراطية، ودولة القانون، في ظل هذا التراكم من العنف والتوتاليتارية البدائية والاستباحة المبرحة لكل المحرمات التي تجعل الوجود الانساني ممكنا (القتل، الاغتصاب، النهب، الكذب، التزوير…)، فأنى للاجتماع الانساني أن يستقيم في ظل مناخات الكذب والرياء والارهاب، وارادة التسلط وما يرافقها من اجتهاد فقهي لتبريرها. إن مجرد مراجعة تصريحات حسن نصرالله ونعيم قاسم واحمد قبلان وصادق النابلسي، كاف لائنبائنا عما وصل اليه الخطاب السياسي والتواصل الأولي بين الناس، من إسفاف واحتقار لكرامة اللبنانيين وذكائهم. على هؤلاء أن يفهموا، بادئ ذي بدء، أن كل هذا الكم من الهراء غير لازم لتمويه سياسة السيطرة ومدلولاتها التي تتنافى مع المفاهيم الأساسية لحقوق الانسان والديموقراطية من أثينا حتى اليوم. هذا يعني بالتالي أنه لم يبق، بعد اليوم، من أسس مناقبية وسياسية جامعة من أجل تخريج تسوية سياسية تاريخية تنهي واقع التعطيل البنيوي الذي تعيشة البلاد، وما تأتى عنه من انهيارات إرادية تسعى لتدمير الإرث التحديثي والليبرالي والديموقراطي الذي امتازت به البلاد حتى منتصف الستينات. نحن منذ تلك المرحلة في خضم ديناميكيات نزاعية دمرت حيثيات البلاد الانسانية والسياسية وأحالتها الى وضعية التنازع البقائي، على قاعدة استوائية أرستها السياسات الأيديولوجية على تنوع تصريفاتها القومية العربية، ويسارية العالم الثالث، والاسلام السياسي، وقاطراتها البعثية، والفلسطينية، والارهابية اليسارية، والإيرانية. يضاف الى ذلك تركز هذه الديناميكيات على خطوط التموضع البنيوي المديد بين الحرب الاهلية والحروب الباردة بصيغها الدولية والعربية والاسلامية، والإرهاب والجريمة المنظمة بكل أشكالها وتصريفاتها.

يعيدنا هذا التوصيف الى السؤال الأساس، كيفية الخروج من هذه الأنفاق المتداخلة في ظل هذه التشابكات النافية بالمبدأ للسلم الاهلي وما يشترطه من قيم انسانية وليبرالية وديموقراطية، تؤسس لدولة القانون وتجعل منها امكانية فعلية تخرجنا من دائرة الانفصامات النافذة بين واقع الحروب الأهلية المشرعة، وموجبات الديموقراطية الاتيكية والحقوقية. إن سياسات حزب الله، على اختلاف مندرجاتها، قائمة على مشروع سيطرة دفعت به الثورة الإسلامية الايرانية منذ بداياتها في العام ١٩٧٩، مبني على الخلفيات المذهبية والتاريخية والسياسية العائدة للصراع السني-الشيعي، وعلى المد الانقلابي الذي أستحثته إيديولوجية الإخوان المسلمين منذ ١٩٢٨ والتي استعاد مقولاتها الناظمة الامام الخميني. لايفهم الجدال العقيم حول سبل تشكيل الحكومة وتعذرها انطلاقًا من ترهات الثلث المعطل، والمحاصصة بين أطراف الاوليغارشيات المافيوية، في حين أن اللبنانيين يعيشون في ظروف حياتية بالغة الخطورة تستدعي مداخلات حاسمة لجهة الاصلاحات الهيكلية في مختلف المجالات. إن درجة الدناءة الاخلاقية التي وصلت اليها الحياة السياسية في البلاد قد أسقطت كل التبريرات والتفاهات الايديولوجية التي تحتجب وراءها سياسات السيطرة التي تنطوي عليها اداءات الفاشيات الشيعية واصناؤها العابرة للطوائف، وما يلازمها بشكل عضوي من سياسات الجريمة المنظمة، والارهاب المعلن، والعنف بكل أشكاله. ناهيك عن البؤس الايديولوجي والابتذال الذي تعبر عنه تصريحات صادق النابلسي، لجهة فقه الجريمة المنظمة ومسوغاتها الشرعية، وما يظللها من جرائم التهريب المتنوعة والتدمير المنهجي لأسس الاقتصاد السوي وتحويل لبنان الى مرتع لها، وإلحاقه بالمدى النزاعي الاقليمي من خلال البوابة السورية والالتباسات الجيو-استراتيجية التي يسعى حزب الله وشركاؤه الى تثبيتها.

ان سعي حزب الله الحثيث لتحويل لبنان الى مكب نزاعي ودولة رعاع، على غرار ليبيا واليمن وقطاع غزة والصومال وڤنزويلا ليس بالأمر الحادث، بل خيار إرادي يستهدف المرتكزات الانتروپولوجية والجيوپوليتيكية للاجتماع السياسي اللبناني، وما يستلزمه من اجتهادات شرعية ترافق أعمال التدمير المنهجي لكل أسس المدنية الديموقراطية والاقتصاد السوي.لم يبق من مقدمات الحياة العامة في هذه البلاد المنكوبة الا ظلامية صادق النابلسي واجتهاد الجريمة المنظمة، ونشاطات التهريب المتنوعة على خط دمشق-ضاحية بيروت الجنوبية، كما عنونتها عملية الكابتاغون التي أدارها حسن دقو. لقد اضحى لبنان صنوا لكولومبيا زمن پابلو اسكوبار والفارك، وڤنزويلا في زمن نيكولاس مادورو وطارق العيسمي، وفي كليهما الرباطات بين حزب الله والجريمة المنظمة ليست بحادثة، هي صورة عن النظام العالمي المضاد الذي يسعى وراءه نظام الملالي الايرانيين، ومدخل الاسلام الشيعي الخميني الى ديناميكيات العولمة من بواباتها المظلمة والخلفية، مرسيا بذلك نموذجا حاول الارهاب الاسلاموي في العالم السني تركيزه من خلال التجارب الفاشلة في سودان عمر البشير وحسن الترابي، وافغانستان الطالبان والملا عمر، وداعش ابو بكر البغدادي. اللبنانيون الشيعة أمام خيارات مفصلية، فإما التطبيع بكل أوجهه، أو الانخراط الملتبس في مشروع حزب الله من زاوية الحسابات المصلحية والاستراتيجية المتعرجة، وفي الحالتين المسألة ليست مسألة تشكيل حكومي تحكمها قذارات الاوليغارشيات المافيوية، المسألة الأساس هي، هل من حيثية بعد اليوم للإرث التاريخي الذي أسس للبنان التعددي والليبرالي والديموقراطي، أم لبنان ذاهب الى اندثار كياني يلحقه بهذه المنطقة التي تستبدل الفراغات المتوالية، وتجعل من النهيليات موئلا لتدينها المرضي.