مسعود معلوف - العلاقات الأميركية- الروسية الى انفجار أو انفراج؟

  • شارك هذا الخبر
Monday, April 26, 2021

الجمهورية

تشهد العلاقات بين وروسيا والولايات المتحدة تدهوراً مطرداً منذ عام 2014، عندما وقّعت أوكرانيا اتفاقية الشراكة مع الإتحاد الأوروبي في خطوة للإنضمام لاحقاً انضماماً تاماً للإتحاد، أسوة بما فعلته قبلها دول من الإتحاد السوفياتي المنحل مثل جمهوريات البلطيق الثلاث وبولندا.

كان سبق ذلك في أوكرانيا تظاهرات واضطرابات في ما عُرف بثورة «اورومايدان» التي أدّت إلى هروب رئيس البلاد آنذاك بيترو بوروتشينكو الى روسيا، ثم احتلال روسيا لشبه جزيرة القرم التي هي جزء من أوكرانيا في البحر الأسود، كما حصلت حالات تمرّد وانفصال لمنطقتين في شرق وجنوب شرق أوكرانيا، علماً أنّ نحو 38% من سكان هاتين المنطقتين هم من أصول روسية ولغتهم الأم هي الروسية.



على أثر هذه الأحداث والدعم الروسي للإنفصاليين، قرّر الرئيس الأميركي آنذاك باراك أوباما فرض عقوبات على روسيا شملت قيوداً على السفر الى الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي لعدد من الشخصيات الروسية من رسميين وآخرين مقرّبين من الرئيس بوتين وذلك بالإتفاق مع الإتحاد الأوروبي، وقد أتبع أوباما ذلك بعقوبات إضافية عام 2016 قبيل نهاية ولايته تمّ بموجبها طرد 35 ديبلوماسياً روسياً من الولايات المتحدة، وكان ذلك رداً على اتهام روسيا بالتدخّل في الإنتخابات الرئاسية الأميركية دعماً للمرشح دونالد ترامب.





هذه العقوبات الأميركية قابلتها مباشرة عقوبات روسية مماثلة، قضت بمنع سفر شخصيات أميركية الى روسيا وطرد ديبلوماسيين أميركيين.



بعد تسلّم ترامب الرئاسة في مطلع العام 2017، ومع أنّ الرئيس ترامب كانت علاقته جيدة مع الرئيس الروسي بوتين، إلّا أنّ العقوبات على روسيا توالت عبر قرارات تضييق على عشرات الشخصيات والشركات الروسية في فترات متتالية، كما تمّ طرد 48 موظف مخابرات في السفارة الروسية في واشنطن و12 موظف مخابرات في البعثة الروسية لدى الأمم المتحدة في نيويورك في شهر آذار 2018.



هذه العقوبات الأميركية المتلاحقة كانت تقابلها روسيا مباشرة بعقوبات مماثلة، هذا مع العلم أنّ الرئيس ترامب كان يتجنّب كثيراً انتقاد الرئيس بوتين، لدرجة أنّه دافع عنه في المؤتمر الصحفي الذي عقده الرئيسان بعد لقائهما في مدينة هلسينكي عام 2017، عندما صرّح ترامب أمام الجميع أنّ بوتين أكّد له أنّ روسيا لم تتدخّل في انتخابات الرئاسة الأميركية عام 2016، وانّه يصدّق بوتين رغم التقارير التي وردته من أجهزة المخابرات الأميركية التي تؤكّد التدخّل الروسي.



مع بدء الحملة الإنتخابية الرئاسية الأخيرة وترشح جو بايدن، ركّز هذا الأخير على انتقاد سياسة ترامب تجاه روسيا وتهاونه مع بوتين واعداً أنّه، في حال انتخابه، سيكون أكثر قساوة مع روسيا، خصوصاً في موضوع حقوق الإنسان. كما اتهم الأجهزة الروسية بمحاولة قتل المعارض الروسي ألكسي نافالني عبر تسميمه، واعداً أيضاً بفرض عقوبات إضافية على روسيا لخرقها الكترونياً إدارات أميركية مختلفة، بما فيها إدارات أمنية، ولاستمرارها باحتلال شبه جزيرة القرم ولتقديم الدعم للإنفصاليين في أوكرانيا.



