خاص- سلطة فاجرة وشعب راضخ- بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, August 10, 2021

الكلمة أونلاين
بولا أسطيح

اهو اليأس او الجبن او الرضوخ ما يجعل اللبنانيين مستسلمين لواقعهم المرير جدا؟! كيف عسانا نفسر ان من قام بانتفاضة تشرين الاول ٢٠١٩، وهي انتفاضة لا مثيل لها في تاريخ لبنان الحديث من حيث تجاوز الاصطفافات المذهبية والطائفية وكسر كل الخطوط الحمراء والهالات التي كانت تحيط بزعماء الطوائف، قادر ان يتأقلم مع واقعه الحالي…لا كهرباء، لا دواء، لا بنزين، لا مازوت.. باختصار فقدان تام لابسط مقومات العيش الكريم. انه الذل يعيشه اللبناني من دون ان يحرك ساكنا..يقف ساعات وساعات في الطوابير امام محطات البنزين.تنظر في عيون والى جباه المنتظرين في سيارتهم فلا ترى الا اليأس والاستسلام..حتى الغضب والنقمة لا مكان لهما لدى هؤلاء كما لدى الاكثرية الساحقة من اللبنانيين التي باتت تعتبر انه لم يعد امامها من خيار الا التأقلم. فقد اشتهر اللبنانيون على مر التاريخ بقدرتهم السريعة على التأقلم وبالتحديد في مجتمعات هاجروا اليها..شكل ذلك ميزة حسدهم ولا زال يحسدهم عليها كثيرون.. اما التأقلم مع الذل فلا شك ان احدا لا يحسدهم عليه اليوم.
تعقد منذ مدة حلقات نقاش على اكثر من مستوى للبحث بخلفية هذا التأقلم واسبابه.. معظم هذه الحلقات لا تصل لنتيجة.. هي تصل لخلاصات من نوع ان اللبنانيين منهمكين بتأمين لقمة العيش ولا يريدون المجازفة بهذه اللقمة بعدما فقدوا كل شيء آخر، اموالهم في البنوك، ترف الكهرباء والتكييف، وحتى حقهم الطبيعي بالحصول على الدواء لتسكين اوجاعهم ومعالجة امراضهم..
الغوص اكثر بحالة اللبنانيين يظهر ان قسما كبيرا منهم لم يعد يبحث الا عن طريقة ووسيلة للهرب والهجرة بعدما هرب وهاجر مباشرة بعد انفجار مرفأ بيروت كل من يحمل جنسيات اجنبية وكل من تسمح له احواله المادية الاستقرار بالخارج. اكثرية هؤلاء وصلت لقناعة انه طالما انتفاضة ١٧ تشرين لم تتمكن من قلب الطاولة على المافيا الحاكمة والمستحكمة بالبلاد والعباد، فان اي تحرك آخر مهما بلغ حجمه لن يحقق الهدف الاستراتيجي الكبير بالاطاحة بكل القوى السياسية الطائفية. مجموعات المعارضة و"الثورة" ترفض هذه المقاربة التي تقول ان قوى السلطة هي التي تحاول الترويج لها بهدف اقناع الناس بها ما يدفعهم اكثر فأكثر للرضوخ الذي تتوق اليه هذه القوى. تعول هذه المجموعات حاليا على الاستحقاق النيابي المقبل، وفيما يبدو عددا منها مفرط بالتفاؤل بالحديث عن انقلاب كبير ستشهده صناديق الاقتراع فيغزو اكثر من ٦٠ نائبا جديدا معارضا للسلطة الحالية الندوة البرلمانية متكئا على النقمة الشعبية العارمة غير المسبوقة نتيجة انفجار كل الازمات دفعة واحدة، يبدو عدد آخر واقعيا في التعاطي مع المرحلة، اذ يتحدث عن كرة ثلج ستكبر وهي لن تتحول فجأة الى كرة ضخمة تطيح بكل شيء، معتبرا ان خرق ١٠ او ١٥ نائبا معارضا في الاستحقاق المقبل سيكون بحد ذاته انجاز على ان يدخل ضعف هذا العدد وتباعا خلال الاستحقاقات النيابية التي ستلي ما يؤدي لتغيير الطبقة ككل خلال فترة ١٠ اعوام كحد أقصى.
كل ما سبق لا يعني كثيرا الاحزاب الحاكمة التي لم يهزها الانهيار المالي الذي اقترفته ايديها ولا حتى زلزال بحجم انفجار مرفأ بيروت، هي تبدو مطمئنة الى انها سعيها مجددا للتوتير المذهبي والطائفي من شأنه ان يشد عصب جماهيرها عشية الانتخابات النيابية، على ان ترفق حيلها هذه التي لا تزال للاسف تنطلي على كثيرين مع العبث بالاستقرار الامني سواء من بوابة الجنوب او من اكثر من بوابة داخلية بمحاولة لايهام الناس بأن اي توجه من قبلهم لاختيار شخصيات جديدة تدير البلد قد يؤدي لانهيار آخر جدران الهيكل اللبناني..باعتبارها الممسكة بخيوط اللعبة الامنية في البلد.
وابعد من الامن، يبلغ مستوى وقاحة لا بل فجور المافيا الحاكمة مستويات غير مسبوقة، فبعدما كان اللبنانيون يعتبرون ان الوصول لمرحلة رفع الدعم عن السلع الاساسية من دواء وبنزين ومازوت ومواد غذائية اساسية هو الجحيم بحد ذاته لذلك سيتصدون لاي محاولة من هذا النوع، نجحت هذه المافيا وبمخططات "جهنمية" بدفع الناس لتوسل رفع الدعم كي يجدوا هذه المواد التي تعتبر مقومات اساسية للعيش والاستمرار.
بالمحصلة، هو كباش غير متكافىء على الاطلاق بين سلطة مافياوية ميليشياوية فاجرة وبين شعب خاضع خانع جبان يروضونه بالكرباج المذهبي- الطائفي.. فمهما بذلت اقلية واعية من جهود لكسب المعركة، ستبقى الاكثرية "المبنجة" تشد لجهة ومصلحة القوى نفسها التي اوصلتها الى الجحيم من دون ان يرف لها جفن!!