خاص ــ عندما يقضي المؤتمر التأسيسي على المسيحيين تحت أنظار قياداتهم... ويخترق الحزب الإدارة الفرنسية ...؟ سيمون ابو فاضل

  • شارك هذا الخبر
Monday, December 21, 2020


 


خاص


 


 شكلت  كل من حرب التحرير والإلغاء مناسبة للفريق الإسلامي، يومها، للاستفادة من مناخ دولي – عربي، من أجل نقل لبنان من الجمهورية الأولى الى الجمهورية الثانية عبر اتفاق الطائف الذي ارسى دستورا جديدا للبلاد، على انقاض  مشهد مسيحي مفتت ومنهك كواقعنا الحالي، وذلك تحت عنوان انهاء الحرب بقرار دولي، و التي كان صدر خلالها الكثير من المطالب الإسلامية الرافضة للتفرد الماروني في حكم البلاد وفق آلية دستور الجمهورية الأولى... ورافقها جولات حوارية عدة بين القوى المتحاربة داخل لبنان وخارجه، دون الوصول الى تفاهم حينها... الى ان كانت مراهنات العماد ميشال عون محطات لقنص هذه الفرصة... وانتهى زمن المارونية السياسية... التي نامت على ضمانة المناصفة...


وخلال مرحلة السنية السياسية التي بدأ انحسارها  مع استشهاد الرئيس رفيق  الحريري العام 2005، وما تبعه من سلسلة اغتيالات لضرب فريق 14 اذار، حصلت أحداث 7 ايار من العام 2008 بعدما سبقتها تطورات امنية تمهيدية عدة، فأوصلت لبنان برعاية دولية وعربية الى  تسوية الدوحة وبداية فرض الشيعية السياسية والعسكرية لذاتها على تركيب الحكومات، من زاوية الثلث المعطل ومن ثم الإمساك بالقرار اللبناني كاملا بعد اسقاط الرئيس سعد الحريري من دارة العماد ميشال عون من الرابية... وباتت حاليا هذه الثنائية مرجعية السلم والحرب وترسيم الحدود أيضا..


 


ويأتي كلام عدد من الاعضاء الأمنيين في المجلس الأعلى للدفاع، من باب التحليل والمعطيات،عن احتمال حصول احداث امنية واغتيالات، بالتزامن مع كلام عن خروقات اسرائيلية على الساحة اللبنانية استغربتها و نفتها جهات امنية، بمثابة التحضير او تهيئة الظروف لحدث او تطور امني من شأن مفاعيله ان تنقل البلاد التي تعيش اكثر من ازمة نحو نظام المثالثة من خلال انعقاد المؤتمر التأسيسي على وقع هذه التطورات، على غرار ما حصل قبيل اتفاق الطائف وتسوية الدوحة، سيما ان محسوبين على حزب الله  من المسيحيين باشروا اطلاق كلام تسهيلي وتمهيدي، عن ضرورة مقاربته لأنه يطرح كيفية تنظيم ادارة الحكم ولا يهدف لتحقيق مكاسب من خلال تعديلات دستورية لصالح الطائفة الشيعية، وذلك على وقع توازن سياسي واضح وعامل ديموغرافي ظاهر...


 


فقد نجح حزب الله في اختراق الإدارة الفرنسية قبيل لقاءات سال سان كلو، وتظهيرذاته انه حزب غير منخرط بالفساد ومنصرف لمقاومة اسرائيل وهو خارج التجاذبات الداخلية، وأن جوهر الأزمة اللبنانية يكمن في الصراع على الصلاحيات وتفسير الدستور بين الجانبين السني والمسيحي، وما كان يرافق تشكيل الحكومات، من عرقلة على سبيل المثال، هو القرينة الواضحة،  اضافة الى رفض رئيس الجمهورية ميشال عون لاتفاق الطائف ومناداته دائما باستعادة صلاحيات الرئاسة حتى  قبيل انتخابه، هو الدليل الأساسي ...


