بالوثائق: من قرر تخزين الأمونيوم وتجاهل التحذيرات؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, September 2, 2021

في ملف انفجار مرفأ بيروت، يبرز اسم جديد مدّعى عليه لكن غير موقوف. سامي حسين، المدير السابق للعمليات في المرفأ، حدّد له المحقق العدلي القاضي طارق البيطار جلسة لاستجوابه يوم 6 أيلول المقبل. وحسب وثائق حصلت عليها "المدن"، فإنه كان لسامي حسين قرار واضح في خيار تخزين 2750 طناً من نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12. أغلب المعنيين بهذا القرار، موقوفون، عدا سامي حسين، وهو ما يطرح علامات استفهام عديدة.

التحذير الأول
بناءً على طلب المديرية العامة للنقل البري والبحري، الصادر في 4 أيلول 2014 بضرورة تأمين أماكن لتخزين حمولة الباخرة روسوس، وجّه المدير العام للمرفأ حسن قريطم كتاباً إلى دائرة العمليات بتاريخ 13 أيلول، طالباً إبداء الرأي. وحوّل مدير العمليات سامي حسين الطلب إلى رئيس مصلحة البضائع مصطفى فرشوخ يوم 15 أيلول، الذي ردّ ورئيس دائرة التخطيط والمتابعة غازي شلالا، برأي مشترك، يوم 16 أيلول وهو الآتي "نفيدكم بأنّ الباخرة المذكورة ترسو منذ تاريخ 21/11/2013 وهي محمّلة بنيترات الأمونيوم، إنّ المستودع رقم 12 مخصص للمواد الخطرة مع لفت النظر أنه غير مجهّز بأجهزة السلامة العامة (إنذار- إطفاء..) لذلك نقترح وضعها في المستودع المذكور بعد الكشف عليها من قبل خبير مختص لتحديد كيفية خزنها وعدم تأثيرها على البضائع المجاورة". أي أنّ فرشوخ أشار إلى عدم مراعاة السلامة العامة في عنبر الموت، واقترح تخزين النيترات فيه بعد الكشف عليه من قبل الخبراء. لكن جواب سامي حسين جاء واضحاً، وفي اليوم نفسه، وأحال الردّ إلى حسن قريطم بشكل تلقائي بالعبارة التالية "نعلم جانبكم أنه باستطاعتنا استقبال البضاعة من الباخرة المحجوزة في المستودع رقم 12". دون ذكر أجهزة السلامة العامة ولا تكليف المعنيين بإعداد كشف على العنبر ولا مراعاة ظروف السلامة العامة، ومن دون أي اكتراث بالتقرير المقدّم من فرشوح وشلالا.


استقبال النيترات
وبناءً على مراسلة سامي حسين، وجّه قريطم كتاباً إلى المديرية العامة للنقل بتاريخ 21 تشرين الأول 2014، أبلغها فيها الموافقة "على تخزين الشحنة في العنبر رقم (لم يشر إلى الرقم) المخصص لتخزين المواد الخطرة لاستقبال حمولة الباخرة روسوس إلى حين استكمال الإجراءات اللازمة لطلب طرح هذه البضاعة والباخرة بالمزاد العلني". وهنا بدأ فعلياً الحديث عن "المزاد العلني" المزعوم، وانطلق مسلسل تخزين عشرات آلاف أطنان نيترات الأمونيوم في مرفأ بيروت، وصولاً إلى المجزرة التي وقعت يوم 4 آب 2020.


تقرير الباخرة والنيترات
وبعد طلب الوكيل القانوني للوكيل البحري للباخرة، المحامي جوزف القارح، من إدارة واستثمار مرفأ بيروت إعفاء موكله من رسوم التخزين والسماح لأصحابها بشحن البضاعة، يوم 26 آب 2015، أحال أمين لجنة الإدارة رئيس مصلحة الديوان توفيق لطيف الطلب إلى إدارة العمليات (سامي حسين) يوم 27 آب. ومن حسين إلى مصلحة البضائع، أي مصطفى فرشوخ، يوم 8 أيلول طالباً "الدرس والإفادة". وبكتاب موجّه إلى حسين يوم 14 أيلول 2015 تضمّن تقريراً شاملاً عن الباخرة والبضاعة التي تم إدخالها إلى العنبر رقم 12، أشار فرشوخ إلى أنّ "العنبر 12 مشغول كلياً، نرجو من حضرتكم أخذ العلم وبإجراء اللازم". وجاء في التقرير الذي أعدّه فرشوخ، الإشارة إلى 6 نقاط أساسية.


