البيرتو للي - نحو دولة فدرالية و عميقة

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, February 23, 2021



ها نحن سنة ٢٠٢١ على بعد  مئة عام عن إعلان دولة لبنان الكبير دولة ال١٠٤٥٢ كم مربع. مئة عام و ما زالت هذه الدولة المركبة على مقاس من ركبها تعاني من انشقاقات وانقسامات لا تزول مع الوقت، بل تتجذر أكثر فأكثر في العقول والنفوس.
 عادة ما تبنى الدول التي تحتوي على أكثر من ثقافة أو اتنية مختلفة أو حتى متناقضة نتيجة اتفاق هذه الثقافات على استراتيجية موحدة،  يتفقون على العنوان الكبير و يختلفون أحيانا على عناوين صغيرة، أما في لبنان فقد اجتمعت فيه نصف ثقافات العالم واتفقت على أن لا تتفق.
السبب الرئيسي وراء هذا الانشطار العميق في مجتمعنا هو عدم ثقة الطوائف في بعضها البعض، أي أن هناك إرتياب وخوف دائم بأن تقوم طائفة ما بالتحكم بالسلطة وحدها وتقوم بتهميش طائفة أخرى. وهذا الفزع يجعل من كل طائفة فريسة سهلة لمطامع الدول الخارجية وهذا ما أدى إلى أن تصبح كل طائفة منتمية إنتماءً عضويا بدولة إقليمية.
حيث أن هذه الظاهرة أضحت عادة لدى اللبنانيين، أصبح إنتفاءها يعتبر ضعفا صارخا! باتت كل طائفة تتهم الأخرى بالعمالة والحق يقال جميعهم عملاء. لكل مكوّن مشروع دولة خاص به و لكل مكوّن أعدائه و أصدقائه من الدول. تبعد طريق الجديدة عن الضاحية الجنوبية بضع دقائق في السيارة، فإذا انطلقت من الاولى تسمع من يقول لك أن إيران هي العدو والمملكة السعودية هي الصديق، وحينما تصل إلى الثانية تسمع من يقول لك أن السعودية هي سبب العلل و أنها بيدق بيد الشيطان الأكبر.
لكل طائفة تاريخها الخاص وشهدائها، ولم يتفق حتى الآن على كتاب تاريخ موحد أو على مفهوم كلمة شهيد. فأصبح في لبنان كل من يموت في سبيل أو نتيجة مشروع ما يقال عنه شهيد لدى طائفته وقتيل لدى طائفة أخرى، والحق يقال لا شهيد ولا قتيل سوى لبنان الذي غرزنا في أرزته خنجرا وجعلنا منها مداسا.
في هذا الظرف العصيب وبعدما تيقن الجميع من وجوب إنشاء نظام جديد للدولة، يضمن العيش المشترك والحقوق والتساوي بين جميع المكونات، دعونا لا نضيع هذه الفرصة. فالنتجه إلى إنشاء دولة فدرالية- إتحادية، وأشدد على كلمة "إتحادية" لأن الفدرالية هي نقيض كلمة تقسيم على عكس ما يحاول بعض المشككين باتهام هذا المشروع بأنه مشروع تقسيمي. فعلى سبيل المثال: كانت الفدرالية السبب الرئيسي لحماية العديد من البلاد من الانقسام وأدت إلى جعلها دول عظيمة و قوية نذكر منها بلجيكا التي عانت خلافات شديدة بين مكوناتها (الفلامينك، الوالون، الجرمان) ولو لا الحل الفدرالي لكانت الآن منقسمة لثلاث بلدان. وكذلك العديد من الدول مثل الولايات المتحدة، ألمانيا، سويسرا، الهند، ماليزيا، جنوب أفريقيا، البرازيل وغيرها.
في ظل النظام الفدرالي، يصبح لكل مكون حيثيته الخاصة به وتمثيله بطريقة عادلة يصبح أمر حتمي، لا يمكن أن يهمش من قبل مكون آخر، و يصبح لكل "ولاية" حرية التشريع وانتخاب من يمثلها، والأمر الأكثر إيجابية هو التنافس المشروع الذي سيحصل بين "المحافظات الفدرالية"، فسوف نشهد بوقت قصير على تطور رهيب على جميع الأصعدة (الإجتماعي، الإقتصادي، العلمي، السياسي).
في الوقت الحالي نحن مجموعة أمم متحاربة، أما في ظل النظام الفدرالي نصبح أمة واحدة صاحبة تنوع جميل ونجعل من لبنان دولة عظيمة نتفاخر بها أمام العالم أجمع.
البعض يعتبر هذا الطموح خيالي لا بل يصفه بالمستحيل و بال "UTOPIA" السياسية ولكن هذا المشروع ليس نظرية فارغة إنما واقع تم تطبيقه في العديد من الدول صاحبة النفوذ القوية كما سبق وذكرنا.
ولكن لنجاحه في بلادنا علينا أن نزرع في أنفسنا حب الوطن والوطنية وأن نبدأ سويا بحياكة دولة عميقة بعيدا كل البعد عن مفهومنا الحالي لها. فاليوم لدينا في لبنان دولة عميقة تدار من قبل المصارف و السياسيين و أخرى تدار من قبل سلاح الأمر الواقع و لكل منها إستراتجيته.
فلندع مؤسسة الجيش اللبناني، وهي المؤسسة الوحيدة الحاصلة على ثقة جميع المكونات، تحديد سياسة البلاد الدفاعية و الإقليمية، و للنشئ مراكز أبحاث "Think Tanks" محترمة يشارك فيها كبار المثقفين من جميع المكونات، و تساهم بابتكار سياسات إقتصادية و إجتماعية لتخرجنا من هذا المأزق العميق الذي أوصلنا إليه نظامنا المركزي. ألم تلاحظوا بعد أن هذا النظام يخدم أعداء الوطن الذين يستفيدون من هذه الصراعات و الانقسامات، و يتغذون على دمائنا دون إطلاق رصاصة واحدة علينا؟
هناك العديد من الحلول التي تعالج النتيجة و لكن النظام الفدرالي هو الحل الوحيد الذي يعالج السبب.
قالها جبران خليل جبران يوما:"ويل لأمة مقسمة إلى أجزاء و كل جزء يحسب نفسه أمة."