سامر كركي-الولايات المتحدة ما بين حلم وحقيقة

  • شارك هذا الخبر
Monday, September 13, 2021


في زمن الصعود الصيني المهيب تتوالى الإخفاقات الأميركية وحسابات الحقل التي لا تطابق حسابات البيدر ، فمن أفغانستان التي تلعب دورا حيويا نظرا لموقعها الجيوستراتيجي وحدودها مع خصوم وأعداء الولايات المتحدة ( روسيا والصين وإيران ) إلى أكثر من مكان حيث تبدو السياسة الأميركية متحفّظة ، حيث يتعذّر على الأميركيين إعادة صوغ سياسات آنية أو استراتيجية مُجدية . يتعثّر الأميركيون في أكثر من مكان إن كان في أقصى الكرة الأرضية عند القطب الشمالي وحول القارة الإفريقية مع الدب الروسي ومحاولتهم زرع الألغام أمام طريق الحرير الصيني والصلابة التي تبديها الجمهورية الإسلامية في مفاوضات العودة إلى الإتفاق النووي الذي خرجت منه إدارة ترامب سنة 2018 إلى التمايز في أكثر من نقطة وملف مع الكيان الصهيوني مع عدم إغفال الخطوط العريضة والمبادىء العامة التي تجمعهما ، حيث يبدو ابناء العم سام في تخبّط كبير.
فهل نحن أمام مرحلة أفول نجم الإمبراطورية الأميركية؟
هناك أربعة أوجه للشبه بين ما يحصل للولايات المتحدة في القرن الواحد والعشرين وبين ما حصل لبريطانيا بين الحربين العالميتين الأولى والثانية.وجه التشابه الأول: تراكم الديون ففي سنة 1918 كانت نسبة ديون بريطانيا تبلغ 109 بالمئة من الناتج المحلي ثم قفزت إلى 200 بالمئة عام 1934 وبالنسبة للولايات المتحدة فالدّين تجاوز 100 بالمئة من الناتج المحلي وسيصل إلى 110 بالمئة بعد وقت قريب جدا.
الوجه الثاني: هو تراجع القوة ولو نسبيا حيث ظهرت قوى صاعدة نافست بريطانيا حتى اقتصاديا كالولايات المتحدة نفسها وألمانيا والإتحاد السوفياتي الذي تفوق اقتصاده عليها سنة 1930.والجدل دائر الآن هل الصين تفوقت على الولايات المتحدة ؟ وإذا احتكمنا إلى معادلة القوة الشرائية فالصين تفوقت على الولايات المتحدة منذ 2014.
الوجه الثالث:عملية الإسترضاء التي بدأتها بريطانيا بغضّ الطرف عن ألمانيا وإيطاليا في أوروبا واليابان في آسيا والأمثلة عديدة عند استيلاء ألمانيا على قسم من تشيكوسلوفاكيا ردّ رئيس الوزراء البريطاني آنذاك "تشمبرلين": " هذا شجار في بلد بعيد بين شعوب لا نعرف عنها شيئا "واستولى لاحقا هتلر على كامل تشيكوسلوفاكيا تمهيدا لغزو كامل أوروبا.والحال نفسه الآن بالنسبة للولايات المتحدة حيث تسعى دول مواجهة للتوسع في محيطها الإقليمي والولايات المتحدة تغض الطرف والأمثلة عديدة ومنها سيطرة الروس على القرم والوجود الروسي في سوريا والصيني في بحر الصين.
وجه التشابه الرابع: النخب المتمردة والساخطة على بلدها وهو ما شاهدناه في بريطانيا في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي ونراه في الولايات المتحدة اليوم من تذمر من العنصرية وعدم المساواة وغيرها ، والروس والصينيون يقرأون هذا التناحر الكبير ويحاولون الإستفادة منه .
ويلاحظ أن الولايات المتحدة تعاني من أربعة مواطن ضعف تظهّرت في العقد الأخير أولها : تململ الأميركيين من الخدمة في بلاد النزاع الصعب كأفغانستان والعراق وغيرهما ثانيا : عجز مالي وضعف إقتصادي لا يمكّنها من الإنفاق على حملاتها العسكرية.ثالثا: اهتمام الناخب الأميركي في أمور أخرى فقد يؤيد رئيسا أميركيا في التدخل في بلد ما ثم بعد شهور أو سنوات قد يضغط لإعادة الأبناء إلى البلد مما يضع ضغوطا على صانع القرار الأميركي . رابعا : النقص في القدرة على التعلم من تاريخ الولايات المتحدة فضلا عن تاريخ الدول الأخرى فالولايات المتحدة لم تتعلم من درس بريطانيا في الثلاثينيات عندما سأل روزفلت تشرشل : ماذا يجب أن نسمي الحرب العالمية الثانية فقال له: حرب غير ضرورية، وما كان لبريطانيا وحلفائها أن يخوضوا هذه الحرب لو تصدوا باكرا للحضور والطموح الألماني والإيطالي والياباني. إن حالة الإنقسام في المجتمع الأميركي ظاهرة للقاصي والداني ، فبعد أن كانوا ينقسمون حول الضرائب والإجهاض وغيرها أصبح الإنقسام عاموديا وجوهريا ورأينا حملة لتظهير سنة 1619 والإحتفاء بها(عام وصول السفينة التي تحمل أفارقة سود إلى فرجينيا لخدمة المستعمر البريطاني )وما بين عام 1776 المعروف بتاريخ الإستقلال.
تبدو البلاد المتوجة على عرش الحربين العالميتين في سبات عميق رغم حضورها الكبير في قارات العالم أجمع وحجم القوة البحرية التي تمتلكها فمن سمح لروسيا بالعودة على طبق من ذهب ومن لم يُعر هذا التقدم والتطور الصيني اهتماما على مدى عقود فلا عجب أن تفاجئه دول أخرى تسهم في خلط الأوراق، وكما كانت أزمة السويس والعدوان الثلاثي على مصر عام 1956 النقطة التي أسقطت بريطانيا عن عرشها فهل ستكون تايوان في أي مواجهة مقبلة هي التي ستُعرّي المارد الأميركي وتجعل الإمبراطورية الأميركية مجرد ماض بائد أم سيكون هناك حدث آخر سيمضي قدما .. لا شكّ أنّ كل التصورات تقود إلى ولايات متحدة باعتبارها قوة غربية كبيرة لا كما كانت منذ 1989 حتى 2009 .. ألا إن الغد لناظره قريب!!
سامر كركي
إعلامي وكاتب سياسي