د. روي حرب- زمان يا حب ...

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, January 19, 2021



تعالوا نهرب من وباء السياسة والسياسيين، من وباء الدولار والاقتصاد المنهار، من وباء كورونا وجنونها، من وباء الموت الذي يسرق أحبابنا وأحلامنا... تعالوا نهرب من واقع اليوم المرير الى زمن الفن الجميل، الى لبنان عندما كان الحلم، الى جواهر نادرة فقدناها قبل دخولنا عصفوريّة الألفيّة الثالثة.
"ع العصفورية"
في أواخر خمسينيّات القرن الماضي ثقب إطار سيارة الشاعر الغنائي عبد الجليل وهبي أمام مبنى العصفورية في الحازمية (وهو كان المستشفى الأول للأمراض العقلية في الشرق الأوسط)، وكان برفقته الملحن فيلمون وهبي الذي راح يتأمّل المكان ويردّد جملة شعريّة ملحّنة "ع العصفورية وصلني بايدو وما طل عليي"، إلى أن ناداه أحد المرضى الذي كان على حافة سور المستشفى قائلاً "يا حبوب أنا كنت متلك قبل ما فوت لهون".
وقد صارت "ع العصفورية" واحدة من أبرز أغاني الشحرورة صباح التي لا نزال نردّدها حتى يومنا هذا.

**
واليوم، مع ازدياد الهجرة بسبب الأوضاع الاقتصادية المتردية، نتّصل برفاق وأصحاب للإطمئنان عنهم فنراهم قد هاجروا هرباً من الأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية، وآخرين نخجل من السؤال عن حالهم.
"كيفك انت"
أغنية طبعت مسيرة السيدة فيروز الحديثة، وهي تحكي قصتها مع ابنهاد الموسيقار زياد الرحباني، الذي هجر لبنان سعياً خلف حبّه آنذاك (السيدة دلال كرم التي كتب ولحّن لها بعد انفصالهما أغنية "مربى الدلال")، ولم يكن أحد يعرف أين زياد. وبعدما أنجبت السيدة دلال ابنها "عاصي" عاد زياد الى بيروت فزار والدته السيدة فيروز التي بادرته بالقول "كيفك انت" وتابعت "عم بيقولو صارعندك ولاد، أنا والله كنت مفكرتك برات البلاد".
فاستعمل المبد زياد الرحباني عبارات والدته ولحّنها وألّف أغنية "كيفك انت".
تردّدت السيدة فيروز أربع سنوات قبل أن تغنيها بالشكل الذي نعرفه بسبب عبارة "ملّا انت"، إلى أن صدرت في العام 1991 وكانت أيضاً عنواناً للألبوم رغم حالة الجدل التي صحبتها فتصدرت القوائم الغنائية وحققت نجاحاً باهراً.

**
وكم من خليل وصديق وحبيب فقدناه مع اشتداد وباء كورونا فنظرنا الى السماء وقلنا "فوق إلنا خِل".

"فوق النخل"
أسطورة حب عراقية تناقلتها أصوات عديدة من العظماء، كان أولها ناظم الغزالي أواسط القرن الماضي، واشتهرت بعدها بصوت الكبير صباح فخري، وفي التفاصيل أن بيوت بغداد الشرقية القديمة كانت تتألف من طابقين حيث تستأجر كل عائلة من الطبقة الفقيرة غرفة منها. وفي أحد الليالي حين كان شاباً عائداً من عمله لفته وجه جميل يحدّق فيه من الطابق العلوي، ولأنّ الأعراف والتقاليد لم تكن تسمح بالمخالطة المباشرة أنشد لها "فوق إلنا خٍل" أي لنا حبيب في الطابق العلوي، وتداولت في الأوساط الشعبية العراقية فترة طويلة حيث دُمجت الأحرف ببعضها البعض، فوصلت إليها بالحلّة الحالية "فوق النخل".

**
ومع اقتراب المجاعة من الشعب اللبناني بعد التهديدات المتكرّرة برفع الدعم عن السلع الأساسية، في ظلّ شحّ المدخول، تخطر ببالنا أغنية "ع الروزانا" التي انتشرت في المجتمعات الشعبية في بلاد الشام مع مجاعة الحرب العالمية الأولى (1914) التي ضربت بلداناً كثيرة منها لبنان.

"ع الروزانا"
أغنية من الفلكلور اللبناني، تردّدت بأصوات عديدة لكبار الفنانين أبرزها الشحرورة صباح والسيدة فيروز وغيرهما.
وتقول الرواية أنّ ايطاليا أرسلت الى سوريا ولبنان سفينة اسمها "روزانا" محمّلة بالقمح لمساعدة الشعب على تخطّي المجاعة الكبرى، لكن عندما وصلت تبيّن أنّها محمّلة عنباً وتفاحاً، الأمر الذي أصاب اللبنانيين والسوريين بخيبة أمل كبيرة. إلا أنّ أبناء حلب هبّوا للمساعدة وقاموا بتأمين بعضاً من القمح للبنانيين، الذين لا يزالون حتى هذه الساعة يعانون الأزمات المتلاحقة رغم حبّ هذا الشعب للحياة.

على أمل ألا يخيب ظنّ هذا الشعب بالمساعدات التي تقدّم اليوم من قبل الجمعيات المحلية والأجنبية، وأن يقينا الله شرّ المجاعة والموت بسبب إهمال الطبقة الحاكمة.

#خدوني_ع_قد_عقلاتي
دكتور روي ج. حرب