شوقي أبي شقرا- "الرابع من آب 2020" للشاعر عقل العويط
شارك هذا الخبر
Monday, January 11, 2021
"الرابع من آب 2020" للشاعر عقل العويط سوف ترتدي به ثوباً يحقّ أن تقف به على المسرح شوقي أبي شقرا
رسالة إلى عقل، ها أنا أكتب، قبل إليك، وقبل أنك تدور وتفتش وتحرق ذبالة قنديلك لترى أين بيروت العزيزة والتي تبين لك انها غير محروسة بحسب لقبها السابق، عندما هي تلك العروس وتلك الجذابة وتلك الحسناء. وأضيف هنا انها ما زالت إياها ولو تناثرت شظاياها على الطريق وعلى الشوارع وعلى البيوت وعلى الجوانب والمفاصل والشرايين وعلى القوم أجمعين. وهم قوم العاصمة حيث أنت، ونحن معك نشارك في وليمتك ذات الرحمة التي تلي المصيبة والتي برغم المرارة والتاريخ الطاغي، هي لا شك ولا بد من انها إلى جبروت القيامة وإلى خيلاء النهوض وإلى جمالات الصحو وأباريق المودّة والحرارة المتدفّقة من القلوب ومن الشرايين. كما اراك تعي اللعنة القائمة والتي تسير بنا الى هول "كورونا"، إلى هذه الجرثومة حيث نحن نغرق ونغرق في التلابيب وفي هذه العليقة. وفي أسماء لها وفي دواء مضاد وفي التنين الذي كأنه يعود ليعوي عبرها، ليقول لنا أنا الموت ما لم نكن نحن أيضاً ذوي اقتدار وذوي منعة وذوي تجربة. بل نحن والتجارب أصدقاء وعلى علاقة طيبة المنشأ والمقدمة والنهاية، ولا أيضاً ثمة نهاية بل كأننا مسرحيات في هذا التاريخ الحاضر والذي يمشي علينا وعلى أجسادنا، قبل أن تكون ثمة خلاصة وثمة ضوء.
وكأنك أنا أراك وأنت تراني. وكلانا أمام المعضلة وأمام الفراغ، وحتى الديك كأنه لا يصيح متى القيامة متى الوعد متى نذهب إلى النور ونذهب معاً نحن والجمهور الحائر نحن والحيرة والمعضلة العروس السوداء إلى حيث الخلاصة وحيث تتمّة البصارة الفنجان، وحيث انت ونحن والآخرون بأيدي الخرافة وقناديل الساعة المتأخرة وكأنها الأخيرة، نروح ونروح ونذبل ونذبل كما تفعل الشمعة وكما تفعل الأمهات وتفعل الممثلات ويفعل الممثلون. وكل هؤلاء على المسرح، على الخشبة حيث الظنون أقوى من أي مؤلف، ومن أي مترجم، وأي لغة. ولا شك أننا هنا أيضاً نحن على الحافة، على المهوار، ما عدا أننا، كل مرة، وكل مصير يتغيّر مثلما يقوم الخريف، ومثلما تتناثر الآمال والورقات ولا يلبث على الموعد، على قطار النجاة سوى الشحوب والعيون المنفتحة على طيور الدهشة، وعلى أشباح هنا وهناك، ونحن في اطراد المأساة وفي مدار التساؤلات وأنين السائق وابن الملاك الذي يقهر الشر ويجعل الضوء هو القائد.
* * *
وها أنا أكتب إليك لأصغي إلى معزوفتك عن بيروت، إلى كتابك الملهم في هذه الناحية والذي جاءني وجاءنا ونحن في مرارة الوداع لأختين راهبتين كلتاهما، من القافلة المقدّسة ومن السائرتين على درب الألوهة وعلى درب الأعمال والحسنات والفضائل، تضيفان هالة مديدة من الرضى الكهنوتي ومن الاندفاع الكياني والممتلئ بالخشوع دائماً وبالرضى الإيماني وبذلك المدى الداخلي، في مغاور النفس المقدّسة، وفي كروم الصلاة والغفران وفي ميدان المساعدة والتضحية حيث الرب يناديك ويساعد على تمام المشروع، أي مشروع للتضحية على مذبح الشفاء ومديح الرضى أمام النفس وأمام سبحانه.
* * *
وأراك يا عقل في كتابك هذا "الرابع من آب 2020" (دار "شرق الكتاب"، بيروت)، كأنك تغيّرت صوب المدى الأحسن، وصوب نفسك التي تلبث إياها، وصوب النقاء والعري الناعم الدهشة وذي اللون الخافت والحلو القامة والمنشأ، والجديد عندك في عمرك هذا وأنت تندفع إلى أمام الحياة وإلى المرضاة الجوانيـة وإلى الحصاد ممّا توافر للذات، لذاتك التي تقتحم الأيّام الحقبة تلو الحقبة، لتصل إلى ذلك العري الناعم والدقيق السمات والذي يجعلك في مقام التجاوب وفي أنك تجعل القارئ يأتي الى مجالك الرحب هذا وإلى الصحو عندك في مآلك الذاتي وفي مسيرتك مع الحرف ومع اللغة ومع البيان الناصع وذلك العري الدقيق الذي يقول لمن يقرأك ويراك هكذا ما أحلاك يا عقل يا سيدي يا سيد الحرف واللغة العربية.
ولا أنتهي هنا، بل أضيف أنك في هذه المطبوعة الدقيقة والمهذبة الشكل، تكمل اندفاعك الدائم وصراخك وعويلك وقلقك وروح شعلتك ونارك الدائمة الوضوح والإقامة على أي مرتفع وأي تلّة. ولا بأس أيضاً أن تكون من الثروة الذاتية في قلبك وفي قامتك جمعاء. وفي أنّك بهذه اللغة في كتابك الجديد هذا، إذ تواصل به، مرحلتك الأولى والثانية والثالثة، وإلى ما شاء الإبداع، كما ستجد غيره قارئاً سيكون تحت تأثيرك هذا، وتحت مخيلتك التي لا تهدأ منذ عرفتك، منذ تلك الحقبة الماضية، إلى متّسع الحقبة الحاضرة. وسيكون كتابك في هذه الأثناء مضافاً إلى ما سبق لك من عطاء ومن ألوان، ومن لغة. وسوف ترتدي به ثوباً يحقّ أن تقف به على المسرح القائم عندنا وفي سواه، وتزيد الرحيق ولا حاجة إلى الطلب وتقديم الكأس، بل هناك سكارى سيكونون بين الجمهور القارئ وبين القوم الذين يجتهدون ويتطلّبون الأكثر.