ضجيج إعلامي، تهديد كلامي، استعراض لا شعبي كانوا عنوان السنوية الأولى لمقتل قائد فيلق القدس قاسم سليماني الذي تحّول إلى جثة هامدة بداية العام 2020 وإلى صور ومجسمات وتماثيل بداية عام 2021. فاغتيال سليماني والردّ الفارغ على مقتله يشكّل المثال الأخير ـ لا الوحيد ـ على قدرات النظام الإيراني مقارنة بالدول الكبرى حيث تمكنت الولايات المتحدة مجددا من فضح الادعاءات الإيرانية و"الاستكبار" الهش في طهران خلال عملية مبكّلة محت فيها واشنطن من تسمّيه طهران بـ"الرجل الأسطورة" أو "الرجل الحلم" بكبسة زر عبر طائرة أميركية بدون طيّار. قاسم سليماني الذي تحّدى حظر السفر متنقلا عبر الحدود العراقية - الإيرانية والعراقية - السورية والسورية – اللبنانية ليظهر حيناً في بغداد وأحياناً في دمشق وتارةً في بيروت، عاد إلى إيران جثة لم يسلم منها إلا خاتماً فضياً يتوّسطه حجر أسود في البنصر. وبعد ساعات، وفي لحظة من التخبّط أمام الحاصل، انكشف النظام الإيراني مجددا عندما أطلق الرصاص على رجله فأسقط طائرة مدنية فوق أجوائه لينفضح "عسكريا". أما أمنيا، فاغتيال محسن فخري زاده يبقى حدثاً "طازجا" يترافق مع جواب منتهي الصلاحية. وانطلاقا من هذه الأمثلة الملموسة فلنعد مع هذا النظام إلى مراهناته الخائبة على مدار عقود وفشله التطبيقي وضجيجه الإعلامي الذي فضحه ما يسمى بـ"عام الفشل". بدأت سياسة الانتصارات الوهمية التي يعتمدها النظام في طهران مع تجرّع الخميني سَّـم اتفاقية وقف الحرب إثر الهزيمة التي لحقت بإيران في حربها ضد العراق ولم تقف هناك بل تكرست تباعاً لتصبح عنواناً على خاصرة نظام إيران على جميع الأصعدة. على الصعيد الدولي، جنت إيران خيبات خرقها لبنود الاتفاقية النووية إثر محاولاتها الدؤوبة للتحايل على وكالة الطاقة الذرية ودول الخمسة زائد واحد. فحصدت العقوبات الأميركية التي هددها بها باراك أوباما، إلا أنه قدم لها الجزرة بدلا منها. أما خلفه، دونالد ترمب المنتفض على سياسة سلفه "الاسترضائية " فمارس طيلة ولايته المنقضية عصا "العقوبات الشاملة". لكن من المتوقع بعد أن حسمت نتائج الانتخابات الأميركية أن يمارس جو بايدن ما يسميه بـ"العقوبات الذكية" ليستفيد من وضع أقوى من أوضاع أوباما وترمب حيث أنّ نظام الملالي في إيران أصبح أضعف مما كان عليه قبل سنوات. وإلى جانب الموقف الأميركي المتصلب، لا تجاري كل من روسيا والصين إيران في خروقاتها للاتفاق النووي لا سيما في مجال زيادة التخصيب والاحتفاظ بمخزون مرتفع من اليورانيوم، وسعيها لتطوير منظومة الصواريخ البالستية. كما روسيا - التي تعتبر دول آسيا الوسطى ودول القوقاز مجالا لنفوذها الاستراتيجي فتخشى تطوير الصواريخ الايرانية - كذلك أوروبا تعارض بشدة تطوير إيران لمشروع الصواريخ البالستية الهادف لوصول مداها إلى ما فوق 2000 كلم وتعريض أراضيها وشعوبها لهذا الخطر، لا سيما بعد إفصاح عدة مواقف ايرانية عن معادلة "ينتهي نفوذنا حيث يصل مدى صواريخنا ". هو الأمر الذي بات يهدد أمن واستقرار أوروبا كما أمن واستقرار الشرق الاوسط. هذا ما دفع وزير الخارجية الألماني هايكو ماس لإعرابه صراحة أن "ما نريده من إيران واضح، وعلى إيران ألا تمتلك السلاح النووي أو برامج صواريخ بالستية تهدد بها المنطقة برمتها". يتجلى الفشل الايراني بعدم استطاعة طهران جذب الموقف الاوروبي بعيدا عن الموقف الأميركي. لم تقو على تعديل نظام "إنستكس" الأوروبي للتعاملات النقدية، ولم تحصل على تأمين الغذاء والدواء، لا بل ألزمت أوروبا الموحدة نظام طهران على استقبال مفتشي وكالة الطاقة الذرية والكشف عن مواقع نووية خفية وإرفاقها بتقارير بما لا تشتهيه إيران. وإلى جانب ذلك، أدرجت بعض الدول الأوروبية الحرس الثوري وأذرعه في المنطقة على لوائح الإرهاب الدولي. لا ينفع إيران التبجح الاعلامي بالكشف عن خندق تحت الارض يحتوي على صواريخ، فهذا النفق