يتوقع ان تمهد المتغيرات التي تتسلل ببطء للواقعين الاقليمي والدولي لخرق في المشهد اللبناني وبالتحديد على صعيد عملية تشكيل الحكومة المتوقفة منذ اسابيع، من دون ان يعني ذلك انجازا محسوما للعملية او نهاية للكابوس اللبناني الذي يبدو طويلا.
ويمكن الحديث عن ٣ اسباب رئيسية قد تساهم بهذا الخرق رغم استمرار الفرقاء المعنيين بعملية التأليف بالتمسك بشروطهم وسقوفهم العالية، أقله حتى الساعة... هذه المواقف المتشددة يراهن كثيرون انها لن تلبث ان تتبدد في حال نضوج تسوية اقليمية- دولية كبيرة تنسحب مباشرة على المشهد اللبناني وتخرج الحكومة الجديدة من عنق الزجاجة.
وتشكل الزيارة المرتقبة لوزير الخارجية الفرنسي، جان إيف لو دريان الى بيروت منتصف هذا الاسبوع، سببا أول يدفع باتجاه تحريك المياه الراكدة حكوميا. فلو دريان الذي يأتي هذه المرة ممسكا بالعصا الفرنسية تاركا الجزرة التي حملها الرئيس الفرنسي بوقت سابق الى بيروت، في باريس، يعول على ان ينجح ببث جو اضافي من الضغوط الدولية على الفرقاء المعنيين بعملية التأليف وان كان هؤلاء يعون ان الاجراءات والعقوبات التي يهدد بها الفرنسيون لم يتبناها الاتحاد الاوروبي وستبقى اقله في المدى المنظور حكرا على الاليزيه.
وتقول مصادر مطلعة على الجو الفرنسي ان باريس لم تعلن عن اي اجراءات ضد مسؤولين لبنانيين قبل زيارة وزير خارجيتها الى بيروت عن قصد، ليستخدم ورقة الاسماء التي بحوزته والتي قد تمنع من السفر الى فرنسا وقد يتم تجميد حساباتها المصرفية واملاكها هناك، للضغط عليها لتقديم التنازلات المطلوبة، وهو لن يتردد اذا دعت الحاجة بابلاغ هذه الاسماء بورودها على اللائحة الفرنسية ما قد يجعل "العصا" اكثر فعالية. وتضيف المصادر:"حتى ولو كانت الاجراءات المرتقبة ضد المسؤولين اللبنانيين محصورة بفرنسا، الا ان ايا منهم لا يتمنى الخضوع لهكذا عقوبات والدخول بمواجهة مع باريس التي باتت تلعب دور الوصي الدولي على لبنان في ظل عدم الحماسة الاميركية المباشرة للدخول في التفاصيل اللبنانية انطلاقا مما أوردته مجلة "فورين بوليسي" مؤخرا عن تزايد الدلائل على أن الولايات المتحدة جادة في تحويل تركيزها بعيدًا عن الشرق الأوسط".
ومن هذا الباب يمكن الحديث عن سبب ثان قد يشكل دافعا لانجاز عملية التشكيل قريبا، الا وهو زخم المفاوضات في فيينا بين الاميركيين والايرانيين حول برنامج طهران النووي والذي يتزامن مع محادثات سرية بين إيران وجيرانها العرب في العراق وبخاصة بين طهران والرياض لم تكتف بالبحث جديا بحل للازمة اليمنية انما قاربت الملف اللبناني ايضا. وليس خافيا على احد ان مجرد الحوار والتفاوض الايراني-السعودي من شأنه ان يترك نوع من الانفراج لبنانيا، فكيف اذا نجح الطرفان بالتوصل الى تفاهمات ما؟! وهنا تعتبر مصادر مطلعة على هذا الحراك، انه "من المبكر الحديث عن تفاهمات مماثلة، وان المرحلة هي لرفع السقوف وزيادة الضغوط باطار سعي كل طرف لحث الآخر كي يكون هو المبادر لتقديم التنازلات على طاولة المفاوضات".
اما السبب الثالث لبث بعض التفاؤل الحكومي فهو استئناف المفاوضات غبر المباشرة بين لبنان واسرائيل حول الحدود البحرية الجنوبية. فمجرد العودة الى طاولة التفاوض في هذه المرحلة، فان ذلك يشكل نوعا من الخرق خاصة وان الاعلان عن ذلك شكل مفاجأة وخاصة في الداخل اللبناني المنهمك بحل ازمة المرسوم الذي يسمح للوفد المفاوض باعتماد منطقة اوسع يفاوض حولها. وقد كان كثيرون ربطوا في وقت سابق بين تعثر هذه المفاوضات وتفاقم الازمة الحكومية، ما يسمح بالبناء على استئنافها للحديث عن ارضية مناسبة لعودة النقاش الحكومي.
ويواكب الداخل اللبناني ما سبق من خلال حراك لا يزال خجولا يرتكز بشكل اساسي في بكركي وعين التينة، على ان تتركز الجهود على جمع الرئيسين عون والحريري مجددا بعد ان تحول الخلاف بينهما من سياسي الى شخصي..فهل تسرع العصا الفرنسية التي يحملها لو دريان بانجاز هذا اللقاء قريبا؟ وهل تنزل التسوية الكبيرة المرتقبة في المنطقة المسؤولون اللبنانيون قريبا عن الشجرة لتشكيل حكومة ام تذهب ابعد من ذلك لصياغة نظام لبناني جديد بديل عن النظام الحالي المترهل؟!