خاص- د. غيتا حوراني تكشف معطيات صادمة عن الهجرة القسريّة من لبنان

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, July 22, 2020

خاص- الكلمة أون لاين

عبير بركات


مع تزايد الصعوبات الاقتصادية وتعقّد الوضع السياسي في لبنان، بات الكثيرون، ولا سيما من فئة الشباب، يرغبون بالهجرة ويسعون إليها. هذا الأمر ليس بالجديد، إذ لطالما اشتهر لبنان بـ"تصديره" للمهاجرين إلى دول العالم. لكن الأرقام التي يتمّ التداول بها في هذه الفترة تبدو مرعبة.

وللإحاطة بموضوع الهجرة، التقى موقع "الكلمة أون لاين" مديرة المركز اللبناني للهجرة والانتشار في جامعة سيدة اللويزة في لبنان الدكتورة غيتا حوراني، وأجرى معها هذا الحديث:


- هل لاحظت تسارعًا في عدد المغادرين في الأشهر الأخيرة؟
لم يكن هناك من إمكانية للهجرة في الأشهر الأخيرة بسبب فيروس الكورونا وتوقف المواصلات العابرة للحدود عن العمل مما أتاح في المجال أمام اللبنانيين للتخطيط للهجرة بسبب إنعدام اي أمل في إتخاذ خطوات عمليّة من قبل الأدارات الحكومية لوقف التدهور الأقتصادي والمالي والسياسي.

- هل تتوقعين موجة جديدة من الهجرة الجماعية بعد إعادة فتح مطار بيروت؟
لا نتوقّع بل نعرف من خلال رصدنا لمسألة الهجرة من لبنان في المركز اللبناني للهجرة والانتشار الذي ادير في جامعة سيدة اللويزة كما على خبرتنا الطويلة وأبحاثنا في مسألة الهجرة من - والعودة الى - لبنان بأن الكثيرين من اللبنانيين يعملون حالياً وفعلياً على مغادرة لبنان او الهجرة مجدداً منه من قبل الذين عادوا اليه. لقد أثبتت لنا الدراسات والابحاث التي قمنا بها اوالتي قام بها باحثين في لبنان وخارجه بأن أعداد الهجرة تتصاعد عند كل حرب، او أزمة اقتصادية، أو أزمة سياسية. فمثلاً ازدادت وتيرة الهجرة في الحرب الاهلية، وبعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري والاغتيالات اللاحقة، وخلال وبعد حرب 2006 وغيرها.


- ما هي أسباب الهجرة الحالية من لبنان اليوم؟
نحن نعتبر بأن الوضع الحالي، الذي هو مزيج من أزمة سياسية وأقتصادية معطوفة على حرب باردة داخلية، هو وراء الهجرة القسرية الحالية للبنانيين والتي هي أخطر هجرة تمرّ على لبنان فخطورتها انها نتيجة لفقدان الأمل باصطلاح وضع لبنان في المدى المنظور بل اكثر من ذلك فالكثرين اقتنعوا بسبب التصريحات والأفعال المبرمجة والناقضة لجوهر لبنان على كل الاصعدة السياسية والاقتصادية والمالية والاجتماعية بان لبنان الذي يعرفون قد انتهى.

- هل يستطيع اللبنانيين الهجرة اليوم وكيف؟
ليس كل من يريد الهجرة اليوم يستطيع تحقيق ذلك في المدى القريب خصوصاً اؤلائك الذين ليس لديهم تصاريح إقامة دائمة او جنسية مزدوجة. فالهجرة تطلب أولاً المال ونحن نعلم بأن اللبنانيون لا يستطيعون الحصول على العملات الصعبة التي يدخرون في المصارف كما ان الكثيرين منهم لا يستطيعون شراء هذه العملات باسعار السوق السوداء. الهجرة تطلب ثانياً تأشيرات دخول الى بلدان الإغتراب ونحن نعلم بأن اكثرية هذه الدول لا تمنح هذه التأشيرات لأسباب عديدة منها ما هو متعلق بأوضاع هذه الدول بسبب فيروس الكورونا او الاوضاع الاقتصادية الخاصة بها او تعديلات في سيسات الهجرة فيها ومنها جمع شمل العائلات او الدراسة او الطبابة او الاعمال، او لانها تعلم بأن لا استطاعة للبنانيين على تحمل نفقات الدراسة او السفر بسبب سعر صرف الليرة اللبنانية مقابل العملات الصعبة، او لانها تعتبر ان كل لبناني يرغب في السفر اليها ولو للزيارة يمكن ان يصبح مهاجر دائم. الهجرة تطلب ان يكون لدى المهاجر عقد عمل مثلاً وهذا ايضاً فيه صعوبة بسبب الاوضاع الاقتصادية لاكثرية الدول التي كانت وجهة عمل للبنانيين (دول الخليج، الدول الافريقية، وغيرها)، او تأشيرة من دولة معينة مع اثباتات مثل اصول مالية، او تملك منزل او مؤسسة خارج لبنان.

هناك طريق اخرى للهجرة لكنها ليست فورية ومنها الاستثمار في الدول التي تمنح اقامة دائمة او جنسية بحسب قيمة الاستثمار وهذه الطريقة تقتضي استثمار بالعملة الصعبة اذا توفرت للمهاجر من رصيد له/لها موجود خارج لبنان. الطريقة الاخرى التي يعتمدها اللبناني اليوم هي تقديم طلبات للهجرة الدائمة من دول مثل كندا واوستراليا وامريكا وغيرها وهذه الطلبات تأخذ وقتاً لكي يتم الموافقة او عدم الموافقة عليها، كذلك طلبات الالتحاق بالزوج او الزوجة او طلبات الزواج من مواطن.
اما الذين يحملون تصاريح إقامة دائمة أو جنسية مزدوجة فهم الذين باستطاعتهم المغادرة الفورية؛ هؤلاء هم الاكثرية التي نراها تغادرمن مطار بيروت في هذه الايام.

