معين حداد - في العقيدة الاوراسية

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, April 20, 2021

الديار

تُستخدم مفردة اوراسيا في الجغرافيا اساساً للدلالة على مساحة عظمى من اليايسة تجمع قارتي اسيا واوروبا معاً، تمتد من المحيط الاطلسي غربا الى المحيط الهادي شرقا، تغطي حوالى ٥٤ مليون كلم٢، غير ان مفهوم اوراسيا استُخدم في روسيا وما زال في سياقات متعددة ومختلفة مستبطنا ابعادا ومعاني حضارية وتصورات جيوبوليتكية وصياغات استراتيجية تندرج جميعها في ما دعي بالعقيدة الاوراسية التي يأخذ بالعديد من جوانبها الفريق الحاكم في موسكو اليوم، هذا وتنبثق العقيدة المذكورة من موضع الاتحاد الروسي الذي يغطي قسم من اوروبا (غرب الاورال) وقسم اخر من اسيا (سيبيريا) كما تنبثق ايضا من موقع هذا الاتحاد الجغرافي بين الغرب والشرق.

نشوء الحركة الاوراسية

بدأ التفكّر في ما ينتجه كل من موضع وموقع روسيا او الاتحاد الروسي على الصعد الحضارية والسياسية منذ القرن التاسع عاشر، غير ان التيار الاوراسي لم يتبلور على شكل حركة سياسية ناشطة الا من الموقع المناوىء للحقبة السوفياتية، وذلك عندما اصدرت مجموعة من المثقفين والناشطين السياسيين من المهاجرين الروس بيانها التأسيسي من براغ في تشيكوسلوفاكيا عام ١٩٢١ وقد حرره احد ابرز مفكري الحركة الاوراسية انذاك، بيوتر نيكولايفيتش ستافيتسكي (١٨٩٥- ١٩٦٨). كانت الحركة الاوراسية في ذلك الوقت متأثرة، الى حد بعيد بالنازية الالمانية لا سيما لجهة التشدد القومي والمجال الحيوي المستتبع له، لكن ذلك لم يمنع بعض عناصرها من ان يشكل لاحقاً جناحا مؤيداً للسوفيات حيث كان هذا الجناح يرى في صعود دور موسكو على المسرح الدولي بعد الثورة البولشفية، تنامياً للروح القومية الروسية وتجلياتها، وإعلاء شأن روسيا في العالم. لكن الحركة بشكل عام، بقيت على خصومة مع الدولة السوفياتية، وهكذا عندما دخلت جيوش موسكو الى براغ عام ١٩٤٥ القت القبض على من كان هناك من الاوراسيين وفي مقدمهم ستافيتسكي نفسه الذي قضى في الإعتقال عشر سنوات، أفرج عنه بعد ذلك وعاد الى براغ العام ١٩٥٦ حتى وفاته.

تمحور البيان التاسيسي للحركة الاوراسية حول تصور جغرافي وسياسي يرى في روسيا تكويناً حضارياً مميزاً تحدده خاصية « التوسط « وهو مفهوم لطالما كتب فيه وركز عليه ستافيتسكي بعد ان حمّله دلالات تتجاوز التوسط الجغرافي الساكن والجامد بين القارتين اوروبا واسيا، الى دلالات اخرى تعبّر عن ديناميكية التفاعل الاوروبي - الاسيوي على الاراضي الروسية في سياق تكوين البناء القومي الروسي، بحيث تغدو روسيا في الموقع المركزي الفاعل للقارة الاوراسية بالمعنى الجغرافي للكلمة، اي لقارتي اوروبا واسيا معاً. وعليه يكون لمفهوم اوراسيا على ما اراد ستافيتسكي ورفاقه معنيين اثنين، واحد جغرافي عمومي يدل على القارتين معاً والثاني جيوبوليتيكي، خاص بروسيا (بما فيها سيبيريا)، يعبّر عن القومية الروسية في مجالها الحيوي، والحال ان اسم روسيا بحد ذاته كما كان يردد ستافيتسكي مكوّن من «رو» التي هي من اوروبا و»سيا» من اسيا.

