أكرم خضر - الاقتصاد اللبناني... ربّ ضارّة نافعة

  • شارك هذا الخبر
Thursday, November 26, 2020

نداء الوطن

"ويل لأمة تأكل مما لا تزرع، وتشرب مما لا تعصر، وتلبس مما لا تنسج" (جبران خليل جبران). فليس كل ما يحصل في لبنان يمكن أن يكون أسود لوناً وأياماً قاتمة. فمن يراقب في المساء الشاشة الصغيرة يفاجأ أن معظم الاعلانات باتت للصناعة اللبنانية على انواعها من المنظفات والكماليات وغيرها من السلع الأساسية. كأن الصناعة اللبنانية استيقظت على غفلة من سبات عميق او غيبوبة بعد أن أضحت أسعار السلع الأساسية والكماليات المستوردة دون متناول السواد الأعظم من اللبنانيين. المثل العربي الشائع يقول رب ضارة نافعة ولعلّ ما يحصل في لبنان يؤكد هذه النظرية. معظم إعلانات المساء على شاشات التلفزة هي إما للكماليات كالصابون والشامبو او للأساسيات كأدوات التنظيف والتعقيم، إضافة الى صناعات زراعية Industrie Agroalimentaire.

المنافسة والجودة

وكما الصناعة بدأت بخطوات جريئة وجب على اللبنانيين مواكبة هذه الخطوات بدورهم عبر شراء السلع المصنعة محلياً. أما في حال التلويح والتلميح الى أن السلع اللبنانية ليست بنوعية المنتوجات المستوردة فالجواب هو الآتي: كلما أعطي للمصنّع الحافز المطلوب وكثرت المنافسة ما بين المصنعين كلّما تحسنت الجودة وهذا لا يعني أنني أوافق من يقول أن الجودة في الصناعة اللبنانية يلزمها الكثير، بل القليل القليل ومع بعض الوقت يمكن للصناعة أن تعود وترتقي بجودتها الى الصناعات المستوردة. فنحن لا نتكلم عن صناعات معقدة بل معظم ما نقوم بتصنيعه هو صناعة سلع أساسية كالمنظفات والمطهرات والصناعات الزراعية. وللتذكير فقط فالصناعات الصينية كانت في ما مضى دون المستوى من حيث الجودة نسبة للصناعات الأوروبية او الأميركية فأضحت اليوم تضاهي بجودتها الصناعات الأوروبية والأميركية. وللعودة الى الأسباب الموجبة لشراء ما يصنع في لبنان فهي عديدة.

أولاً، تنشيط وتفعيل اليد العاملة وخلق فرص عمل مما يحدّ من الهجرة. الحدّ من استنزاف ما تبقى لدينا من القليل من احتياطي العملات الصعبة عبر استيراد ما لا يلزم ولدينا امكانيات تصنيعه محلياً. جلب العملة الصعبة من عمليات التصدير للمنتوجات اللبنانية بعد أن اصبحت لها قدرة المنافسة بسبب تراجع سعر صرف الليرة اللبنانية. أخيراً وليس آخراً فكما كنا وما زلنا رواداً في الحقل الطبي يمكننا أن نفعّل صناعة الدواء فلا ينقص لبنان لا الأدمغة ولا القدرة فلدينا الكفاءة المطلوبة.

أما في ما يخص الزراعة أو التصنيع الزراعي، فلبنان يمكنه أن يكون رائداً في الصناعة الزراعية اذ لدينا أجود وأفخر انتاج زيت الزيتون والخضار والفاكهة على انواعها. فما ينقص هو عمليات التعليب والتسويق ليس الا. لماذا استيراد رب البندورة والزيت الايطالي بدلاً من تفعيل عمل التعاونيات الزراعية عبر التصنيع والتسويق المدروس برعاية وزارات الصناعة والاقتصاد والزراعة وهي وزارات مهمة ولحسن الحظ لا تدخل ضمن خلافات المحاصصة. كما أصبحت لدينا صناعة نبيذ تصدر انتاجها يمكننا ان نرتقي بالعديد من الصناعات الزراعية الأخرى، تجربة النبيذ اللبناني خير دليل. الاقتصاد اللبناني ينزف فالمطلوب وقف النزيف لتستعيد الليرة بعضاً من عافيتها والا لا ودائع ولا بلد بل جوع على الأبواب.

نكسة إقتصادية جديدة

الحساب الجاري اللبناني Current Account كان على مرّ السنين الماضية دائماً إيجابياً وكان الرافد الأساسي في تغذية أخيه وتغطية العجز في الميزان التجاري Trade deficit الذي كان دائماً في حال يرثى لها من كثرة الاستيراد والقلة القليلة من عمليات التصدير. ولكن في السنوات الماضية التحق الحساب الجاري بأخيه وأصبح هو أيضاً في حال يرثى لها. فعمد الحاكم الى رفع الفائدة على الدولار متوسّلاً تشجيع الدياسبورا اللبنانية على تحويل المزيد من مدخراتهم وجنى عمرهم الى المصارف اللبنانية ومعظمهم كانوا وما زالوا يعملون في دول الخليج والبعض منهم في أفريقيا.

عملية التوسّل كان يصاحبها الحاكم برسائل تطمينية من ان وضع الليرة متماسك ولا خوف على الودائع حتى وقعنا في المحظور. وللأسف ومهما حاولنا وما زلنا نحاول فالودائع أطيحت بطريقة سلب ممنهجة من قبل دولة تُنخر من جميع أنواع الطفيليات حتى باتت محصنة لجميع أنواع المبيدات. لنعلنها بصراحة الى اللبنانيين المقيمين وغير المقيمين إنسوا ودائعكم "بح طاروا"، لا لجنة تحقيق ولا من يحزنون راحت الودائع.

أما المحزن فهو أن الأعمال في بلدان الاغتراب لم تعد كما في السابق، فاللبناني المقيم في الخارج لم تعد أعماله تمكّنه من الادخار فهو يكاد يتمكن من الاقامة في البلدان التي تستضيفه بانتظار أن تتحسن الامور بعد جائحة كورونا التي ستأخذ المزيد من الوقت، وفي هذه الاثناء لبنان يغرق اقتصادياً والليرة الى مزيد من التدهور. وأخيراً جاءت ضربة قاضية غير متوقعة عندما قرّرت الامارات إدراج لبنان على لائحة يمنع بموجبها إعطاء تأشيرات للمواطنين اللبنانيين ليس فقط تأشيرات الزيارة بل تأشيرات العمل من ضمنها مما يحرم لبنان أهم صادراته التي يعوّل عليها من أجل إعادة تصدير المدخرات والتخفيف من الواقع الاجتماعي المزري الذي يمرّ فيه لبنان.

نعم لبنان يكاد يكون البلد الوحيد في العالم الذي يصدّر العقول لاعادة تصدير العملة الصعبة الى الوطن. وهنا بالمناسبة أشير الى أن لبنانيي الانتشار هم من جميع الطوائف والمذاهب والملل ومدخراتهم تدخل جميع البيوت ليس فقط فئة ملتزمة بحزب او راية محددة. وفهمكم كفاية.