ملحم مارون كرم - إستقلال مَن؟ واستقلال ماذا؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 26, 2020

يمرّ لبنان منذ بضعة أشهر في أزمة لا مثيل لها، على كافة المستويات، من اقتصادية وسياسية واجتماعية وتربوية، وحتى أمنية. لكن الواقع، أنّ الظروف التي أحاطت بالبلد، منذ الاستقلال وحتى اليوم، عبر تركيبة لبنانية ليست لبنانية وحسب، كان وسيكون لها التأثير الأكبر والأهم على الداخل اللبناني، وحتى على الكيان بأسره وبمكوناته.


فالأزمة ليست بجديدة، بل هي قديمة منذ قيام «دولة لبنان الكبير». غير أنّ المعضلة لم تكن بالكبيرة، على ما هي عليه اليوم، وهذا أمر بديهي، حيث أنّ المشكلة، في غالب الاحيان، تولد صغيرة وتكبر وتتعاظم وتتفاقم مع مرور الوقت والسنوات.

تجاذبت، في الماضي الغابر، مصالح الدولة اللبنانية، مصالح خارجية متعددة، لدول كثيرة كان لها، ولا تزال، أطماع بلبنان وبثرواته ومراكز قوته وضعفه، في آن، في محاولة لتلك الدول، من جعل لبنان قوة من ضعف، في محيط عربي يتخبط فيه، وتتنازع فيه هويته، حتى، بين وجود عربي شرقي، ووجود غربي، ذات منحى معاكس، أو على الاقل مغاير في أهدافه وتطلعاته ورؤيته للحياة وللاستمرار وللوجود، وحتى للقيم.

بعد أن أخذ لبنان استقلاله عام 1943، وحتى ما قبل الاستقلال هذا، لم يكن يرق لكثر ما كانت تمرّ به الحياة اللبنانية بأسرها وبأنماطها وعاداتها، والأهم من كل ذلك، في تطلعاتها وعلاقاتها مع المحيط ومع دول العالم أجمع، والدليل الى ذلك لما كان لبنان حصل على استقلاله، عبر سياسة خارجية كانت، ولا تزال، تحكم البلد، أو على الاقل فئة من سياسييه وشعبه، كانت تريد للبنان الاستقلال والتحليق والتميّز، عن سواه من البلدان.



انّ من أراد للبنان الاستقلال كان لمخطئ، في أنّه كان يجب عليه أن يدرك أنّ لبنان لا تُكتب له الحياة ولا العيش ولا الاستمرار ولا التقدّم، من دولة كفرنسا، وهي احدى أقوى خمسة بلدان في العالم، هذه الدولة التي ميّزت لبنان بما تميّز به، في السنوات الماضية، من حضارة وانفتاح ورقي وتقدّم وازدهار، وخصوصاً القابلية للحياة، في ذاتها، لأنّ القابلية للحياة لا تكون، ولا يمكن أن تكون، على الاطلاق، في وجوه سياسة أخرى، معاكسة ربما للاولى، ترى في الأجنحة اللبنانية أجنحة قادرة، بمفردها، على التحليق بعيداً من سرب الدولة الفرنسية التي أعطت، ولا تزال تعطي، للبنان، بلد التلاقي والعيش المشترك، بلد الرسالة، الدعم والمساعدة واللفتة الكريمة.



عندما زار الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بلدنا الحبيب أخيراً، بعد مأساة انفجار الرابع من شهر آب الفائت، عاد وزرع الامل في قلوب آلاف بل مئات آلاف اللبنانيين، في محاولة للحكومة الفرنسية لإعادة وصل ما انقطع، دون أن ينقطع، ولن ينقطع البتة، من خيوط الدعم والصداقة الفرنسية اللبنانية، في مختلف قطاعات الحياة ومجالاتها، التي تجعل من الحياة اللبنانية حياة قابلة للحياة وللاستمرار والرقي والتقدّم، على عكس كل من يريد العبث بلبنان ومصيره وكيانه الوجودي، حتى، عبر تبنيه أو جعله يتبنّى سياسة الحرب والعنف والدم، في محاولة لإقصائه عبر اقحامه في صراعات المنطقة ونزاعاتها بين شرق وغرب تخبطاً عبر العصور الغابرة، في حضارتيهما المختلفتين، نوعاً ما، والى أقصى الحدود، حتى، بين ثقافة داعية الى التقدّم والحياة والاستمرار، وبين ثقافة أخرى داعية الى الحرب والدم والخراب والموت، في بلد كلبنان، بلد التلاقي، التلاقي والتعايش بين هاتين الحضارتين، وبعبارة أخرى لبنان بلد لا يموت ولن يموت.


الجمهورية