شعب يذوق مرّ الإحتلال،وإحتلال يذوق مرّ شعب- ميشال جبور

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, September 15, 2021



كم هي متألمة الشعوب العربية في كيانها وتاريخها وكم عانت من انتداب واحتلال وبطش وبأس تحت مسميات مختلفة، بعضها نجح بالتحرر وبعضها على طريق التحرر وبعضها وللأسف ما زال يغرق في مكائد داخلية وخارجية تنقض عليه في كل مرة يريد أن يرفع رأسه ويشم أريج الحرية.
وهذه هي الحال مع الشعبين الفلسطيني واللبناني،شعبان مناضلان لهما تاريخ بصفحات ملطخة بالدماء، لكن،مطوية داخل فصل النسيان لأنها أضرت بهما كثيراً بسبب الإستغلال.
الشعب الفلسطيني وقالها ياسر عرفات سيبقى يقاتل المحتل الإسرائيلي "إلى يوم الدين"،هذا العدو المتغطرس الذي لا يعرف الإنسانية وبآلته التدميرية وبطشه وقسوته وعنصريته لا يتوقف ولكن،أمامه شعب اعتاد المقاومة بالحجر وباللحم الحي كما نقول،أمامه شعب أسراه يضربون عن الطعام غير آبهين بحياتهم كي تحيا فلسطين، أمامه شعب مستعد كي يموت في تنفيذ عملية طعن أو دهس وأصلاً غير آبه إن تم اعتقاله واقتياده إلى معسكرات التعذيب، أمامه شعب يصلي فيما الإحتلال يحاول بشتى الوسائل منعه بالإقتحامات وزج المتطرفين،أمامه شعب يريد أن يشم "رائحة الجنة" فقط كي تحيا فلسطين وأمهاته تهللن بالزغاريد إن استشهد إبن أو أب أو حتى ألقي القبض عليه،نعم، يرزح تحت الإحتلال بنيره وجبروته لكن يذيقه نار جهنم في كل لحظة ولو بحجر يرميه على وحش الميركافا ولو بالجسد طفل كان شاباً أو معمراً، ولو حتى حفر بملعقة طريق خروجه من أعتى سجون الإعتقال كسجن جلبوع والله أعلم كم ربما من سنين طوال اتخذه ذلك، لكنه شعب تهون به العذابات مهما اشتدت أمام حريته وكسره للعدو.
أما في المقلب الآخر في لبنان،شعب يعشق الحياة لكن مهزوم في داخله،اعتاد التكيف والخنوع مع كل ريح تهب باتجاهه منذ أيام الإنتداب،يعيش حالة من التخبط الطائفي والإجتماعي بسبب تشرذمه، والمحتل كان ولا يزال،على مختلف أشكاله،يتموه ويعود لأننا فعلاً مهزومون.
لقد هزمنا بعد استشهاد القائد الذي علّمنا المقاومة،بشير الجميل،القائد الذي أرسى قواعد المقاومة الأصيلة الشرسة التي لا ترضخ ولا تتلون لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا ثقافياً لدرجة أن الطامعين بلبنان اغتالوه مخافة أن يتحرر لبنان بثورته منهم،فالثورة يجب تفوح منها رائحة الدماء وإلا لن تشتم عبق الجنة ولن تلامس مخمل الحرية.
أتى بشير بصلابته وحول انتفاضته وثورته على الطغيان والإحتلال إلى معركة بل معارك وطيسة استشهد فيها الكثيرون لأجل لبنان بمسيرة مضرجة بالدماء لم تثنيها الظروف،آلاف الشهداء روت دماؤهم الأرض،بعضهم دُفن في برد الثلوج وبعضهم كان يُجلب من أرض المعركة بعد يومين أو ثلاث، حتى بشير اغتيل لأنه نجح بثورته ولأنه لمع برئاسته، اغتالوه ليقمعونا ويسيطروا على قرارنا الحر.
الثورة والمقاومة لونها أحمر قاتم،الثورة تعبق برائحة الدم،الثورة ليست بدس المشرذمين والمفككين والمشككين إلى أن تتحول إلى أمسيات قطع طرقات لدقائق معدودة وإطلاق الشتائم على المنابر الإعلامية بحيث يصبح للقوى الأمنية الذريعة للإنقضاض على البشر كوحش كاسر، الثورة بحاجة لقرار موحد وقائد أوحد ولكنها تتطلب الدماء كي تتكرس بانتصار على المحتل،المحتل من الداخل قبل الخارج، نحن في لبنان محتلين من أناس حيتان مال وسارقي خزينة وممتهني مد اليد على المال العام ومقدرات الدولة،كارتيلات وسخة حرمت اللبنانيين من أموالهم المودعة وجعلتهم يقفون في طوابير البنزين ويستعطون الدواء والرغيف بعد أن تعمدت دهورة العملة الوطنية كي تجني الأرباح الطائلة على حساب وجع الناس والفقراء وقليلي الحظ. للأسف يتموه هذا الإحتلال في كل مرة، وعند كل تسوية يُباع لبنان مجدداً لإحتلال جديد مقنع، وهذه المرة كان الإحتلال الجديد الناعم والمتخفي يستتر في مكالمة هاتفية بين الرئيسين الإيراني والفرنسي الذي أبرما الصفقة الجديدة على حساب لبنان وشعبه وتحول المحتل إلى منقذ بكسر هيبة الدولة عبر مخالفة أبسط القواعد الدولية، أضحى لبنان رهينة المحروقات والمكالمات الهاتفية التي تفرض حكومة أمر واقع بمازوت وقح وبنزين أوقح فيما يسطو محظيو الإحتلال على ما تبقى من وجود للدولة وفيما ذهب بعض السياسيين ركضاً وزحفاً إلى سوريا وسيطة التسوية الجديدة والضابطة الأمنية للإحتلال الجديد.
الثورة في لبنان لن تكون بالإرتهان لأية جهة تبيع وتشتري بنا، لن تكون إلا بالتخلص ممن يرعى التسويات على حسابنا ويتربعون على عروش الفوضى الطائفية والإجتماعية ويحولون الدولة والوطن إلى مزرعة يسود فيها قانون الغاب.
الحرية بحاجة لثورة حقيقية تسال فيها الدماء دون تراجع ودون استكانة،الثورة الحقيقية لا تتراجع أمام بعض الجرحى فالفلسطيني استراتيجيته تكمن ببذل كل طاقته وحتى حياته في سبيل قتل ولو إسرائيلياً واحداً ولكي تليق الحرية بنا يجب أن نرقى لمستوى الشهادة دون خوف ودون تقاعس وهذا الفرق البسيط بين شعب يذوق مرّ الإحتلال ويخضع وبين شعب يذيق الإحتلال مرّ المقاومة.