بول ناصيف عكاري - الثورة...وكلن يعني كلن

  • شارك هذا الخبر
Saturday, April 17, 2021


ترى طيفه آت من أعالي جبال المكمل، برداءٍ أبيضَ كثلج لبنان، عابقاً برائحة أرز الرب ، شارباً "روحية قنّوبين"، نور قلبه خافت، عقله منفطر، ولكنّه مصمّم على خلاص الشعب الذليل. إنّه ذاك الرجل الذي سوف يضخّ بعضاً من الأمل والثقة والطمأنينة في النفوس المقهورة وفي العائلات المترهلة وفي المجتع الفاسد والدولة المسلوبة والوطن المخطوف المغتصب. إنّه الرجل المخلص الآتي من لدن المعاناة ورحم الأحزان...
هذا المخلص لا بدّ أن يأتي من حيث لا ندري ويكون وطنيّاً لا مرتهناً، ذا عقل نيّر متزن وقلب أبيض،متمتعاً بكاريزما مؤثرة تمكنه من إعادة اللحمة بين أطياف ومكونات الوطن وإستنباط عقد دينيّ-إنسانيّ يكون الأساس للعقد الإجتماعي المنشود.
منذ النصف الثانيّ من القرن العشرين مرّ على لبنان عدة رجالات وكان القاسم المشترك بينهم خدمة مذاهبهم وطوائفهم من أجل الوصول بواسطة العصبيّة الدينيّة والمذهبيّة الى السلطة المطلقة ولإلغاء الآخر.
وفقاً لمبدأ 6 و6 مكرر نبدأ مع حركة المحرومين التي كان هدفها إدخال مناصريها الى الدولة بسبب الحرمان التي أوقعتهم فيه الدولة العثمانيّة. فدخلوها أحياءً وأمواتاً حتى أنهكوها لدرجة الثمالة. غُيِّب قائدها من قبل نظام عربيّ وحتّى اليوم لم نعرف الأسباب. قاد الحركة الوطنيّة، التي قتل معظم قادتها، المعلم والمخلص الذي أعمى عقله الأخذ بالثأر من الموارنة مما تسبب في قتله وتراجع دور طائفته التي هي من أُسُس الكيان اللبنانيّ. أهل السنّة لم يكونوا أفضل حالاً! راهنوا على الناصريّ والفلسطينيّ والإسلام السياسيّ فدخلوا أتون حرب عبثيّة لرفع غبنٍ ما وقتل من قتل. أدخلوا الغريب ليحكم بأمره وأمرهم فخرج مهزوماً وقتل لاحقاً بالسمّ. دمروا أنفسهم وساهموا في دمار الوطن. جاءهم الرفيق للخلاص فأفسد من يجب إفساده وأفلس ما يجب إفلاسه ورحل على الأكتاف مخلفاً ورثة فرّطوا بإرث الطائفة فشلاً وكسلاً وإستزلاماً.
أمّا ورثة البشير فعاثوا في الأمّة المارونيّة دماراً وأحقاداً ومآسٍ. حولوا قضية الحق الى قضية خيانة فالتهوا بالقتال فيما بينهم وإلغاء بعضهم البعض كأنّ هدفهم إلغاء إرث عمره 1600 سنة وخسارة الكيان اللبنانيّ الذي ولد على اكتاف أجدادهم. جاء عهد الأخ فكان من العهود السيئة التي أضرّت بإرث طائفته ووطنه مما تسبب بنفيه ومن ثمّ قُتِلَ بمقتل إبنه الواعد والبريء من أفعال أبيه. قُتل طوني وقُتل داني وقُتل إيلي، أمّا السمير فأُدخِل الإنفراديّ بعد أن فعل ما فعل وبخروجه سلَم الوطن الى المستسلم من أجل هيكل كرسي مهترئ. أمّا ما بعد شماليّ المدفون فلن يلتقيّ الخط بالوطن إلّا في جهنّم.
بالتوازي، العونيّة فهي بلا منازع "البولانجيّة" بصبغتها اللبنانيّة والتي هي أيديولوجية سياسية تجمع بين سياسات "اليمين" والخطابة والشعبوية. الخطاب الشعبوي العونيّ بمجمله معادياً للأفكار النخبويّة ومعارضاً للمؤسسة الحاكمة. الميشال كان متحدثاً بارعاً ألهب الجماهير ودغدغ وطنيّتهم وقال لهم ما يجب أن يسمعوه وما كانوا يأملوه. الكلّ حظي من خلال خطاباته الحربيّة الإلغائيّة وشعائره الوطنيّة الفارغة بما كان يسعى اليه. عندما تمكن من السلطة، جاء أداؤه وسلوكياته وأدبياته نقيض ما كا يبشر به وأثبت أنه أفشل العهود. من أجل الوصول للسلطة سلم البلد الى السوريّ ولاحقاً للممانعة. عندما انكشف فشله إنتحر بولانجيه على قبرعشيقته، فهل ينتحر أحدهم في البترون؟
الرئاسة عند الموارنة باتت عبئاً ثقيلاً ومرضاً إسمه "متلازمة الموارنة" التي تترجم بسلوكيات وأفعال ماكيافيليّة لرجال من الطائفة المارونية بهدف الوصول والاستئثار بالسلطة المطلقة بغض النظر عن حجم الضرر والمآسي التي يلحقونها بأبناء طائفتهم ووطنهم ومدى ارتهانهم للداخل والخارج.