بعد دخوله البيت الأبيض إثر فوزه في الإنتخابات، وتنفيذًا لوعوده الإنتخابية، لم يتأخّر بايدن في زيادة وتيرة انتقاده لأخصام الولايات المتحدة مثل الصين وروسيا، ساعياً إلى إظهار عزم وصرامة في تعاطيه مع الأخصام، خصوصاً بعد أن اتهمه ترامب، أثناء الحملة الإنتخابية، بالضعف وبعدم تمكنه من مجابهة أعداء أميركا، لدرجة انّه، رداً على سؤال احد الصحافيين في مقابلة تلفزيونية، قال انّ بوتين مجرم بسبب ما فعله مع المعارض نافالني.



التأزّم في العلاقات مع روسيا ازداد مع قرار بوتين نشر قوات على الحدود الروسية الأوكرانية، وإدخال المزيد من البوارج الحربية الى البحر الأسود، وذلك بحجة القيام بتمارين للتأكّد من الجهوزية لمواجهة أية احتمالات. قابل بايدن ذلك بتأكيده على التزام الولايات المتحدة حماية أوكرانيا من أي اعتداء روسي، وإعلانه قراره إرسال بارجتين حربيتين الى البحر الأسود، كذلك قرّرت بريطانيا إرسال بوارج حربية الى هذه المنطقة، هذا مع العلم أنّ بايدن يعزز التحالف مع دول الإتحاد الأوروبي وينسّق معها في مواجهة روسيا.





في إطار هذا التحالف والتنسيق بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي، حصلت أخيراً عمليات طرد متزامنة لديبلوماسيين روس من واشنطن (10) ومن تشيكيا (18) ومن بولندا (3). وبالطبع، فقد ردّت روسيا على ذلك بإجراءات مماثلة. كذلك طردت روسيا القنصل الأوكراني في مدينة سان بيترسبورغ، فردّت أوكرانيا بطرد ديبلوماسي روسي من العاصمة كييف.



وأثناء إلقاء خطابه السنوي عن «حالة الأمة» بتاريخ 21 الجاري، وجّه بوتين تحذيراً قوياً بأنّ موسكو ستردّ بقساوة وبسرعة وبصورة غير متناسبة على كل من يتجاوز الخطوط الحمر، من دون أن يحدّد ما هي هذه الخطوط. والواضح أنّ هذا التنبيه موجّه بصورة خاصة الى الولايات المتحدة من جهة، وإلى أوكرانيا من جهة ثانية، في حال كانت تفكر بالهجوم على المنطقتين المنفصلتين في شرق وجنوب شرق البلاد. وفي الخطاب نفسه، أشاد بوتين بتعزيز الإستثمارات الروسية في المجالات العسكرية وخصوصاً في مجال الصواريخ العابرة للقارات. ولكنه، وفي مسعى لعدم إغلاق الباب بالكامل أمام الحلول الديبلوماسية، أكّد في الوقت نفسه أنّ بلاده تريد السلام والإستمرار في اتفاقات الحدّ من انتشار الأسلحة.




إزاء هذا التصعيد الروسي، جدّد الرئيس الأميركي بايدن وكذلك الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والإتحاد الأوروبي، مطالبة روسيا بالإفراج عن المعارض نافالني، وهو مسجون وفي حالة المرض بسبب إضرابه عن الطعام، محمّلين بوتين مسؤولية ما قد يحصل له، ومحذّرين من «عواقب» في حال وفاته في السجن، دون تحديد ماهية هذه العواقب.



هذا التأزّم التصعيدي في العلاقات بين الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي من جهة، وروسيا من جهة ثانية، حمل البعض على التخوّف من احتمال حصول عمليات عسكرية، قد تنتج من خطأ ما، بسبب الحشود العسكرية في البر والبوارج الحربية في البحر، على خلفية التصاعد الكلامي والتحذيرات المتبادلة في أجواء من التشنج السياسي، وفي الوقت الذي يطالب فيه الرئيس الأوكراني زيلينسكي بانضمام بلاده الى حلف شمال الأطلسي، وروسيا ترفض ذلك رفضاً قاطعاً.



يمكن القول، إنّ العلاقات الروسية مع كل من الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة هي الآن في اسوأ حال لها منذ أيام الحرب الباردة، واحتمال وقوع حرب في مثل هذه الأجواء المتأزمة ليس بالأمر المستحيل، علماً أنّ أياً من هذه الدول ليس لديها مصلحة أو رغبة بالقيام بعمليات عسكرية. فلماذا إذن هذه الحشود العسكرية والتهديدات المتبادلة؟





بالنسبة الى الولايات المتحدة، بايدن يريد أن يبدأ عهده من موقع قوة، كما أنّه يريد تطمين أوكرانيا الى أنّ الولايات المتحدة ما زالت مصمّمة على حمايتها من أي اعتداء روسي، هذا بالإضافة الى انّه يريد أن يثبت اهتمامه بمسائل حقوق الإنسان وتعزيز التحالف مع حلفاء الماضي في أوروبا الذين أساء اليهم الرئيس ترامب.



