جورج شاهين - حكومة "الإنجازات المتواضعة".. فهل تقطفها؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, September 16, 2021

الجمهورية

ليس تكهناً الحديث الجاري عن احتمال نجاح الحكومة الميقاتية في تحقيق شيء متواضع مما يحتاجه اللبنانيون. فإضافة ساعة واحدة من الكهرباء ستعدّ إنجازاً، وقد استوت التحضيرات لترميم ما يمكن ترميمه وتقليص المآسي. فليس هناك من عذر امامها يحول دون أي خطوة ايجابية، فالمسرحان اللبناني والدولي يسمحان بها إن صدقت النيات، بعدما ثبت انّ حظوظ رئيسها تقدّمت على بقية الذين كُلّفوا المهمة. لماذا وكيف؟
يستذكر اللبنانيون منذ ايام التجربة التي خاضها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في إدارة الشأن العام، عقب اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وما أنجزته حكومته يومها في فترة قياسية، سبقت التحضيرات لانتخابات العام 2005 النيابية. فاللبنانيون كانوا يحتاجون بعد مجزرة 14 شباط الكثير الكثير، وعلى اكثر من مستوى، وكان يمكن ارضاءهم بالنذر القليل مما يحتاجونه، وهو ما تحقق في اشهر قليلة.

وإن أعاد التاريخ نفسه في عقد ونصف من تاريخ لبنان المعاصر، فإنّ التجربة الميقاتية الحالية في الحكم قد تكون مناسبة لتكرار كثير مما حصل في الفترة القصيرة التي عاشها لبنان قبل 16 عاماً. فالمسرح اللبناني المنهار على اكثر من صعيد، يوفّر إمكان تحقيق بعض الإنجازات المتواضعة. فأياً كان شكلها ومضمونها، ستأتي بانطباعات ايجابية. وقد يسخر منها البعض إن تجاهلوا حاجة اللبنانيين راهناً الى كل شيء، من لقمة الخبز الى قارورة الغاز وحبة الدواء وصفيحة البنزين والمازوت وساعة إنارة إضافية، تفتح الطريق امام الحكومة الجديدة لتحصي إنجازاتها. ولن يتحقق ذلك ما لم يحفظ المسؤولون الدروس المستقاة من الرعاية الدولية والاقليمية، الى قادت الى ولادة هذه الحكومة، والتزموا بما تعهّدوا به في السرّ والعلن، امام من هدّد بالعقوبات وأوحى بالنصح والخطوات المتسارعة التي عبرت في لحظة اقليمية ودولية قد تكون نادرة، رغم عبور محطات مشابهة تجاوزها اللبنانيون بالمناكفات الشخصية التي قادتهم الى الفشل الذي لا يمكن تبريره.

عند هذه المعطيات، تشهد الصالونات السياسية والأندية الديبلوماسية مناقشات تتوسع في الحديث عن حجم المساعدات التي يمكن ان يتلقّاها لبنان إن أحسنت الحكومة القيام بما هو مطلوب منها، وفق سلّم اولويات حدّدها المجتمع الدولي، بمعاينته مظاهر الأزمات المتنامية، والتي لم يستطع اهل الحكم مواجهة اي منها، فتناسلت وانتقلت من قطاع الى آخر، على وقع سيل من الانهيارات المخيفة، وسط حال من الإنكار لم تنته، إلاّ بهزّ العصا في أكثر من محطة، وبمِهل فرضت تقليصاً للمطالب والأحلام التي منّن البعض بها نفسه، اياً كانت الكلفة، ليس على اللبنانيين فحسب، وانما على المجتمع الدولي الذي رعى المخارج الممكنة بأقل ما هو مطلوب، لوقف عملية الإعدام البطيئة للبنان واللبنانيين.

ليس في ما سبق ما يوحي بمشهد هزلي او مأساوي، فبعض ما شهدته فترة المراوحة قبل ولادة الحكومة يشي بما يندى له الجبين من اسباب إعاقة ولادة الحكومة، وتسببت بسقوط تجربتين سابقتين خاضهما كل من السفير مصطفى أديب والرئيس سعد الحريري، الى ان قال المجتمع الدولي كلمته الفصل في ما يجب القيام به. وما على الحكومة الجديدة بكل أعضائها، إلّا انّ يستذكروا في كل لحظة عمل، ما هو مطلوب منهم لفرملة الانهيارات المرتقبة، وإعادة تصويب البوصلة، وإحياء الأمل في إمكان قيامة لبنان مما هو فيه، إن تبدّلت بعض الخطوات وتغيّرت بعض الاستراتيجيات، التي اثبتت فشلها في اكثر من محاولة رُفعت فيها شعارات تستثير المشاعر الطائفية والمذهبية والمناطقية، رغبة من أصحابها باستعادة موقع فقدوه وثقة اهتزت الى الحدود القصوى.