اما القومية الروسية التي على اساسها ينبغي ان تقام عليها الدولة الروسية، فهي تتشكل في العقيدة الاوراسية من تفاعل ثقافات متعددة منها الارية والسلافية من الجهة الاوروبية والمغولية والطورانية الاسلامية، من الجهة الاسيوية، يضاف الى مختلف هذه الثقافات ما ترسخ في العمق الروحي للشعب الروسي من التقاليد المسيحية الاورثوذوكسية ذات المنشأ الشرقي الاسيوي وبابعادها اليونانية الاوروبية المكتسبة ايضا. وهذا بمجموعه يشكل تكويناً حضارياً يتطابق مع التوسط الجغرافي. حيث يساهم في هذا التكوين الشرق والغرب معاً.

تجدر الاشارة هنا الى انه في اجواء تلك المرحلة، اي في العقود الاولى من القرن العشرين، كانت العنصرية بالمعنى السلالي ما تزال امرا شائعا وكان ان راحت تنبني عليها قوميات عرقية، ومنها القومية الارية التي اعتمدتها النازية في المانيا، والقومية السلافية المواجهة لها في روسيا كما في محيطها من اوروربا الشرقية. لم يستسغ القائلون بالقومية الروسية المبنية على العنصر السلافي، العقيدة الاوراسية حيث شكل البعد الاسيوي الذي تستبطنه استفزازاً لتصورهم عن انتماء الامة الروسية الى السلالات السلافية المتموضعة في اوروبا الشرقية. في حين ان الاوراسيين كانوا يصرون على عدم تجاهل العنصر الاسيوي في النسيج الاجتماعي الروسي، اذ هم يجدون في تفاعله مع العنصر الاوروبي على امتداد الاراضي الروسية من الاطلسي حتى الهادي (مع سيبيريا في اسيا) ما يجعل الامة الروسية ذات خصائص مميزة عن غيرها من الامم ان لم يكن «متفوقاً» عليها.

في الابعاد الجغرافية الثقافية والسياسية

يتمثل العنصر الاسيوي في العقيدة الاوراسية في بدو السهوب الاسيوية الصقيعية وفي المغول والطورانيين الذي يشغلون الاراضي المرتفعة والباردة المجاورة لها وقد التقت وتفاعلت قيمهم على اراضي الاتحاد الروسي مع القيم الاوروبية الحضرية، حيث غدا المجال الجغرافي الروسي المُعيش اي كما يعيشه سكانه، ملتقى ثقافة «حياة السهوب» القائمة على البداوة والرعي من الجهة الاسيوية، وثقافة «حياة الغابات» القائمة على الأنشطة الحضرية والزراعة الاستنباتية من الجهة الاوروبية. على ان الحركة الاوراسية في تطلعها السياسي الى السهوب الاسيوية لم تنطلق من فراغ ثقافي فهي تبني عملية الانتماء اليها على ما مثّثله من قيم معنوية في الوجدان الروسي منذ زمن بعيد، وقد جرى التعبير عن هذه القيم في مجالات فنية متعددة ، لعله من ابرزها ما تبدّى في الموسيقى الروسية بشأنها، لا سيما لدى الكسندر بودين عندما اقدم العام ١٨٨٠على تأليف رائعته الموسيقية، «سهوب اسيا الوسطى»، بناء على طلب القيصر الاسكندر الثاني، بمناسبة اعياد ذكرى تنصيبه الخامسة والعشرين (وهي قصيدة سمفونية اصابت شهرة واسعة، وقد وقع في سحر موسيقاها عندنا، عبدالوهاب فلم يمنع نفسه من ان يستل ما تيسر من نغماتها لستخدمها في، قصيدة ايليا ابو ماضي، «لست ادري»، التي شدا بها في الاربعينات من القرن العشرين).