المفارقة الكبرى عندما كاد أن يصبح أحدهم المخلص الفعليّ للبنانيّين ورافع رأس العرب فكَشف عن أمره واستباح الدولة وأخضع الشعب وأسر الوطن. أدخل لبنان جبراً في منظومة الممانعة التي تضمّ أسوأ دول العالم لأن قائده أملى عليه ذلك. بات يتحكم بكامل مفاصل الدولة وخطف الوطن لصالح مشغليه وحول مقاومته الى "منظمة التحرير الفارسيّة". لننتظر النهاية...
تَكَتَّل الورثة، من الوليد السعيد الى النبيه المتجبّر بمعية الولاية وعاملها القاطن في بعبدا وأتباعهم من الصفوف الدنيا، فيما بينهم وانشأوا منظمتهم المافياوية التي نهبت أموال المواطنين وأعادة البلد الى القرون الوسطى كما كانت تروج وتتمنى العدوة اسرائيل. لم يرفّ لهم جفن عين على إنفجار المرفأ الذي يعدّ جريمة موصوفة ضد الإنسانيّة. على أمل أن يعاقبوا في القريب العاجل...
من ناحية اخرى، عند المحن والمصائب أطلّ علينا من أُعطِيَ مجد لبنان متسلحاً بمحبة الوطن والآخاء الإنسانيّ ليقود معركة الإستقلال الثاني من خلال قرنة شهوان والبريستول. الخطأ الوحيد الذي ارتكبه أنه لم يسمح بإقتلاع من كان في بعبدا. ومن السخريّة، أن معظم الذين ساهموا في هذا الحدث تخاذلوا ووهنوا وخانوا القضية من أجل كرسي هنا ومركز هناك. ما نشهده في هذه الظروف من مواقف الخلف لا تبشر بالخير لأن الموقف غير ثابت ومتقلب بحسب أهواء الأقربين والمستشارين.
ولكن هل يمكن التفكير بأنّ الرئيسين الجميل ومعوض كانا سيكونان المخلصين لو لم يقتلا علماً أنّ الرئيس معوض هو آخر رئيس حرّ للجمهورية.
هذه الأسطر تقاس كمّاً بعشرات الآلاف من الضحايا والمعاقين والمشردين والمهاجرين وآلاف مؤلّفة من المنازل والمصالح المدمّرة والمليارات من الفرص الضائعة والمنهوبة...أمّا نوعاً فبتشرذم العائلة وإنحلال المجتمع وضرب القيم وغياب الضمير والأخلاق وخيانة الوطن...
لذلك، كلّن يعنيّ كلّن!!!
بغياب أيّ مخلص، الخلاص المتاح هو بإقرارّ وبإعلان هيئة الامم والمجموعة الدوليّة أن لبنان أصبح دولة فاشلة وليوضع تحت الوصاية الدوليّة لحين إنتاج اتفاق وطنيّ جديد يتيح للمكونات كافة العيش بكرامة واستقرار وأمان.
على كلٍّ، وضع البلد لا يحسد عليه ومن أجل خلاصه يجب أولاً، على السيد أن يستقيل من العمل السياسيّ والعسكريّ ويحول الحزب الى حزب سياسيّ وطنيّ عامليّ بقيادة المتنورين من البيئة الشيعيّة والوطنيّة. ثانياً، يجب إلغاء جميع الأوراق والتفاهمات الثنائيّة والرباعيّة والرئاسيّة وما بينهم وخصوصاً تفاهم مار مخائيل المشؤوم. ثالثاً، يجب على رئيس الجمهورية أن يقلب الطاولة على جميع الرؤوس بقول حقيقة ما آلت عليه الأمور ومن ثم يستقيل لتُسلم الدفة الى رجل حرّ مستقل سياديّ رياديّ ذي رؤية ثاقبة وجهاديّ ضدّ الذّات وفاهم لتاريخ بلده. الحلّ الأول والثانيّ من سابع المستحيلات والثالث فمن ثامنها.
ولكن ما هو دور "الثورة" والثوار من كلّ هذا؟ ألم يحن الوقت؟ ماذا بجعبة الثورة لإنقاذ ما تبقى؟ فهل من يعتبر؟
من المؤكد والمنطقيّ أنّه لن يكون خلاص على يد أيّ لبنانيّ ولا على يد الأمم المتحدة وأنّ مصير لبنان سوف يتحدد وفقاً لنتاج اللعبة الجيو-السياسيّة في الإقليم. بالإضافة الى الإنهيار الإقتصاديّ والماليّ والمجتمعيّ والأخلاقيّ، من المرجح أننا أمام خمسة إحتمالات: وضع يد إيران (بالإتفاق مع اسرائيل كما حدث مع الوصاية السوريّة؟) على لبنان وإقامة دولة الفرس وما يتبعها من عدم الإستقرار. الدخول في حروب مذهبيّة تأكل الأخضر واليابس. الفديراليّة أو التقسيم الذي يكون مدخلاً الى عدم الإستقرار ومناوشات/حروب لا نهاية لها. وضع الأمم المتحدة والأسرة الدوليّة يدها على لبنان وإستنباط نظام متصرفيّة جديد. إنتظار أحداث البجعة السوداء تأتي بعجيبة ما لإصلاح ذات البين (دخول القوات الروسيّة الى لبنان لفرض الإنتظام أو إعادة هيكلة الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط؟).
رحم الله لبنان...