على هذه الخلفيات، تتوسع القراءات للمؤشرات السلبية والإيجابية، وهي متعددة وإنّّ ظهر بعضها الى العلن او بقي طي الكتمان. فالمواقف الدولية التي رحّبت علناً بالحكومة، معطوفة على وجود النية بالمساعدة، بقيت رهناً بما ستعبّر عنه الحكومة في اولى خطواتها، بما يوحي بصدقية التعهدات والوعود التي قُطعت بوقف المناكفات التي قادت الى الرهانات الفاشلة التي اسدل الستار عليها، فإنّ ذلك لن يكون مستحيلاً. وكل ذلك يجري وسط مخاوف من تجدّد النزاعات الخفية في بعض القطاعات الخدماتية التي أبطلت كثيراً مما كان مقرّراً من خطط سابقة. ولعلّ ما شهده الاجتماع الثاني من اجتماعات اللجنة الوزارية المكلّفة البحث في صوغ البيان الوزاري، حول خطة إنشاء معامل الكهرباء ومحطات التغويز، ما يوحي ببقاء المواجهة قائمة. وخصوصاً انّها أحيت خلافات سابقة حول أولوية بناء معمل سلعاتا من عدمه، بين من يصرّ على إنشائه او شطبه وتأجيله الى المرحلة التالية، قبل ان يُسحب الملف من التداول، الى أن يقول وزير الطاقة خطته الممكنة.

وإلى هذه الملاحظة التي لا يمكن إهمالها ما لم تتجاوزها اللجنة الوزارية، فلا شيء يمنع من تجدّد الخلافات لاحقاً، في قطاعات بأهمية قطاع الطاقة، وهو ما سيأتي بالتدخّل الخارجي مرة اخرى، لتقويم الخطط المعتمدة. فقطاع الطاقة كما القطاع المصرفي وما يتصل بطريقة مواجهة الدين العام وتوحيد الخسائر في القطاع المصرفي ومصرف لبنان وسبل مواجهة أصحاب سندات اليوروبوندز، مع ما يمكن ان يأتي به التدقيق الجنائي، ستبقى من ضمن الملفات المراقبة دولياً خصوصاً أنّها ستكون مادة دسمة على طاولة المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والمؤسسات المانحة، التي لن تقدّم اي قرض او مساعدة تقنية او مادية قبل التثبت من المعايير المعتمدة، من أجل القيام بها بشفافية كاملة وواضحة لا لبس فيها.

وإلى هذه المعطيات تبقى الإشارة ضرورية، الى انّ الحديث عن دعم الجيش والمؤسسات العسكرية والامنية الاخرى ستبقى خارج إطار المداولات الحكومية الداخلية، فلها مسارها الدولي الذي رسمته المؤتمرات الدولية، التي بنت استراتيجيتها للتعاطي مع القوى العسكرية والأمنية بطريقة مباشرة، تضمن عدم المسّ بقدراتها وجهوزيتها، لمواجهة أي خلل محتمل خارجياً كان ام داخلياً، وتعزيزها لتضمن لها الدور القوي من اجل ضمان الامن والاستقرار في البلاد.

عند هذه الملاحظات يتطلع المراقبون الى الايام والأسابيع القليلة المقبلة من تقليعة الحكومة، لتكون فصلاً من فصول الامتحانات الصعبة لأركان السلطة. فالمِهل ليست فضفاضة، وهناك قرارات يجب ان تُتخذ في وقت قريب وفي مهلة سيبدأ المجتمع الدولي احتسابها من مطلع الأسبوع المقبل، وتحديداً بعد ان تنال الحكومة ثقة مجلس النواب. اما بقية انواع الثقة الداخلية منها والاقليمية، فهي ستبقى قيد التجربة، في ظروف باتت معروفة، وقد يسهل على الحكومة خوضها لمجرد نجاحها في تحقيق ما يخفف من نار الجحيم الذي يعيشه اللبنانيون.