جمهورية البلف، الفاشية الشيعية والاوليغارشيات المافياوية وحكم الرعاع- بقلم شارل شرتوني

  • شارك هذا الخبر
Saturday, October 17, 2020

لا توصيف لجمهورية الطائف افضل من نهج البلف الذي طبع اداءها منذ ١٩٩٠ حتى اليوم، لم نسمع يوما خلال الثلاثين سنة الماضية الا تفسيرات مضللة لواقع الحكم الاوليغارشي والسيادة المعطلة، والفساد النافذ على كل المستويات الحكومية والادارية والقضائية، ومحاولة تبريرها من خلال ايحاءات دستورية فارغة استخدمتها سياسات النفوذ القائمة من اجل تغطية واقع الاستباحات المبرحة التي دمرت مفهوم دولة القانون، والغت بشكل فعلي الكيان الدولتي لحساب مراكز القوى الحاكمة، وتحالفات اوليغارشية متقلبة. ان اكثر ما يلفتني في النقاشات الحادة حول التشكيل الوزاري العتيد الكلام حول الاعتبارات الميثاقية والاصول الدستورية التي ترافق الملابسات الحكومية، هو زورها وتلميحاتها الكاذبة، في حين ان ما يجري يندرج في سياق التسويات المؤقتة بين تجمعات مصلحية متأهبة للانقلاب على بعضها البعض عند اول مناسبة، ودون اي مسوغ يذكر. فجأة التأم شمل المتخاصمين بحكم حسابات مذهبية ومصلحية ظرفية ( سنية-شيعية تستعيد لعبة الاتفاق الرباعي في ٢٠٠٥، وضرورة تنظيم الخلافات في ظل الكلام عن الترحيل المبرمج للمسيحيين الذي يجول في هذه الاوساط )، الى استهداف الميثاقية التي يستلهمها جبران باسيل المصلحي المراوغ، الى غياب الافق الاصلاحي لعملية التأليف الذي يبرر من خلاله سمير جعجع رفضه تسمية الحريري، وآخرًا لا اخيرا وضع مسألة التأليف الحكومي المزمع في خانة التجاوب مع المبادرة الفرنسية الساعية الى انقاذ البلد من واقع الفراغ المتمادي، وتردداته المدمرة على واقع سياسي ومالي واقتصادي واجتماعي وبيئي مترهل. هذا مع العلم ان اداء
الاوليغارشيات قد اسقط من حساباته الطروحات الاصلاحية للحراكات المدنية المعارضة التي تآكلت بفعل تصلب الاقفالات الاوليغارشية، وترسخ لعبة النفوذ الاقليمية، وفشلها في اكتساب بعد سياسي حاسم.
يضاف الى ذلك مشهد التفاوض مع اسرائيل حول ترسيم الحدود البحرية، وايجاد تسوية حول تقاسم الموارد النفطية والغازية المحتملة، يديرها الائتلاف الشيعي مباشرة او مداورة، في حين انه، حتى البارحة، كان يملي محظوراته لجهة عدم جواز التعاطي مع الدولة الاسرائيلية من خلال العمل الدپلوماسي الآيل الى حل النزاعات، واللجوء الى سياسات التوتر الاستنسابية، وادارة التوترات النزاعية على وقع المصالح الاستراتيجية الايرانية واولوياتها المتحركة. سياسات البلف التي تتقنها الفرق السياسية الشيعية هي جزء من ثقافة التقية والكذب الارادي التي تطبع تاريخا مديدا من الصراعات المذهبية مع السنة، تقابلها سياسات الايهام عند السنة تمهيدا لظروف انقلابية مؤاتية، وسياسات التعيش الانتهازية في الوسط السياسي الدرزي. والاهم من كل ذلك، اعطاء كل هذه الحركات البهلوانية صفة دستورية في حين انها ليست الا مناورات كاذبة تندرج ضمن سياقات انقلابية تحكم اداءاتها، وايقاعاتها، واهدافها المرحلية والبعيدة: انطلقت مفاوضات الترسيم تحت وطأة سياسة العقوبات التي طالت الوسط المافيوي المباشر لنبيه بري، ومخاوف شركائه الشيعة والسنة والدروز ( حزب الله، الحريري، الميقاتي، الصفدي، فتفت، جنبلاط …)، ومن ارادة السيطرة على الموارد النفطية والغازية المحتملة من قبل سياسة وضع اليد الشيعية على البلاد.
ان كل كلام في الدستور، والميثاق، وارادة التسوية، والتجاوب مع الارادة الاصلاحية الفرنسية، والتمهيد لنقلة تمهيدية ونوعية في العلاقات الايرانية-الاميركية، يندرج في سياق الخطابة التضليلية، والاسقاطات الاعتباطية، والشعوذة التي تعودها كل متعاط في الشأن السياسي في ظل الواقع الاوليغارشي المطبق على الحياة السياسية منذ ٣٠ سنة. السؤال الاول الذي يتبادر الى ذهن اي مراقب للحياة السياسية في لبنان، هو مدى صوابية المراهنة على صدقية سعد الحريري والنادي الاوليغارشي في مجال التجاوب مع الطرح الاصلاحي الفرنسي لجهة: حل ازمة المديونية العامة من خلال استعادة الاموال المهربة والمنهوبة، واطلاق ورشة التحقيق المالي الجنائي وعمل المقاضاة ومصادرة الاموال المنهوبة في لبنان والخارج، واعادة هيكلة القطاع المصرفي والمصرف المركزي على اسس مهنية، وخارجا عن آلية المحاصصات الاوليغارشية، واصلاح الادارات العامة لجهة تصفية قواعد عملها الحيازية والزبائنية ومهنيتها، واستئصال القضاء من واقع التبعيات السياسية، واعادة النظر في الادارة الكارثية للقطاعات الاستراتيجية ( كهرباء، شبكات تواصلية، ثروات مائية، وطاقات متنوعة )، وحل الازمات المالية على خط التلازم بين العمل المالي والمصرفي والاقتصاد الفعلي بكل مرتكزاته المعلوماتية والخضراء وتطبيقاتها، في سائر المجالات الخدماتية والزراعية والصناعية، وعلى اساس العلاقات السيستمية بين العمل التربوي والتدريبي والبحثي، من خلال الجامعات ومؤسسات التعليم العالي والحاضنات التكنولوجية…،. لم نر حتى الساعة، ليس فقط برنامجا وزاريا للحريري، بل اي اعلان نوايا اولي، من قبل احد اركان الاوليغارشيات المافيوية، الذي يخلف نفسه بعد انقضاء عشرة اشهر على استقالته، وتسلم حكومة وهمية تستر وراءها حزب الله متابعة لعملية احكام السيطرة على البلاد. انا لست متيقنا، ان الحكومة الفرنسية او الادارة الاميركية، بصدد اعطاء رصيد سياسي لفرقاء سياسيين كاذبين بالتعريف، ومسؤولين عن انهيار البلد على مدى عقود ثلاث، ومفاوضات مضللة مع صندوق النقد الدولي والبرامج المالية منذ باريس ١-٤، وامدادهم ببرامج انقاذية سوف يعاد نهبها. نحن في ظل لعبة تضليلية متجددة، وكل ما عدا ذلك يندرج في باب المناورات التي الفتها هذه الاوليغارشيات المافياوية. لاسبيل للتفاوض مع هؤلاء الرعاع الا من خلال التدويل، وسياسة العقوبات، ومصادرة اموالهم وتوظيفاتهم المبيضة.