العرب لا يثقون بأميركا… وينتظرون “حلّ الدولتين”؟- بقلم رضوان السيد

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, April 23, 2024

كان مجال اهتمامنا في ترقّب ضربة إيران ضدّ إسرائيل، هو القدرة والضرر الذي تُحدثه. بيد أنّ الأميركيين والأوروبيين، الذين كانوا يعرفون حدود القوّة الإيرانية، ما ارتعبوا لذلك، بل لسببين آخرين: أوّلهما أنّه للمرّة الأولى منذ عام 1973 تُهاجَم إسرائيل من الخارج، وثانيهما أنّ الضربات المتبادلة تهدّد الأمن النووي والملفّ النووي لدى الدولتين. وصحيح أنّه ما حصل شيءٌ من ذلك. لكنّ الفشل الأميركي يتفاقم، وهناك احتمال توسيع الصراع، وعجز أميركا عن التحكّم بتطوّراته.

اختلفت الآراء في تقويم هجوم إيران وآثاره على إسرائيل وفي المنطقة. وكان منّا من ذهب إلى أنّ الهجوم كان فاشلاً وكأنّه لم يقع، في حين ذهب أنصار إيران إلى أنّه كان انتصاراً عظيماً. والواقع أنّه ما كان هذا ولا ذاك. ومع ذلك أثار رعباً عظيماً في الغرب فسّرْناه جميعاً بأنّ سببه الحرص على إسرائيل وأمنها. فهم يعرفون محدودية القوّة العسكرية الإيرانية. لكنّ لخوفهم مصدراً آخر.

بعد أيام على الهجمات الثلاث: إسرائيل – قنصلية إيران في سوريا، فإيران – إسرائيل، وأخيراً إسرائيل – أصفهان، تبدّت وقائع وتقديرات جديدة، مختلفة عن الاعتبارات الأولى لسائر الأطراف.

ما الذي تغيّر أخيراً؟

لقد تبيّن أنّ الرعب الغربي آتٍ من الذكريات القديمة عندما كانت إسرائيل تواجه دول الطوق من جهة، والفلسطينيين من الداخل. وقد أمكن بالحروب وبالمفاوضات الأميركية إيقاف الحروب على إسرائيل من الخارج بخروج مصر من الصراع (1977-1979)، ولحقها الأردن (1994). أمّا من الداخل فكان اتفاق أوسلو مع ياسر عرفات (1993). وكانت تلك ذروة الأمن والأمان التي بلغتها إسرائيل بقيادة الولايات المتحدة وبالإسهامات الأوروبية الكبيرة.

كانت حكومة إسرائيل ضدّ الاتفاق النووي بين أميركا وإيران عام 2015 بمبادرةٍ متحمّسةٍ من الرئيس الأسبق باراك أوباما وإدارته
في العشرين عاماً الأخيرة حدث اختلالان أثّرا في أمن إسرائيل وإن لم يشكّلا خطراً وجوديّاً:

– عودة الفلسطينيين أو فريق منهم إلى الثوران (حماس في غزة).

– وإزعاج الحزب الذي فرضته إيران على إسرائيل على الحدود من جهة لبنان.

بدت إسرائيل قادرةً على مواجهة الإزعاجين أو التهديدين بالقوّة العسكرية العارية، وبدون آمالٍ ووعودٍ من حكومات بنيامين نتنياهو، ولا من وساطات الأميركيين مع الحزب في لبنان. ثمّ جاء هجوم طوفان الأقصى في 7 أكتوبر (تشرين الأوّل 2023)، ليهدّد تفوّقين إسرائيليَّين: الهيبة والثقة. فهبَّ الجميع لـ”إبادة” حماس من أجل استعادة الثقة وإلّا استشرت هجرة المستوطنين الإسرائيليين باتجاه معاكس…

لماذا لا نضرب إيران والحزب؟

منذ البداية كانت حسابات نتنياهو غير حسابات أميركا وحلفائها الآخرين. فما دام التأييد عارماً على الرغم من الشكاوى التي بدأت ترتفع اعتراضاً على الإبادات. برز سؤال: “لماذا لا يتمّ الخلاص من مقاومة الحزب لسنوات ولو على حساب الدمار في لبنان؟ ثمّ لماذا لا تُستثار إيران بحيث تغامر بالتدخّل المباشر فتُضرب أيضاً؟!”.

وقد أثار ذلك رعب الغربيين لجهتين:

– وجود دولة عدوّة لإسرائيل مستعدّة لمقاتلتها من جديد.

– والتخوّف من التضارب بين الطرفين من حول النووي.

وكلّ ذلك كفيل بإعادة المنطقة خمسين سنة إلى الوراء وأن يتجدّد الصراع على فلسطين.