في مختلف الاحوال تنتهي العقيدة الاوراسية الى ان روسيا، في بعدها الاسيوي، تمثل شخصية جغرافية، «روحها» متميزة عن «الروح» الاوروبية ومتميزة ايضاً عن «الروح» الاسيوية، فهي شخصية متكاملة، تشكّل اراضيها مركز تفاعل الاضداد والمختلفين (بداوة مقابل حضارة، رعي مقابل مدينة... اديان عالمية مختلفة) في كل واحد موحد، وهو تفاعل يجعل من هذا المركز بؤرة للتطور الروحي الانساني على وجه العموم، كما ان العنصر الثقافي الاسيوي فيها اكسبها مقومات استقلالها عبر التاريخ عن العالم الروماني الجرماني «العدواني» في نظر الاوراسيين.

الى ذلك تجدر الاشارة الى انه على رغم العداوة التي طبعت العلاقة بين الاوراسية والنظام السوفياتي التي املاها التباعد العقائدي بين الشيوعية الاممية من جهة والقومية الروسية من جهة مقابلة، فإن الاتحاد السوفياتي بدّل موقفه من الاوراسية في منتصف الخمسينات من القرن العشرين، فأعاد الاعتبار الى بعض الناشطين فيها، لا سيما منهم ستافيتسكي الذي اطلق سراحه (لكنه عاد الى براغ وبقي فيها حتى مماته). ثم ان الاوراسية لقيت اصداء ايجابية في بعض مراكز القرار السوفياتي، ذلك ان تلك الحقبة شهدت تحول الصين الى الشيوعية حيث بات سكان اوروبا الشرقية ومعظم سكان اسيا يضمهم معسكر واحد هو عملياً معسكر اوراسي (اوروبي شرقي - اسيوي) كبير هو المعسكر الشرقي بقيادة موسكو في مواجهة معسكر اطلسي (اميركي اوروبي غربي) هو المعسكر الغربي بقيادة واشنطن. وهكذا بدت الفكرة الاوراسية القاضية بتوجه موسكو نحو شرقها الاسيوي متلائمة مع مصالحها السياسية العامة وداعمة لها في الحرب الباردة الدائرة في حينه بين المعسكرين. غير ان الخلاف الذي دب فيما بعد بين الاتحاد السوفياتي وجمهورية الصين الشعبية انهى عملياً الاخذ بالفكرة المذكورة، الى ان أعيد احياءها مع مطلع القرن الواحد والعشرين بعد استتباب الاوضاع في الاتحاد الروسي الذي قام على انقاض النظام السوفياتي بعد انهياره بداية التسعينات من القرن العشرين. هذا وكان من ابرز من ساهم في احياء العقيدة الاوراسية وتجديدها، الكسندر دوغين الذي بدأ منذ العام ١٩٩٢، بنشر دورية تُعنى بالشؤون السياسية وفق توجه قومي روسي محافظ، ثم صدر له العام ١٩٩٧ كتاب تحت عنوان «اسس الجيوبوليتيكا» شهد رواجاً واسعاً وترجم الى عدة لغات من بينها العربية، وفيه يستكمل دعواته الايديولوجية الى اعلاء شأن الاتحاد الروسي، وضرورة مواجهة العالم الغربي وعلى رأسه الولايات المتحدة. الى ذلك عمل دوغين مستشاراً للدوما، البرلمان الروسي، من العام ١٩٩٨ حتى العام ٢٠٠٣، ثم شغل منصب رئيس «مجلس خبراء الجيوبوليتيكا» وهو مجلس استشاري متخصص في شؤون الامن القومي. ويتردد في وسائل الاعلام عموما من وقت الى آخر، انه مقرب من الرئيس بوتين، ما جعله يصيب شهرة ملحوظة في بلاده كما في خارجها.

في الاستهدافات الاوراسية

ينطلق الاوراسييون راهنا في صياغة رؤيتهم للصراع الدولي من المبدأ الذي يرتكز على ثنائية البر والبحر، وهو مبدأ قديم، تنبني عليه معالجة الصراع بين القوى السياسية والعسكرية في العالم، باعتباره صراعاً يدور بين «التيللوروكراتيا» اي قوى البر من جهة و»التالاسوكراتيا» اي قوى البحر من جهة اخرى، الاولى تنبثق عن الشعوب البرية التي تنشط على اليابسة اكثر مما تنشط في البحار، الثانية اي التالاسوكراتيا هي التي تنبثق عن الشعوب التي تعلو لديها الانشطة البحرية على الانشطة البرية. (تللوس باليونانية تعني البر، وتالاسا تعني البحر).