بما يتضمنه كان النظام قد استعرضه سابقا عدة مرات مغيراً "الديكور العسكري" في كل مرة يقرر استخدام هذه البنية لأهداف إعلامية ليس إلا. عساها ترد بشكل "تهويلي" على تحليق أسراب من القاذفات الأميركية،لكنّ العالم شاهد على فشل تجارب الصواريخ الايرانية (العنقاء - سيمرغ) وإخفاقها إما على المنصة أو بعد انطلاقها بلحظات أو للصدفة المتكررة "بانفجارها الدائم قبل وصولها بثلاثين ثانية"، إضافة إلى فشل إيران بوضع قمرها الاصطناعي " ظفر " في مدار حول الارض. أيضا، لا يفيد إيران مراهنتها على استفسارات نانسي بيلوسي من رئيس أركان الجيوش الاميركية الذي اكد ضمانات استعمال السلاح النووي، فأثناء محادثته لها كان يوجه قاذفات ب 52 لتخرق عنان فضاء الشرق الاوسط بقرار سياسي وعسكري واضح المعالم، مفاده أن الشعب الأميركي - المنقسم عاموديا حول قضاياه الداخلية - مجمع على أن لا يسمح مرة جديدة برؤية مشهد جنوده على متن بوارج إيرانية في الخليج وهم يضعون أياديهم فوق رؤوسهم تحت بنادق وأمرة الحرس الثوري الايراني. ينسحب هذا المأزق على عجز الميليشيات الإيرانية في العراق ولبنان بالانتقام لتصفية كل من قاسم سليماني ومحسن فخري زادة وأبو مهدي المهندس وعماد مغنية ومصطفى بدر الدين وحسان اللقيس وسمير قنطار وغيرهم. تعجز إيران عن استمرار تحمل كامل أعباء أذرعها في المنطقة، فبعد أن دبّت "زينبيو – باكستان" في أتون الحرب السورية وتهريبهم إلى أوروبا، ها هي تفاوض أفغانستان على دمج " فاطميون " في أجهزة الشرطة والجيش. وتسعى أن يتدبر الحوثيون أمورهم المالية من جني الضرائب الداخلية والسيطرة على المصرف المركزي وموارد الدولة ومرافقها العامة. ليتحمل حزب الله في لبنان نتائج بدء انهيار نظامه المصرفي الموازي "القرض الحسن " وما كان قد أسسه منذ حوالي 36 سنة من بناء مالي مواز للنظام المصرفي في لبنان. ينسحب الفشل الايراني في سوريا أيضا عندما يتبين عجزها تكريس الانتصارات الميدانية العسكرية وتحويلها الى انتصار سياسي لإيران او حتى لروسيا، وعدم النجاح في إعادة بسط نفوذ وسلطة النظام على جمبع الأراضي السورية، والعجز في إعادة اللاجئين بشروط النظام، وعدم القدرة على إعادة بناء سوريا وتمتين الاقتصاد السوري في ظل وجود قانون قيصر. هذا إضافة، عن فشل الجهود الإيرانية المضنية لفتح جبهة الجولان وتحويلها منصة لإطلاق الصواريخ، وما القصف الجوي الإسرائيلي الأسبوعي والعمليات الخاصة خلف الخطوط إلا دليل واضح عن العجز الإيراني المتمادي. هذا وقد كشفت تطورات معارك ناغورني كرباخ عجز إيران عن التأثير في منطقة القوقاز الواقعة على حدودها الشمالية، وتخليها عن هذه الساحة الإقليمية لكل من روسيا وتركيا بالرغم من تأثير مجراها على الداخل الايراني. فخوف إيران التاريخي من المكونات القومية الداخلية ألزمها الخيار ما بين شعور القومية الأذرية التي تشكل أكثر من 20 % من سكان إيران أو التنازل عن بعض مصالحها لتركيا ولروسيا، فاختارت بالعلن الاعتراض على مقطع من الشعر ردده أردوغان بينما حقيقة اعتذر وزير خارجيتها محمد جواد ظريف عن قصر فهم معاني القصيدة المتعلقة بنهر آراس الذي يفصل شمالا إيران عن أذربيجيان. لتكمل إيران تخوفها من الشعور القومي البلوشستاني والطاجيكي والعربي في منطقة الأهواز، فازداد قمعها لهذه الأقليات، وتوسعت بالاعتقالات والاغتيالات والإعدامات كما فعلت مع المعارض نافيد أفكاري وخطفها وإعدامها للناشط والاعلامي روح الله زام. وقد وصفت منظمة العفو الدولية إيران بانها ثاني دولة بعد الصين في العالم بالإعدامات، ليؤلف الكاتب وعالم الاجتماع الإيراني بهرور قمري كتابه "قافلة الإعدام" عن سمات هذا النظام الاستبدادي الـذي وعـد غـداة الـثـورة بإقـفال سـجـن " إيـفـيـن " للمعتقلين السياسيين، فما كان مع السنوات الا انتشار السجون المخصصة للمعتقلين السياسيين في كل مدينة إيرانية .