- ما هو وضع الفئة الشبابية والمتخرجين الجدد خاصة في ظل الازمة الحالية؟
ان وضع الفئة الشبابية خصوصاً المتخرجين الجدد هي الاكثر تأزماً في الوضع الحالي لان عائلاتهم كانت تعتمد عليهم للعمل ومساعدة العائلة التي استثمرت في تعليمهم. وان اكثرية هذه الفئة كانت تهاجر خصوصاً الى دول الخليج وافريقيا وبعض الوجهات الجديدة للهجرة في آسيا واوروبا للعمل ولارسال التحويلات المالية للعائلة. البعض كان يسافر ايضاً لإكمال دراسته. وبسبب ما جئنا على ذكره سالفاً لجانب امكانية السفر، فان الاكثرية الساحقة من هذه الفئة سوف تكون عاطلة عن العمل خصوصاً ان فرص العمل في لبنان قد انعدمت هي ايضاً. خطورة وضع هذه الفئة يكمن ليس فقط في تأثير الاوضاع وفقدان الامل بالسفر، بل في ان يصبحوا ضحية وعود بالسفر مشبوهة او شراء تأشيرات سفر مزيفة او للهجرة السرية عبر البحر او البر وما الى ذلك مما يعرضهم لعمليات احتيال تهدد حياتهم او تخسرهم اموالا طائلة او تعرضهم للترحيل او السجن في حال استطاعوا الوصول الى وجهة سفرهم. قد يلجاء البعض الى طرق غير شرعية للخروج من لبنان بسبب يأسهم وفي هذا خطورة كبيرة على حياتهم.

- ما هو تأثير الهجرة على مستقبل لبنان؟
هناك تأثيرات جمّة للهجرة لن ندخل في كل تفاصيلها اليوم، لكن بأختصار شديد وبناء على الوضع الحالي الذي وصفناه آنفاً يتوقف تأثير الهجرة على مستقبل لبنان على كمية المهاجرين، صفات المهاجرين، امكانية المهاجرين من المساهمة من خلال التحويلات المالية، وخطة عودة المهاجرين. على صعيد كمية المهاجرين الجدد (الفئة الاولى) اي الذين نتوقع ان يكونوا اعضاء في موجة الهجرات الجديدة فإن الإعداد في السنوات القليلة القادمة ستكون كبيرة خصوصاً اذا لم يلمسوا هؤلاء تحولات جذرية ملموسة تؤثر مباشرة على وضعهم الشخصي (مثل خلق فرص عمل؛ تثبيت سعر صرف الليرة تجاه العملات الصعبة خصوصاً الدولار واليورو؛ اصلاحات خصوصاً في الكهرباء؛ وقف الهدر والمحاصصة والفساد، الخ). كما سيكون هناك اعادة هجرة كبيرة ايضاً للعائدين الذين يحملون تصاريح إقامة دائمة أو جنسية مزدوجة.

ان اكثرية الفئة الاولى ستكون صفاتها من حيث العمر من الشباب، من حيث الجنس من الجنسين، من الفئة العمرية المنتجة، من اصحاب الاختصاص او المهارات، من اصحاب الابتكار وريادة الاعمال، من الذين يعرفون حقوقهم ويريدون حياة افضل خصوصاً على الصعيد المهني، الخ. بمعنى آخر، هي الفئة العصب التي تعتمد عليها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا اية دولة تحترم ذاتها وان خسارتها ستكون في امكانية هذه الدولة من الاستمرار والمنافسة عالمياً.

اما على صعيد مساهمة المهاجرين من خلال التحويلات المالية فسيكون هناك تأثير سلبي ايضاُ لهذه الهجرة. أولاً بسبب عدم التزام الدولة بالتزاماتها تجاه دائنيها اللبنانيين، اهتزاز الثقة في القطاع المصرفي، في عدم تمكن اللبنانيين من الوصول الى اموالهم، ومن فقدان الثقة بالدولة اللبنانية وحتى بالكيان اللبناني. على الرغم من ان بعض المهاجرين سوف يرسلون بعض التحويلات لعائلاتهم لكي يتمكنوا من العيش في ظل التضخم المالي المستشري لكنهم لن يقوموا بوضع مدخراتهم في لبنان. وبذلك سوف يخسر لبنان ليس فقط شبابه وطاقتهم بل ايضا تحويلاتهم المالية التي كانت تساوي بين 17-20 من دخله القومي.

اما على صعيد مخططات العودة لهؤلاء المهاجرين والمنتشرين فسيكون لبنان الخاسر ايضاً لان اكثرية المهاجرين الجدد او الذين سيهاجرون مجدداً لن يعودوا بسبب يأسهم من لبنان ومن استمرار عدم الامان فيه. بكلمة مختصرة الهجرة الدائمة هي خسارة للبنان على كل الاصعدة الاستثمارية، والتنافسية، والابداعية، والاقتصادية، والاجتماعية، والديغرافية.
لا حل لوقف هذا الإنتحار الوطني الا باعادة الثقة بجوهر لبنان، وباصلاحات جذرية وفورية، وخطط انمائية انقاذية.

Abir Obeid Barakat