خاص ــ هذا ما تحقّقه استقالة عون من نتائج ايجابية...! سيمون أبو فاضل

  • شارك هذا الخبر
Wednesday, December 23, 2020

خاص ــ سيمون أبو فاضل

الكلمة اونلاين

شهدت الحياة السياسة مؤخراً مطالبة رئيس الجمهورية ميشال عون بالاستقالة من منصبه، حيث أعلنها بشكل واضح ومكرر كل من رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط، والمنسق سابقا في قوى 14 آذار فارس سعيد، وكذلك رئيس تيار المردة سليمان فرنجية وفق قاعدة انه البديل المؤكد، لأن النائب جبران باسيل احترق" بعد العقوبات عليه، اضافة الى إطلاقه مواقف واتهامات سلبية تجاه كل من الدكتور سمير جعجع والعماد جوزف عون بهدف حرقهما أيضا، وتبعها مواقف خجولة في هذا الإطار لكنها لا تقارب الجدية، فيما موقف جعجع من الاستقالة لا يوازي ما رتبه هذا الترشيح من ضرر، وهو القائل في مقابلة مع الإعلامي مارسيل غانم، اننا "اتينا بعون لنأتي به الى نصف الطريق فأخذ لبنان الى إيران"، اي ان القوات اللبنانية كحالة سيادية مفترض ان يأتي موقفها متلازما مع نضالها وتاريخها.

عملياً، مطالبة جنبلاط وسعيد لعون بالإستقالة ليست منسقة في ما بينهما وهما اللذان ترافقا في محطات مفصلية، حيث حضرا في سيارة واحدة إلى دارة السيدة ستريدا جعجع في يسوع الملك للتوقيع على طلب العفو عن الدكتور سمير جعجع المعتقل سياسيا من قبل الإحتلال السوري ومتفرعاته الأمنية في لبنان، واستكمل حينها سعيد مبادرته تجاه الرئيس الراحل عمر كرامي في طرابلس.

كما أنهما ترافقا في حمل نعش الرئيس الشهيد رفيق الحريري بعد اغتياله في 14 شباط ، مع اطلاق كل من تيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي وقرنة شهوان شرارة "ثورة الأرز" التي أخرجت الاحتلال السوري من لبنان قبل أن تباشر قواها بتقويضها، اثر بداية انفصال جنبلاط عنها بعيد احداث ٧ ايار، وتبع هذه الخطوة تفكك قوى 14 آذار وتقديم مصالحها الخاصة على أكثر من صعيد على حساب قضية شعب ووطن.

لا ينطلق جنبلاط في مطالبة عون بالإستقالة، من قاعدة "العقدة الجنبلاطية" التي ترفض التعايش مع رئيس قوي، كما كان يحصل مع والده الراحل كمال جنبلاط، في تلك الحقبة التي شهدت رؤساء أقوياء سيما ان جنبلاط الراحل كان يعاني من ظلامة النظام اللبناني الذي لا يوصل مقتدرين سياسيا وفكريا، أسوة به، الى رئاسة الجمهورية.
فلا ينطلق جنبلاط اليوم من رفضه ميشال عون لأنه رئيس قوي، على غرار كميل شمعون وفؤاد شهاب، بقدر ما يرفضه كعهد فاشل وحاقد، على ما تدل ممارساته وتيار الوطني الحر، حيال مصالحة الجبل والتعايش بين ابناء تلك المنطقة التي شهدت مراحل صعبة، وكذلك في تعاطي عون وباسيل مع كافة القوى السياسية، لا سيما التي أوصلته الى رئاسة الجمهورية، على غرار تيار المستقبل والقوات اللبنانية.

إن التردي الاقتصادي والمعيشي الذي أوصل جنبلاط إلى حدّ مبادرة قوى سياسية، على غرار الحزب التقدمي الإشتراكي ومؤسسات عدة، للإندفاع في تقديم معونات إجتماعية، هو أمر لم يشهده لبنان منذ الحرب العالمية الأولى، أي أن التهالك الذي أصاب الشعب نتيجه العهد وخياراته وممارساته أوصل البلاد إلى الحضيض ورفع من نسبة الهجرة، سيما أن المزاج الجنبلاطي الذي يتعايش بصعوبة مع أركان السلطة يتمسك دائما بالاستقرار الامني والاقتصادي مما لذلك من اعتبارات لها صلة بخصوصية مجتمعه وتموضعه في منظومة التركيبة اللبنانية المعقدة.
وفي ما خص مطالبة سعيد لعون بالاستقالة ، فهي أيضا لا تنطلق من موقف شخصي بقدر ما هي قد تشكل انفراجا للبلاد وانتقالها إلى مرحلة أفضل، إذ إن تحالف عون وحزب الله، وتغطيته من موقعه في رئاسة الجمهورية، وضع البلاد بنوع عام والمسيحيين بنوع خاص، في عزلة عن دول الخليج العربي وكذلك الغرب، بما هدد مصالح لبنان والمسيحيين.
إذ من غير الطبيعي، في منطق الغرب، أن يكون رئيس الجمهورية الماروني متماهياً مع حزب الله في ظل العقوبات الدولية عليه والرفض العربي لأدائه، والإندفاع نحو النظام السوري في ظل العزلة الدولية التي تحيط به.