 


ولذلك المطلوب مؤتمر تأسيسي، وفق منطق حزب الله، لمعالجة هذه  الإشكالية، بحيث يكون عندها الفريق الوحيد القادر على التفاوض بقوة لإدخال تعديلات تعزز دور الطائفة الشيعية في هيكلية الحكم وشرعنة السلاح، في ظل رهان على ميزان قوى لصالحه، مقابل طائفة سنية مرهقة وضعيفة ويتيمة عربيا...  وطائفة مارونية مفسخة، فالفريق المحسوب على الحزب سيوافق حكما، طمعا في تحقيق رهاناته وطموحاته الرئاسية، فيما الفريق المسيحي المقابل له لا يرغب في مواجهة الحزب ولم يظهر بعد مندفعا في الحفاظ على اتفاق الطائف، كما لن يشكل اعتراض الطائفة الدرزية عائقا...


 


في المقابل، لا يزال الرئيس الفرنسي  ايمانويل ماكرون متمسكا بطرحه للمؤتمر التأسيسي، وهو كان ادرجه بندا ثالثا في لائحة الاهتمام الفرنسي الذي وضع تشكيل الحكومة بندا أولاً، ومؤتمر الحوار لمناقشة سلاح حزب الله بنداً ثانياً، فالكلام الفرنسي عن هذا المؤتمر لا يؤشر الى تراجع عن هذا الاهتمام المفخخ الذي تسعى من خلاله باريس للعب دور يتوزع بين "السذاجة السياسية" او "الصفقة متعددة المكاسب"، على حساب طوائف، وبينهم المسيحيين الذين يفتقدون لقيادات ذوي تطلعات مدركة لما يهدد لبنان ومواطنيه نتيجة مواقفهم، حسب النظرات الدبلوماسية العربية والغربية تجاههم... وكذلك نتائج اعمالهم مقارنة مع ما يحققه قادة الطوائف الأخرى من مكاسب على حساب المسيحيين في اكثر من حقل اداري، اضافة الى بداية انهيار الاستثمارات التي طالما كانت على عاتق المسيحيين وسبب استمراريتهم...


 


حتى حينه، بدا البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي مستدركا لهذا الفخ وواعيا لمخاطر المؤتمر التأسيسي كمدخل للمثالثة، وهو كشف لأحد زواره عما اقدم عليه من خطوات احترازية تجاه المجتمع الدولي وفق التالي:


 


- ابلغ البطريرك الراعي الرئيس ماكرون مباشرة عن رفضه لأي صيغة مثالثة، حيث اطلعه على رسالة مباشرة من 8 بنود ناقش معه اكثرية نقاطها، وأن بكركي لا تستطيع ان تقبل بهذا النظام الجديد وستواجهه بحدة وترفضه  بشكل قاطع...


 


- ابلغ البطريرك الراعي الموفدين الأميركيين الذين زاروا لبنان مؤخرا عن رفضه المثالثة، وهم بدورهم ابلغوا ادارتهم التي اوصلت لرئيس الكنيسة المارونية تأكيدا على  تمسكها باتفاق الطائف وعدم المس به...


 


- تبلغت  موسكو هذا الهاجس المسيحي الذي تعي أبعاده وكانت حريصة على دعم المسيحيين كافة في لبنان، وعدم زيادة قلقهم من خلال اي خطوات ومبادرات جديدة تضع مستقبلهم على المحك...


 


- اكد الفاتيكان للبطريرك الراعي حمايته لاتفاق الطاىف والمناصفة، مؤكدا على استنفار اتصالاته وعلاقاته للحفاظ عليه...


 


لكن المطلوب، وفق المراقبين، ان تنظم القوى الحريصة على الطائف ذاتها، تحسبا لتلاقي الأحداث الأمنية مع تنامي الازمة السياسية - الاقتصادية لدخول نفق المؤتمر التأسيسي  وفق خطّي دفاع وهما:


 