والحال ان استقراء التاريخ وفق هذه الرؤية، يقودنا الى استنتاجات مفادها ان المواجهات التي شهدها الشرق القديم جرت بين القوى البحرية المتمثلة بالامبراطوريات التجارية الفينيقية لمدن صيدا وصور ... من جهة ... والقوى البرية لامبراطوريات الفراعنة والكلدان او الاشوريين... من جهة اخرى، من دون ان يعني ذلك انتفاء الصراع بين قوى من نوع واحد، اي بحري - بحري او بري - بري غير ان مآل الصراع هذا، يذهب في نهاية الامر الى المواجهة الكبرى والحاسمة بين البر والبحر والسيطرة المتفردة على الكل البري والبحري معا، وفي التاريخ الحديث كانت محاولة نابليون الاطباق على القارة الاوروبية من صلب عمله الدؤوب على تدعيم قوة برية متفوقة تمكّنه من سحق قوة بريطانيا البحرية ... كما يندرج في سياق المواجهة بين البر والبحر على سبيل المثال لا الحصر، الصراع الذي دار، نهاية القرن التاسع عشر بين روسيا كقوة برية وبريطانيا كقوة بحرية، وقد جرى ترميزه في نصوص ومؤلفات عديدة بالمواجهة بين الدب الحيوان البري والحوت الحيوان البحري. هذا وتستلهم العقيدة الاوراسية في رؤيتها المبنية على ثنائية البر والبحر افكار كارل شميدت (١٨٨٩ -١٩٨٥) ايضا الذي ركز على ما ينتجه الصراع بين البر والبحر عبر التاريخ من نظم حقوقية وقضائية وثقافية تختص بها الشعوب المتورطة في هذا الصراع وما ينتهي اليه. يرى شميت ان البحار تتيح الحركة الحرة بينما اليابسة يتمثل فيها الثبات والرسوخ، فالشعوب التي تتعامل مع البحار هي اكثر تحررا ودينامية من الشعوب التي تتعامل مع اليابسة والتي تميل الى الاخذ بالنظام والمحافظة عليه ... هذا وقد طور اصحاب العقيدة الاوراسية الافكار المبنية على ثنائية البر والبحر بما يتيح لهم صياغة استراتيجية تفيدهم من حيث ان بلادههم اي الاتحاد الروسي تشكل القوة البرية التي هزمتها القوى البحرية الاطلسية على عهد السوفيات. وهم يرون ان الهزيمة ليست سوى مسألة وقت وها هي اوراسيا، اي الاتحاد الروسي، يعود اليوم الى منازلة القوى الاطلسية البحرية التي تقودها الولايات المتحدة.

تنبني اذن منظومة افكار العقيدة الاوراسية على الثنائة الجغرافية الاساسية المتمثلة يتوزع سطح الارض على مياه البحر والمحيطات من جهة ويابسة القارات من جهة مقابلة، وهذه الثنائية اتخذت منذ بداية التاريخ ولا تزال صفة العداء المتبادل. وعلى هذا يمكن مقاربة تاريخ المجتمعات البشرية وحاضرها على ضوء التناقض بين اساليب حياة المجتمعات البرية واساليب حياة المجتمعات البحرية وبتعبير اخر بين الحضارة البرية والحضارة البحرية وقوى كل منهما اي بين التللوروكراتيا والتالاسو كراتيا.

