هدوء "البيطار" قبل عاصفة التوقيفات

  • شارك هذا الخبر
Friday, September 3, 2021

في ملف انفجار مرفأ بيروت، هدوء يسبق العاصفة التي يمكن أن تبدأ ملامحها بالظهور الإثنين المقبل. مطلع الأسبوع، جلستا استجواب لكل من الوزير السابق المدّعى عليه يوسف فنيانوس ومدير العمليات السابق سامي حسين المدعى عليه أيضاً. بعد طول مقاطعة، وغياب، يبدو أنّ السيناريو الذي رسمه فنيانوس هو عدم المثول أمام المحقق العدلي القاضي طارق البيطار في جلسة يوم الإثنين. بل يحضر محاميه لتقديم دفوع شكلية، تؤجّل الاستجواب لأيام. أما حسين، فمن المفترض أن يمثل، فتحدّد أقواله وإثباتاته من جهة، ومعلومات وأدلّة القاضي البيطار، مدى مسؤوليته في موضوع تخزين نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12.

مبدأ التوقيف
من خلال السياق الذي ينتهجه القاضي طارق البيطار في إدارة ملف التحقيقات، يمكن الاستنتاج بأنه قد يعمد إلى مذكرات توقيف بحق من الموظفين والمدراء العامين ورؤساء المصالح والمسؤولين الذي شاركوا في عملية تخزين الأمونيوم. هو مبدأ قد يتم تكريسه بدءاً من الأسبوع المقبل، في إصدار مذكرات توقيف بحق الأشخاص والشخصيات المدعى عليهم بعد استجوابهم. وإنّ تكرّست هذه القاعدة، فلا بد من القول إنّ زنازين سجن الريحانية ستجمع المزيد من الموقوفين في وقت قريب.

الدفوع الشكلية والتبليغات
وحسب ما علمت "المدن"، فإنّ النيابة العامة ردّت الدفوع الشكلية المقدمة من قبل أغلب الوكلاء القانونيين للمدعى عليهم غير الموقوفين، باستثناء تلك المقدّمة من العميد غسان غرز الدين نظراً لكونه تقدّم بها الأسبوع الماضي. وبالتالي، فإنّ الاستجوابات ستسلك الإطار الطبيعي من دون تأجيل أو عرقلة. وعلى خطّ آخر، باشرت اليوم محكمة التمييز تبليغ الجهات المعنية بدعوى الارتياب المشروع المقدّمة من نقابة المحامين ضد المحامي العام التمييزي القاضي غسان الخوري، فيسلك هذا الملف أيضاً سياقه القانوني الطبيعي.

"المهمّة المستحيلة"
منذ يوم أمس وحتى صباح الإثنين، قد يكون ملف التحقيقات في جريمة 4 آب في وقت مستقطع، قبل استعادة نشاط المحقق العدلي. فيمكن الاستفادة من هذه الاستراحة القصيرة للابتعاد قليلاً عن التحقيقات وتفاصيلها ومحاولة قراءة ما يحدث في مجمل التحقيقات. لا شكّ أنّ أداء القاضي البيطار وإدارته للملف لا تعجب السلطة الحاكمة. وفي إعادة استعراض لأبرز المواقف الصادرة عن زعماء السلطة الحاكمة، يمكن استشفاف الانزعاج الحاصل. فالقاضي ضرب خطوطاً حمراء، وداس في حقل مزنّر بحقل ألغام. يقوم بمهمّة أشبه بـ"المهمّة المستحيلة". ليس طوم كروز، ولا مُخرج خلفه يوجّهه، عكس كل ما يشاع.

التسييس والاستنسابية
القاضي طارق البيطار، متّهم من قبل القوى السياسية الحاكمة بأنه "يسيّس" التحقيقات وبأنّ قرارات التوقيف الصادرة عنه "استنسابية". وجمهور هذه القوى نفسها، يسارع عند كل مفترق طريق أو مذكرة توقيف للسؤال عن طائفة الموقوف وانتمائه السياسي لإدانة الفريق المحسوب عليه. وهو ما يجب الابتعاد عنه حتى لا يتم توظيف كل الجهود القائمة من أجل كشف حقيقة انفجار مرفأ بيروت وإحقاق العدالة فيه. هي لعبة اعتيادية، تلجأ إليها هذه السلطة لتفجير التحقيق أو أي ملف أو فضيحة. و"التسييس" يحصل أساساً بمجرّد أن يخرج زعيم وقائد طائفة أو رئيس حزب لإدانة المحقق العدلي. وإضافة إلى "التسييس" المفتعل، فإنّ السلطة تنتهج من تلقاء نفسها فعل "الاستنسابية" في الدفاع عن شخصية مدعى عليها دون سواها. فالسلطة، هي مهد التسييس وعرين الاستنسابية. حتى باتت ماكينات هذه السلطة، الإعلامية والأمنية، تتحدّث عن توجيهات دولية ومؤامرات خارجية في ملف التحقيقات بمجزرة 4 آب. بكل بساطة، لو كان ثمة تدخلاً أو توجيهاً خارجياً، هل كان صدرت تقارير الـ"إف بي آي" والخبراء الفرنسيين؟ ألم تكن هذه التقارير لتُستخدم وفق الأجندات المرسومة لحكومات هذه الدول؟ وكل هذا رغم السؤال المستمرّ، المفصل الأساسي، حول صور الأقمار الصناعية التي لم تزوّد بها الدولة اللبنانية بعد لموقع الانفجار يوم 4 آب 2020.
في مجالس السلطة الحاكمة، وديوانيات مسؤوليها ورؤسائها وضباطها الأمنيين، تأكيد على أنّ المحقق العدلي القاضي طارق البيطار لن يستمرّ محققاً عدلياً في انفجار مرفأ بيروت. هو أكثر من تمنٍّ. لن يستمرّ، ولا يجب أن يستمرّ، بالنسبة لهؤلاء. "قبضاي، بس مش رح يكفّي"، يقال عنه. والأحاديث تنتقل من مجلس لآخر. وفي السياق نفسه، تلويح بـ"ارتياب مشروع" وطعن بصلاحيته لقيادة تحقيق مماثل. "ارتياب"، لا يجرؤ أصحابه حتى اللحظة على تقديمه، والسبب؟ الإحراج والفضيحة. وبالتوازي، رواية "قط مذبوح" مفبركة والكثير من الهمس لترهيبه. إصرار هذه السلطة على تنحية البيطار والإطاحة بالتحقيق بالغة الشراسة بانتظار لحظة الانقضاض عليه. يوجّه البيطار الضربات، الواحدة تلو الأخرى. أما الفريق الآخر فيبحث عن إسقاطه بالضربة القاضية. لكنّه مستمرّ باللكم، خفيف كالفراشة ويلسع مثل النحل، مباراته شديدة التعقيد لكن غير مستحيلة.


نادر فوز- المدن