الأول-  يهدف الى تحسين القوى المؤيدة للطائف علاقاتها فيما بينها وتحصينها وتوحيد موقفها بتأكيدها عليه ورفضها المس به، وعدم فتح باب التعديلات الدستورية في ظل وجود سلاح حزب الله الذي يفرض ذاته على الحياة السياسية... فعليها الخروج من الواقع الانهزامي امام حزب الله الذي يتمكن من قضم حضورها ودورها السياسي يوما بعد يوم، وقد عطل وشل قرارها السياسي بحيث تخلت هذه القوى عن مسؤوليتها السيادية ووسعت الخلافات فيما بينها وهي في الوقت ذاته تكابر على جمهورها بأنها غير تسووية في ادائها ومواقفها... اذ بات حزب الله يضع سقفا لها لا تتجرأ على خرقه، وهي تراهن خطأ على تقلص قدراته يوما او انها تنصاع له، لكنها ستصحو يوماً ما فاقدة كل ما لديها وقد قضت على الطائف و جمهورها... لأن مناوراتها بهدف البقاء على ما تبقى بمثابة لحس المبرد...


 


الثاني- تتطلب المخاطر المحدقة بالمسيحيين من  الأحزاب  المسيحية الأربعة الذين توافقوا على اختيار رئيس للجمهورية من صفوفهم، ان يعمدوا للحفاظ على الحضور المسيحي، برفضهم حاليا أي مؤتمر تأسيسي والتهيئة له تحت أي عنوان، فإن حلفاء حزب الله كالتيار الوطني الحر والمردة لا يستطيعان رفضه ولا يعتبرانه مدخلا للمثالثة كما يرى الوزير السابق سليمان فرنجية بسبب طموحه الرئاسي الذي يتطلب ربما تحقيقه ان يغطي حزب الله بالمطلق على غرار عون الذي سلك هذا الطريق قبله...


 


في المقابل، فإن  الرهان على كل من  القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية، بأن يخوضا دورا حاميا للمسيحيين، كان اساسا علة وجودهما، والتفاف هذا المجتمع حولهما مع سائر احزاب "الجبهة اللبنانية" اسوة بحزب الأحرار وغيره من مكونات الجبهة اللبنانية والشخصيات المستقلة... لأن تردي الواقع المسيحي بات غير مقبول واستبدال الدور السيادي والحامي للمسيحيين بشعارات اصلاحية لن يعطي نتيجة ولا يوسع شعبية في الوقت الضائع، وهو تنازل موصوف عن دور تاريخي للمسيحيين، ولا بد من العودة الى دور سياسي يبدأ من موقف واضح من ترسيم الحدود وصولا الى حماية الطائف والمناصفة وتعليق اي حسابات رئاسية مفترضة غير مدروسة، حتى لا يكون هذا الفريق المتفرج على تصفية كل من الدور والحضور المسيحي في ظل تنامي الهجرة التي سترفع المثالثة من وتيرتها. اذ لا بد من الإشارة الى ما ذكره مسؤول في فريق وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان للصحافة الفرنسية ، "ان انفجار المرفأ والأزمة اللبنانية يدفعان المسيحيين المقتدرين والطبقة الوسطى للسفر ولن يبقى في لبنان سوى فقرائهم"...


 


إذاً، يبدو المشهد المسيحي حاليا شبيهاً بمرحلة ما قبل انجاز الطائف، تفسخ وخلافات وتقديم اوراق اعتماد لحزب الله عبر ممارسة حدة الكلام او الصمت المريب، و ثمة هاجس يتوسع يوما بعد يوم بأن رؤوس الأحزاب فشلت في ادوارها ورتب الامر تداعيات سلبية على المسيحيين، لأن معظم هؤلاء لا يتجرأ على رفع الصوت، تحت شعار التعايش، فيما هو يمارس الذمية والمسايرة للثنائي كل على طريقته، وارتفاع درجة  التذاكي على المسيحيين بحجة حمايتهم وتأمين حقوقهم، وهم الذين يشهدون تقهقرا على أيدي هذه القوى، حسب الكلام في البيئة المسيحية، وكأنها تريد فقط حماية المكاسب العائلية على اكثر من صعيد... فقد بدا واضحا أن أيا من هذه الاحزاب لم يقارب الهمّ الاجتماعي في البيئة المسيحية بترجمة عملية تشكل حضانة لهذه البيئة وتعزز الصمود والبقاء، وإن كان الجواب الدائم، بهدف التملص، أن هذا الواجب هو على عاتق الدولة التي سنبنيها...


 


*سيمون أبو فاضل* رئيس تحرير موقع الكلمة أونلاين