خاص- فلنتعظ ونتعلم من مدرسة الرئيس شمعون- بقلم المحامي فؤاد الأسمر

  • شارك هذا الخبر
Friday, March 5, 2021

في العام ١٩٥٢ عندما استلم الرئيس كميل شمعون سدة الرئاسة الاولى واجهته ازمات عديدة اهمها الفساد الاداري والتدهور الاقتصادي وترهل مؤسسات الدولة بفعل المحسوبيات والتبعيات الطائفية والمصلحية التي تحكمت بلبنان وصولاً الى التحدي الاكبر الناتج عن الثورة المصرية و تبوؤ جمال عبد الناصر السلطة مع مشاريعه الطامحة الى انشاء كيان عربي يقوده في مواجهة العالم الغربي.
رغم هول وحجم التحديات والاستحقاقات انبرى الرئيس شمعون الى تحقيق مشاريع اصلاحية انمائية تطويرية حيث عمد الى تنظيم وتطوير الادارة وارساء الامن كأساس لأي عهد مزدهر ووضع الخطط الخماسية للنهوض بالقطاعات الاقتصادية كافة فشهدت الزراعة والصناعة والخدمات والسياحة والتجارة والمصارف وقطاع الطاقة والكهرباء ازدهاراً وتطوراً لم يعرف لبنان له مثيلاً، واصبح مرفأ بيروت مرفأ الشرق الاوسط الأول بامتياز، وتدفق النفط الى مصفاتي طرابلس والزهراني حاملاً معه البترودولار والرساميل والاستثمارات العربية والاجنبية المختلفة التي تنشد مناخات الامن والازدهار، ونجح الرئيس شمعون بارساء دعائم عهد من الرخاء والبحبوحة والامان الاقتصادي والاجتماعي.
أما على المستويين الاقليمي والدولي فعانى عهد الرئيس شمعون من هجمة ناصرية عاتية تمثلت بمحاولة ضم لبنان الى الجمهورية العربية المتحدة وادخاله في ركب المشروع الناصري.
رغم مغريات المشروع الناصري، ورغم المكاسب التي كان سيحققها الرئيس شمعون فيما لو سار في الركب الناصري، ليس اقلها تجديد ولايته الرئاسية، الا أن الرئيس شمعون رفض ذلك وسعى الى ايقاظ الديكتاتور المصري من حلمه الواهي وتوعيته على جملة ثوابت اهمها ضرورة التضامن العربي ضمن اطار الشرعية الدولية وميثاق الامم المتحدة واعتماد الاطر القانونية والسلمية في تحقيق الاهداف الكبرى، والتأكيد على ضرورة الانفتاح العربي وتواصله مع المجتمع الدولي وعقد المعاهدات الدولية وبناء افضل العلاقات مع دول العالم الحرّ على قاعدة الاحترام المتبادل والحياد الايجابي، ونبذ الارهاب والتطرف ونبذ لغة السلاح والتقوقع والعدائية، كل ذلك هو الكفيل بحماية العالم العربي وتحقيق اهدافه المشروعة والمحقة وخلق قوة دفع دولية تحمي هذه الحقوق وتحقق الاهداف المرجوة.
كما سعى الرئيس شمعون ليل نهار الى تكريس دور لبنان كرسول سلام وحوار بين دفتيّ العالم الشرقي والغربي، وتوطيد حضور لبنان الفاعل في المجتمعات والمنتديات الدولية وعزز التواصل مع الجاليات اللبنانية المنتشرة في اصقاع الارض وتمكن من خلق لوبي لبناني يؤيد لبنان ويدعمه ويحمي مصالحه في مواقع القرار، اذ عمدت المكسيك والبرازيل والارجنتين وعدد من الدول الافريقية وسواها، حيث تنتشر الجاليات اللبنانية، الى دعم لبنان وتعزيز حضوره وخدمة مصالحه في المحافل الدولية، بحيث ارتقى الرئيس شمعون بلبنان الى مصاف كبريات الديمقراطيات الحضارية الدولية المتراخية الاطراف فكسر طوق الحدود الجغرافية وكرس حدود لبنان البشرية.
لقد كلفت مواقف الرئيس شمعون الوطنية والنضالية المشرّفة خسارته على المستوى الشخصي وتأليب الرأي العام ضده عبر بث اشاعات خبيثة مغرضة بحقه وقيام جبهات من مختلف الطوائف المسيحية والمحمدية ضده، فلم يخنع ولم يستسلم لأن مصلحته وبوصلته وسبيل هدايته كان لبنان ومصلحة لبنان العليا وحياة وكرامة اللبنانيين قبل اية مصلحة فردية او انانية له او لافراد عائلته.
ربما خسر الرئيس شمعون بعض الاصدقاء وخرج من السلطة دون ان يتمكن من المضي بجميع اصلاحاته المنشودة، انما بقي لبنان واستمر عزيزاً كريماً حراً بين الكبار رافعاً الهامة في المجتمعين الدولي والعربي بفضل فكر الرئيس شمعون وحكمته ونشاطه وانجازاته.
واليوم وبعد عقود على انتهاء عهد الرئيس شمعون نرى غالبية الدول العربية، وعلى رأسها مصر، اقتنعت بأفكاره وتوجهاته وتبنتها.
وعلى المستوى اللبناني الداخلي رأينا أعتى اخصام الرئيس شمعون من عروبيين تبنوا، بعد مدة، مساره وخياراته ونادوا بها وحتى انهم ناضلوا في سبيل تحقيقها.
ان شبهاً كبيراً يجمع بين لبنان الذي تسلمه الرئيس شمعون وواقعنا الراهن، سواء لجهة الفساد وانهيار المؤسسات وتمادي مشاريع خارجية خطيرة منها ربط لبنان بالصراع الايراني- الاميركي الغربي الذي يكرر مشهد الصراع الناصري- الاميركي الغربي آنذاك.
ان تجربة الرئيس شمعون ما تزال ماثلة للأذهان، وان فكر ومسار ورؤية وانجازات الرئيس شمعون كانت وستبقى المنارة لمعالجة ومواجهة التحديات الخطيرة التي هددت لبنان شعباً وارضاً ومؤسسات وما تزال تتهدده، فحبذا لو نتعظ ونقتدي بهذه المدرسة قبل فوات الأوان!