بالنسبة الى روسيا، يهمّ بوتين تأكيد استعداد بلاده وجهوزيتها للقيام بكل ما يلزم لعدم السماح بوصول حلف شمال الأطلسي الى حدودها الجنوبية، وذلك تجنباً لما حصل على الحدود الغربية، عندما انضمت دول البلطيق الثلاث الى هذا الحلف. كما يود التأكيد لبايدن أنّه لن يتراجع أمامه، وأنّ روسيا عادت دولة قوية تدافع عن مصالحها في العالم وخصوصاً في مناطق نفوذها التاريخية. كما يريد تطمين حلفاء روسيا في أوكرانيا وفي منطقة أوراسيا، أنّه جاهز لمساعدتهم وحمايتهم عند اللزوم، مُظهراً للأخصام والأعداء قوة روسيا العسكرية عبر وقوفها في وجه الولايات المتحدة والإتحاد الأوروبي.



في ظلّ هذه العلاقات المتأزمة والأجواء المتوترة، وعلى خلفية حشود عسكرية براً وبحراً، ومع التخوف من حصول ما لا تُحمد عقباه، هل هنالك من مؤشرات لأي انفراج يفتح الطريق أمام تهدئة الأوضاع وتنفيس هذا الإحتقان المستجد؟ نعم هنالك مؤشرات إيجابية أهمها:



أولاً: أميركياً، قرّر الرئيس بايدن تأجيل إرسال البارجتين الحربيتين اللتين كان ينوي إدخالهما البحر الأسود، رداً على زيادة قطع الأسطول الروسي في تلك المنطقة. كما وجّه دعوة للرئيس بوتين للمشاركة في اجتماع القمة الإفتراضي للمناخ بتاريخ 22 الجاري. كذلك حصل اتصال هاتفي بين الرئيسين الأميركي والروسي، حيث اقترح بايدن عقد اجتماع بينهما في الأشهر القادمة، وقد تلا ذلك اتصال بين وزيري خارجية البلدين بلينكن ولافروف للبحث في الموضوع. وكل هذه الأمور من شأنها ان تخفف من حدّة التوتر بين البلدين.



ثانياً: على صعيد روسيا، فقد أعلن الرئيس بوتين انتهاء تمارين الجهوزية على الحدود الأوكرانية، مؤكّداً جهوزية القوات العسكرية الروسية لأي احتمال. كما أعلن بدء سحب القوات العسكرية من المنطقة تدريجاً، ووافق على المشاركة في اجتماع القمة الإفتراضي للمناخ الذي دعا اليه الرئيس بايدن، حيث ألقى كلمة بالمناسبة عن إجراءات وقرارات حكومته في مجال مكافحة التغيير المناخي، مؤكّداً اهتمام روسيا بمسألة التعاون الدولي من أجل حل أزمة المناخ.



ثالثاً: المعارض الروسي المسجون ألكسي نافالني أعلن إنهاء إضرابه عن الطعام الذي دام أسابيع، وقد يؤدي ذلك الى التخفيف من التحذيرات الأميركية والأوروبية، إذ أنّ وفاته في السجن أصبحت أقل احتمالاً.



من هذا المنطلق، يمكن التكهن بأنّ احتمالات الإنفراج أصبحت أقوى من احتمالات الإنفجار. وأنّ الرئيسين بايدن وبوتين يعملان الآن على عقد لقاء بينهما، إذ هنالك أمور هامة هما بحاجة الى التعاون لحلها، مثل موضوع المناخ، وسوريا وأوكرانيا والملف النووي الإيراني وغيرها.



لقد أثبت بوتين أنّ بلاده استعادت قوتها ونفوذها لتلعب دورها في الشؤون الدولية. كما أنّ بايدن أكّد انّ بلاده تسعى إلى حل المشكلات الدولية بالطرق الديبلوماسية، ولذلك يبدو في الظروف الحالية أنّ الإنفجار أصبح اكثر بعداً من الإنفراج.