المحامي حسّان الرّفاعي - "الزَّوَط" الفئويّ و"التّحوّل المذهبيّ عند السُّنّة"

  • شارك هذا الخبر
Thursday, September 9, 2021


أفصح مؤخّرًا الوزير حنّا الضّاهر عبر مقالةٍ في صحيفة النّهار عن مكنوناته المتعصّبة عندما اتّهم طائفةً بأكملها بتحويل خطابها إلى طائفيّ مذهبيّ، وبتلاعبها بعِلْم الدّستور لغايات فئويّة.
هكذا وببساطة، نزع الضّاهر الصّفات الوطنيّة عن كلّ سُنّة لبنان ولم يستثنِ أحدًا منهم. إنّه كلام يرقى إلى جُرم إثارة النّعرات المذهبيّة (المادّة 317 عقوبات) في زمن يئنّ فيه المواطن اللّبنانيّ من كثرة الويلات الّتي يعيشها، وفي زمن جمعت فيه ثورة 17 تشرين اللّبنانيّين على اختلاف مذاهبهم. طبعًا لا يرى وزير الدّولة الأسبق خطر القبضة الإيرانيّة ولا خطر المؤتمر التّأسيسيّ أو دعوات الفدرلة أو حلف الأقلّيّات على بلاد الأرز. مشكلته فقط مع أهل السُّنّة، هذه الطّائفة الّتي لم تقدّم يومًا رئيس حكومة تلوّثت يداه بدم اللّبنانيّين منذ سنة 1943 بل قدّمت الشّهداء، وشَدَّت على جراحها من أجل وحدة لبنان وحرّيّته وسيادته واستقلاله.
لست في وارد مناقشةٍ دستوريّة مع مَنْ يُخضِع النّوّاب المسيحيّين الّذين حضروا مؤتمر الطّائف وما زالوا على قيد الحياة لامتحانٍ مُغرضٍ يهدف إلى تخييرهم بين أن يخوضوا معركة الصّلاحيّات الرّئاسيّة إلى جانب ميشال عون الّذي اعتدى على بيوتهم ومكاتبهم وهجّرهم سنة 1989 وبين تصنيفهم في خانة المتنازلين المتساهلين بحقوق الرّئيس المارونيّ.
فالوزير الضّاهر ينسى أو يتناسى أنّ سنة 1989 تمثّلَ الجانب المسيحيّ في الطّائف برجالاتٍ وقاماتِ كبيرة من المسيحيّين والموارنة أمثال جورج سعادة وبطرس حرب وإدمون رزق ومخايل الضّاهر وطارق حبشي ورينيه معوّض، وكان هدفهم نجاة لبنان والتّخلّص من ويلات مفتعل المعارك المسيحيّة - المسيحيّة كرمى لنزواته الرّئاسيّة، والمسؤول عن أكبر هجرة مسيحيّة.
كما أنّي لست في وارد تصويب الزّوَط الدّستوريّ لمعاليه، بعدما رأيته تائهًا متخبّطًا بين مفاهيم النّظام البرلمانيّ للجمهوريّة الثّالثة وتلك العائدة إلى النّظام شبه الرّئاسيّ للجمهوريّة الخامسة والنّظام المجلسيّ للجمهوريّة الرّابعة في فرنسا والنّظام البرلمانيّ على الطّريقة الإنجليزيّة، كلّ ذلك في ثلاثة أسطرٍ من مقالته. حتّى إنّه اعتبر أنّ دستور لبنان لسنة 1926 مُستَوْحًى من دستور فرنسا لسنة 1958 كما يبدو أنّه لم يطّلع على الفقرة -ج- من مقدّمة الدّستور الّتي تقول بكلّ وضوح إنّ لبنان جمهوريّة ديموقراطيّة برلمانيّة !!
إنّ الدّستور لم يعطِ الطّوائف الصّلاحيّات، بل وزّعها على السّلطات كي تقوم هذه الأخيرة بالأدوار الّتي تُؤمّن حُسْن سير النّظام وترعى شؤون الوطن والمواطن، وما توزيع المناصب الأولى على الطّوائف الأساسيّة في لبنان إلّا من باب توزيع المسؤوليّات. أمّا المواطنون السُّنّة، فلا يطلبون سوى أن يعامَلوا متساوين بالحقوق والواجبات مع إخوتهم في الوطن، فهم ليسوا طلّاب امتيازاتٍ، بل طلّاب عدالةٍ وكرامةٍ.
إنّ رئيس الجمهوريّة ميشال عون خرق الدّستور، وخرج على مفاهيمه، وإنّ صهره فتح كلّ المعارك الطّائفيّة خدمةً لأهواءٍ شخصيّةٍ على حساب الوطن والموارنة. إنّ محاكمة الرّئيس واجب وطنيّ وقد وقّعت مجموعةٌ من القامات الفكريّة والوطنيّة والعلميّة من الطّائفة المارونيّة دراسةً تُدين خروقات رئيس الجمهوريّة للدّستور، وما أكثرها، ولم تر أيّ غضاضة في شرح الصّلاحيّات الّتي استفزّت الوزير حنّا الضّاهر اليوم، علمًا أنّ أحد مُوَقِّعي الدّراسة، وهو ابن رئيس جمهوريّةٍ كبير ومؤسّس أصرّ أن تُنشَر هذه الدّراسة بلغات عدّة وأن توزّع مجّانًا على اللّبنانيّين في المكتبات.
هذا وإنّ البطريرك الرّاعي وبدعمٍ باباويّ كان أوّل منْ أقدم، بعيدًا عن أيّ تقوقعٍ مذهبيّ، على إطلاق نداءٍ سيسجّله التّاريخ، حذّر فيه من خطر تغيير وجه لبنان، ليس بسبب السُّنّة، بل جرّاء العبث القاتل عند من يُخرج الوطن من دوره ورسالته وحياده ويتلطّى وراء شعارات حقوق المسيحيّين والرّئيس القويّ.
من ناحيةٍ أخرى، فإنّ مُوَقّع هذه الأسطر سبق أن دعا في الصّحافة المكتوبة والمسموعة والمرئيّة وخلال ندوةٍ أقيمت في مدينة جعيتا مؤخرًّا إلى قيام مرجعيّات سُنّيّة بتزكية شخصيّة مارونيّة، 24 ضلعًا، لرّئاسة وتشكيل حكومة تنقذ الوطن وتقضي على الخطاب الفئويّ والشّعبويّ عند أبطال حلف الأقلّيّات، وتنتزع حُجج التّعطيل العونيّة.
حتّى إنّني ذهبتُ إلى اقتراح أسماءٍ من قماشة العميد المتقاعد في الجيش اللّبنانيّ الدّكتور خليل الحلو العونيّ السّابق، وكلٍّ من النّوّاب المستقيلين ميشال رينيه معوّض وهنري بيار حلو ونعمة جورج أفرام، لرئاسة الحكومة شرط عدم ترشّحهم لرئاسة الجمهوريّة القادمة. فأين تكمن مذهبيّة أهل السُّنّة؟!
حقًّا، كم أصاب الفنّان التّونسيّ لطفي بوشناق حينما غنّى: "... خذوا المراكز والكراسي بس أعطوني وطن ..."