أي ان رئيس الجمهورية كان رأس حربة لمحور الممانعة ضد هذا المجتمع العربي والدولي، في حين أن بعض أقطاب الممانعة اللبنانية على صلة جيدة مع الغرب والمجتمع العربي، وفي مقدمهم الرئيس نبيه بري الذي بادر نحو ترسيم الحدود بوتيرة وتوقيت وحقوق متمايزة عن سقف حزب الله، لا بل يعتبر أن التواصل الأميركي معه مدخلاً للتحاور حول المستقبل، فيما عون وصهره المعاقب أميركيا بالفساد، اندفعا لمخاصمة المجتمع الدولي، وارضاء حزب الله طمعاً في تأمين إنتخاب باسيل خلفا لعون في بعبدا.
فلم تشهد الدول العربية يوما رئيسا للجمهورية اللبنانية يغيب عن الوقوف إلى جانبها في ما يصيبها من انتهاك لسيادتها وتعرض مسيء لقياداتها من قبل محور الممانعة من داخل لبنان، في ظل صمت مدوي، وهي التي تستضيف ما يقارب نصف مليون لبناني يعمل على أراضيها، موزعين على دول عدة، وفي طليعتهما المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة.
أما تجاه الغرب، فإن عون وباسيل ذهبا بعيدا في مواجهته، لصالح حسابات رئاسية مرتبطة بباسيل، ومارسا التذاكي على واشنطن كما دلت تصريحات السفيرة الاميركية في لبنان دوروثي شيا، بعد عقوبات ماغنتسكي على باسيل، ومحاولته تبيان ذاته مظلوماً.

إضافة إلى أن عون - باسيل، اندفعا في تلبية مطالب حزب الله وترجمة سياسته في مقابل اتساع المحور الأوروبي الذي يتهم الحزب بالإرهاب، بحيث لم يكن لهذا الثنائي أي تقدير لتأثير المجتمع الدولي ومفاعيله على لبنان واقتصاده، وكل ذلك لحسابات رئاسية أضرت لبنان وبالمسيحيين.

لذلك لم تعد المطالبة باستقالة عون تشكل انكسارا مسيحياً بل هي انفراج، في ضوء ما اصاب هذه الشريحة من جراح وأضرار في هذا العهد هي تكملة لرهانات ومغامرات دموية انطلقت من ثلاثة عقود، بدأ منفذها تدمير المسيحيين على اكثر من صعيد، وبات الكلام الكنسي الرافض لاستقالة عون بمثابة الموافقة على استمرار النزيف المسيحي لأن ما رتبه هذا العهد على لبنان والمسيحيين من تقويض للسيادة وانحلال للمؤسسات لم يسبق أن شهدته البلاد حتى في أعتى الحروب و مرحلة الفراغ الرئاسي.

ولذلك، فإن استقالة عون ضرورية لانتخاب رئيس قادر على أن يكون صلة وصل للبنان مع الخارج وفق معايير المجتمعين العربي والدولي، بما يؤدي الى انتعاش الوضع الاقتصادي وتخفيف آلالم اللبنانيين على اكثر من صعيد...

يكفي المسيحيين شعارات وهمية، من خلال التسويق بأن الرئيس القوي يريد حقائب محددة، كالداخلية والدفاع والعدل من اجل حقوقهم، في حين يقدمون كل فترة قرابين، وآخرهم الضحية جوزف بجاني، فالجريمة تنامت في هذا العهد الذي لم يستهدف سوى المسيحين في الإدارة، وما يريده من حقائب هو فقط من اجل تطبيق نظام قمعي - امني في الانتخابات النيابية المقبلة، لتحسين عدد نواب "لبنان القوي" وليس اكثر... لذلك الاستقالة هي الإنقاذ للبنان...


Alkalima Online