سوّقت إيران فكرة التوجه شرقا وطلبت من حزب الله في لبنان قيادة الدفة نحو الصين، غير أنها عجزت عن إقناع بكين لتوقيع الاتفاق الاستراتيجي. وكذلك تمنعت كوريا الجنوبية عن تسديد 7 مليارات دولار مما اضطر ايران اللجوء الى " قرصنة " الناقلة الكورية " متبعة أسلوب كوريا الشمالية بابتزاز سيول كلما احتاجت للمال. نضوب المال لدى إيران انعكس على ضعف أداء أذرعها في المنطقة ونشوب خلافات عميقة بين فصائل حلفائها لا سيما في العراق. لكن أكثر ما انعكس على الداخل هو فشل طهران تأمين جرعات من اللقاح المضاد لوباء الكورونا. لدرجة أن طهران تمنت على واشنطن الإفراج أقله عن 100 مليون دولار بحجة شراء اللقاح فوافقت واشنطن شرط أن يتم الشراء من خلال النظام المصرفي الأميركي للتأكد من صحة تخصيص المال لشراء اللقاح، فامتنعت ايران لرغبتها بتخصيص المبلغ لأغراض مغايرة. فبقي الشعب الايراني من دون لقاح تحت رحمة التعويذات الشعبية، وبيع التميمات الماورائية من حفنة تراب أو دهن الزيوت أو الخشوع ولمس رداء ما. طيلة حكمه لا سيما في السنة الاخيرة فشل حكم الملالي في معالجة مشاكل إيران الاقتصادية والمالية والاجتماعية، فتراجعت الصادرات وتقلصت الواردات وازداد التهريب حتى أن روحاني أعلن بأن اموال التهريب في العام الفائت بلغت 25 مليار دولار. ليتم اتهام التجار بعدم إعادة الاموال من الخارج مقابل السلع التي تم تصديرها، لكن حقيقة الأمر انه لا تتوفر الثقة لدى الإيراني بنظام حكمه. فالشعب على معرفة تامة بعجز النظام وعدم قدرته على حل المشاكل التي تسبب بها: فصانع الأزمات لا يمكنه أن يكون جزءا من الحل . يطلع الشعب الإيراني يوميا على أنباء الحقائب المليئة بالدولارات المرسلة إلى ميليشيات إيران بالمنطقة، ويرى بأم العين وهو يجتاز المدن كيف يتم النزاع فيما بين الحرس الثوري ومجالس البلديات على تسميات الشوارع والازقة بأسماء "المجاهدين" ومنع تسميتها بأسماء كبار البلد من المثقفين والشعراء والفنانين.
ولعل مرور عام على جريمة إسقاط الطائرة الأوكرانية يفضح تعاطي الطغمة الحاكمة مع القضاء حيث فشلت هذه الطغمة في بناء سلطة قضائية مستقلة. وبعد عام لا يزال النظام يصر على أن إسقاط الطائرة عمل شخصي ومسؤولية فردية، ويعتقل فردا واحدا لا غير تتمم محاكمته أمام محكمة جنح عسكرية لا أمام محكمة جنايات رغم مقتل 176 مسافرا. هذه الوقائع دلالة واضحة على عدم استقلالية القضاء. من هنا نرى فضائح الفساد الناخرة للجسم القضائي والتي أدت فيما تؤدي إلى قتل القاضي غلام رضا منصوري في رومانيا والزعم بانتحاره. ولم يقتصر فشل طهران وعجزها على وقف الانفجارات والحرائق التي عمت المدن الإيرانية وطالت المنشآت النووية ومراكز الأبحاث والمخازن ومحطات القطارات وسكك الحديد والمرافئ، بل كان أبرزها عدم القدرة على حماية قادتها وعلمائها، وعجزها عن اكتشاف الخروقات الأمنية ومنعها من القيام بالاغتيالات والتحرك بحرية. وكما يقال: "أسمع كلامك أصدق، أرى أفعالك أستعجب"! ها هي إيران متحطمة عند دوس الحرس الثوري وحكم الخامنئي! إنها سياسة التهويل للتغطية على فشل التنفيذ.