ترتبط التللوروكراتيا، اي القوى البرية ومجتمعاتها بالثبوتية والرسوخ في المكان، ويتجسد ذلك في الاستقرار والمحافظة على المعايير الاخلاقية والحقوقية، وفي متانة البنى العائلية والعشائرية وسائر العصبيات الاجتماعية التقليدية. وهكذا يؤدي رسوخ اليابسة او الرسوخ في اليابسة على المستوى الثقافي الى رسوخ الاخلاق وثبات التقاليد واستطالة توارثها، وبالتالي يتعاظم دور التراث في حاضر الشعوب وتتراجع المبادرة في التجدد وتنتعش روح الجماعة لصالح استقرار النظام وتراتبية المقامات والطبقات فيه. يعني ذلكَ ان كل اصلاح يجري ضمن الحضارة البرية يصب وفق ذلك في المصلحة العامة. اما التالاسوكراتيا، اي القوى البحرية ومجتمعاتها فتتمثل بحضارة تقوم على اسس مغايرة، فهي تتميز بالديناميكية والنشاط والحركة والميل الى تسريع التطور التقني واعلاء شأن المبادلات انطلاقا مما توفره المسالك المتفلتة من القيود الصلبة في البحار والمحيطات. وتتتعزز بذلك روح المغامرة وروح المبادرة الفردية وتتسع هوامش الحريات كما تزداد سيولة الأفكار، ما يؤدي الى تبدلات اجتماعية ثقافية سريعة وتحولات في النظم القيمية الأخلاقية من شأنها على ما يرى الاوراسيون ان تذهب باتجاه التحلل الاجتماعي وتدمير الخلايا الاسرية في سياق من التدهور الاخلاقي الذي يعرّض البشرية لأخطار تبقى بمنأى عنها في ظل الحضارة البرية التي تبدو وفق العقيدة الاوراسية انها هي المؤهلة لضبط مسار النوع الانساني وتأمين مصيره على النحو السليم، وعليه ينبغي صياغة استراتيجيات تنطلق من حشد قوى الحضارات البرية مع السعي الى تحقيق اختراقات اقتصادية وعسكرية في المجال البحري العالمي تعزيزاً لشروط المواجهة مع القوى البحرية المتمثلة اليوم بالولايات المتحدة.

وعليه تتقدم العقيدة الاوراسية في ظل الموازين القائمة راهنا بين البر والبحر بعدة سيناريوهات محتملة، الاول انتصار التالاسوكراتيا وسحق من يقف في وجهها مع ما يستتبعه من فرض الاملاءات الاميركية على العالم لامد طويل، الثاني، عجز التالاسوكراتيا عن فرض قيَمها على شعوب العالم ، لكن هذه الشعوب لاتملك بديلا لها اي لهذه القيم، الثالث، تحالف قوى التللوروكراتيا على ان تأخذ بالحسبان العوامل التي ادت الى انهيار الاتحاد السوفياتي لتجنبها، فيستعيد العالم اذاك، الثنائية القطبية التي سادت في القرن العشرين انما على اسس جديدة ،اما الاحتمال الاخير فهو انتصار البر على البحر وتعميم قيم التيللوروكراتيا على العالم وبالتالي دخوله في مرحلة جديدة لم يعرفها من قبل.

ملاحظة ختامية

في مختلف الاحوال نلاحظ اليوم ان موسكو في سياساتها الدولية تستلهم الى هذا الحد او ذاك جوانب متعددة من العقيدة الاوراسية، فهي تسعى مثلا الى احلال التقارب بين الدول القارية الوازنة المجاورة لها وهي : الصين، الهند باكستان ايران و تركيا حيث يشكل تواصل اراضيها قوسا جغرافيا استراتيجياً يضم قوى برية وازنة يؤمل منها بالتعاون مع الاتحاد الروسي التمكن من احقاق التوازن المطلوب ازاء الولايات المتحدة. ومن هنا نرى في هذا الاطار ان موسكو في ما خص منطقتنا، تصرّ تحت كافة الظروف على عدم التفريط بعلاقاتها مع انقرة، وبالمقابل، في الوقت نقسه، نجدها في سعيها الى احداث خروقات بحرية لتحسين شروط المواجهة مع المعسكر الغربي، تبدي تمسكا متشددا بسوريا (المعادية لتركيا) بعد ما شيّدت على اراضيها القاعدة البحرية الوحيدة لها خارج حدودها وبعيدا عن سواحلها.