تراوح خطوات نتنياهو بين الحسابات والمغامرات. فإسرائيل الآن في ذروة قوّتها العسكرية، وتملك مظلّةً أميركيةً وغربيةً في كثافة المظلّة التي قاتلت مع أوكرانيا قبل عامين ونيّف. وقد كانت حكومة إسرائيل ضدّ الاتفاق النووي بين أميركا وإيران عام 2015 بمبادرةٍ متحمّسةٍ من الرئيس الأسبق باراك أوباما وإدارته. لذلك ستظلّ محميّةً من الدرع الأميركي والغربي حتّى لو ضربت إسرائيل المنشآت النووية الإيرانية (وهي لم تفعل). والحسابات الأميركية غير ذلك تماماً. لذلك على الرغم من درعها الحامي لإسرائيل ومظلّتها من فوقها، ما كانت تريد أن يجري تبادل الغارات لأيّ سببٍ كان. لكنّ هذا هو الذي حصل. وهي وقائع ما عاد يمكن إلغاؤها ولا ضبط تأثيراتها.

إنحيازات أميركا وحلفائها لإسرائيل كانت وما زالت على طول الخطّ. لكنّها ظلّت على الرغم من ذلك في موقع الوسيط (!) بدون حقّ ولا تأهّل إلا من خلال ميزان القوّة القاهرة.
كيف يمكن ضبط الصّراع؟

ما عاد يمكن الصمت ولا الصبر أو يعود الخطران لتهديد الأمن فالوجود الإسرائيلي… فما العملُ الآن؟

هناك مطالب متعدّدة على الولايات المتحدة وحلفائها إنجازها أو ينفلت الوضع وسط شماتة روسيا والصين، اللتين تُخرجان الآن الولايات المتحدة من الشرق الأوسط، بعدما أخرجتا فرنسا من النيجر وبوركينا فاسو.

إنحيازات أميركا وحلفائها لإسرائيل كانت وما زالت على طول الخطّ. لكنّها ظلّت على الرغم من ذلك في موقع الوسيط (!) بدون حقّ ولا تأهّل إلا من خلال ميزان القوّة القاهرة. لكن ماذا لو خابت وساطاتها ومفاوضاتها كما خابت في أفغانستان والعراق بعد حربين داميتين؟

لهذا فإنّ الولايات المتحدة الآن في موقف صعب. فحتى مع قطر تتصدّع العلاقة، وعلى غير العادة تجهر الأخيرة بأنّ الولايات المتحدة خيّبتْ أملها لأنّها ما عادت تعرض في مفاوضات الهدنة غير وجهة النظر الإسرائيلية!

ولننتبه إلى أنّ إيران تعتبر نفسها صاحبة جميل على الولايات المتحدة. فقد أعلمتها بالضربة مسبقاً، ثمّ هي لم تردّ على الردّ الإسرائيلي. وبعد “زعل” قطر وانسحابها المحتمل لا يبقى غير المصريين والأردنيين. وقد فشلت مفاوضات الهدنة ولا يبدو أنّها ستتجدّد قريباً.

على الولايات المتحدة أن تتقدّم وتقود، لكنّها ما عادت تملك تغيير الواقع. والعرب المطلوب تدخّلهم ينتظرون أفكاراً أميركيةً جديدةً لإحقاق الهدنة
أميركا صديق… غير موثوق

إنّ الطرف الوحيد الذي لا يستطيع “الزعل” هو الطرف الأميركي، على الرغم من أنّه لا يمون على إسرائيل، ولا علاقة له بحماس. وقد أعلنت السلطة الفلسطينية خيبتها منه على الرغم من كثرة الوعود. كلّ العالم وقف في مجلس الأمن مع الاعتراف بالدولة الفلسطينية إلّا الولايات المتحدة التي استخدمت الفيتو. وهكذا في نظر سائر الأطراف أميركا صديق لكنّه غير موثوق به!

لقد عادت اللجنة السداسية العربية المعنيّة بالشأن الفلسطيني إلى الاجتماع. والمعروف أنّها ستعرض من جديد مبادرة شاملة أو تكرّر العرض السابق. والولايات المتحدة تتحدّث منذ البداية عن الدور العربي المستجدّ أو المستعاد. لكنّ الطرف العربي هو الأكثر معرفةً بأميركا والخيبات معها. لذلك، وقد تراجعت قطر بعد طول اندفاع. يحتار العرب أيضاً، فلا أحد يريد ترك غزّة تستمرّ في الهلاك المريع. ولا أمل كبيراً لجهة أميركا، كما لا أمل على الإطلاق لجهة إسرائيل.

هما واقعتان جديدتان:

– طرف كبير من خارج إسرائيل يستطيع شنّ الحرب عليها وحتّى تهديد سلاحها النووي.

– واضطراب فلسطيني داخلي لا يمكن إخماده مهما استحرّ القتل ما لم يكن هناك أملٌ بحلٍّ سياسي لا يبدو في الأفق.



على الولايات المتحدة أن تتقدّم وتقود، لكنّها ما عادت تملك تغيير الواقع. والعرب المطلوب تدخّلهم ينتظرون أفكاراً أميركيةً جديدةً لإحقاق الهدنة، وللدخول في حلّ الدولتين… وهيهات!