الخطر والتلف والبيع
أعاد فرشوخ في تقريره التأكيد على عدم مراعاة ظروف التخزين للسلامة العامة وخطورة المواد. أولاً أنّ "البضاعة في المستودع رقم 12 المخصص للمواد الخطرة غير مجهّز بأجهزة إنذار وحماية، وثانياً، المواد مصنفة مواد خطرة، البضاعة موجودة في المرفأ منذ 21/11/2013، أدخلت إلى المستودع في 23/20/2014". وأوضح التقرير حجم فضيحة التخزين، إذ أشار فرشوخ إلى أنّه "خلال التفريغ يوجد أكياس ممزقة وبعضها معرّض لتسرب مياه البحر". واقترح أنه "في حال المزاد العلني لإعادة التصدير هذا يتطلّب وقتاً، وفي حال لم يتم بيعها وبقيت وقتاً طويلاً، هذه العملية تتطلب أخذ موافقات وإيجاد مطمر أو مكب غير موجود في لبنان لأن تلفها يتطلّب تقنيات عالية غير متوفرة". وأكد فرشوخ على أنّ "المطلوب: إيجاد حلّ سريع للتخلّص من هذه المواد وتحرير المستودع وإعادة تشغيله لأنه مقفل حالياً حفاظاً على سلامة الموظفين". والأهم، خلاصة فرشوخ بأنه "يجب الأخذ بعين الاعتبار حسنات التخلّص من هذه البضاعة الخطرة مقابل ما يترتّب من رسوم المرفأ لأن بقاءها مدة طويلة داخل المستودع سيعرّض البضاعة للتلف والتلف موضوع صعب جداً وتكلفته كبيرة". ولم يلق التقرير آذاناً صاغية، مع تركيز المعنيين في إدارة المرفأ على موضوع الغرامات والرسوم.


تحذير ثالث
وبين كانون الثاني وشباط 2017، رداً على طلب مقدّم من وزارة النقل حول تحويل الرسوم المرفئية على الوكيل البحري أيضاً، تمّت المراسلة بين قريطم وسامي حسين وصولاً إلى فرشوخ. وفي ردّ الأخير إشارة إلى "امتلاء المستودع بشكل كامل"، طالباً "اعتبار الباخرة وحمولاتها ملفاً واحداً" وهو ما يساهم في حلّ موضوع النيترات المخزّنة. وفي شباط 2018 تابع فرشوح موضوع جنوح "روسوس" وميلها عند كاسر الموج، فوجّه كتاباً إلى مدير العمليات بالتكليف المهندس سامر رعد.


إقفال الباب بمستوعب!
في 24 كانون الثاني 2020، أرسل مصطفى فرشوخ كتاباً إلى رعد، بموضوع الطلب من إدارة الصيانة صيانة وتصليح أبواب المستودعات. وفي 27 كانون الثاني حوّل رعد الطلب إلى قريطم مؤكداً على ضرورة القيام بهذه المهام "من أجل إدخال وإخراج البضائع في العنبر والمحافظة عليها من السرقة". لكن اللافت إشارة رعد إلى أنه "ما نقوم به حالياً هو وضع مستوعب أمام الباب المعطّل وبهذا يعيق العمل ولا يفي بموجبات الحماية من السرقة، الرجاء التوجيه". وفي 28 كانون الثاني، وقّع قريطم الطلب مشيراً إلى وجوب "إجراء اللازم".


تأخير الصيانة
بعد قرابة خمس أشهر على المراسلات التي تشير إلى سوء أوضاع العنابر وسوء أوضاع التخزين وضرورة الحماية من السرقة والباب المغلق بمستوعب، وبناءً على كتاب من المديرية العامة لأمن الدولة ولإشارة النائب العام القاضي غسان عويدات، صدر طلب "تكليف من يلزم لتأمين حراسة مشدّدة على العنبر رقم 12" عن حسن قريطم في 4 حزيران 2020. وجّه قريطم الكتاب إلى مدير العمليات سامر رعد في 8 حزيران، ومنه إلى فرشوخ في 10 حزيران. وردّ الأخير في المراسلة مشيراً إلى أنه "تمّ تكليف السيد وجدي قرقفي متابعة المستودع رقم 12" (وقرقفي أساساً أمين مستودع العنبر رقم 14). ولفت فرشوح إلى أنه طلب إصدار طلب "تنفيذ أعمال الصيانة رقم 29540 وأبواب الحديد"، وهو رقم الطلب نفسه المذكور في الإحالة إلى النيابة العامة.

يوضح كل ما سبق، أنّ المعنيين في إدارة المرفأ، بدءاً من قريطم وصولاً إلى مدير العمليات السابق سامي حسين، وافقوا على تخزين نيترات الأمونيوم في العنبر رقم 12 على الرغم من عدم مراعاته للسلامة العامة وغياب أجهزة الإنذار والإطفاء. ويلاحظ عدم الأخذ بالاعتبار التحذيرات التي تقدّم بها كل من فرشوخ وشلالا بشأن سلامة العنبر. ويلاحظ أيضاً تأخير تنفيذ عمليات الصيانة لما يقارب ستة أشهر. كل هذه المعطيات، والكثير غيرها بحوزة المحقق العدلي. وكل هذا، يتابعه أهالي الشهداء. وكل هذا يلاحقه المتضرّرون من الجريمة. وكل هذا لا يعطي إلّا المزيد من الزخم والتمسّك بكشف الحقيقة وجلب العدالة لبيروت وأهلها.



نادر فوز- المدن