د. إيلي جرجي الياس- استقلال لبنان، بين الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة!!

  • شارك هذا الخبر
Sunday, November 22, 2020

لبنان الكبير، هذا الوطن الرسالة، الغنيّ بشعبه الجريء والطموح، والمُصان بجيشه الباسل وقواه الأمنية الشُجاعة، صامد بوجه العواصف والأعاصير وما أكثرها.... لبنان الكبير، منذ نهاية الحرب العالمية الأولى، في قلب القرارات والصراعات الدولية الخطيرة!! ويقيناً أنّ هذا المسار البحثيّ التاريخيّ لم يُعط حقّه الوافي حتّى يومنا الحاضر....
لا شكّ أنّ إرادة الشعب اللبنانيّ هي التي قادت المسيرة نحو استقلال لبنان يوم ٢٢ تشرين الثاني ١٩٤٣، وهذا الانتصار يُسجّل في تاريخ هذا الشعب العظيم شهادة وحدة وكبرياء ورغبة بالتحرير والتحرّر.... ولكن يجب أخذ المتغيرات الدولية بعين الاعتبار، فلبنان مذّاك في عين العاصفة، يتألّق رغم حجم التدخلات الدولية والمُواجهات الاستخبارية العالمية الخطيرة فوق أرضه....
لقد نظر رئيس الوزراء البريطانيّ ونستون تشرشل، الرؤيويّ والاستراتيجيّ، بعين القلق إلى انتصار السوفيات بقيادة الزعيم جوزف ستالين على الألمان في معركة ستالينغراد، بعين القلق الشديد، فهذه المعركة دون سواها قلبت المعايير خلال الحرب العالمية الثانية، لذلك بدأ تشرشل يتخوّف من تمدّد سوفياتيّ شيوعيّ سريع باتجاه الشرق الأوسط، مع وجود حزبيّ شيوعيّ محليّ فاعل، وخصوصاً في لبنان....
لذلك وجد البريطانيون أنّ الحلّ الأجدى هو باستقلال لبنان وسوريا لقطع الطريق على الطموحات الشيوعية المُحتملة بوجود حراكٍ شيوعيّ بارز في البلدين.... فعمدت بريطانيا إلى الضغط بكافة الأساليب المُمكنة على الدولة المُنتدبة فرنسا الحُرّة بقيادة الجنرال شارل ديغول، والأراضي الفرنسية لم تتحرّر بعد من الاحتلال الألمانيّ، ممّا سهّل على الشعب اللبنانيّ المُنتفض فرصة تحقيق استقلال لبنان الناجز والكامل....
لقد سهّلت الولايات المتّحدة الأميركية مهمّة البريطانيين طبعاً.... بينما سيتمّ إرضاء ستالين لاحقاً، ستالين المُنتصر والمتخوف من انتشار القومية في دول الشرق الأوسط، فهو يعتبر أنّ القومية الفائضة نمط جديد من الفاشية المُموّهة.... لذلك تجدر المُلاحظة إلى حجم التضييق على الأحزاب القومية في البلدين المُستقلين، سواء كانت لبنانية أو سورية أو حاضرة في البلدين معاً، بحصارها السياسيّ أو تأجيج الصراعات في ما بينها، بعد الحرب العالمية الثانية مُباشرةً....
ستستفيد المنظومة النازية العالمية والسرية أيضاً، بعد الحرب العالمية الثانية، من لبنان بعد سويسرا، كمركز للأموال والثروات، المنقولة والغامضة، بسبب السرية المصرفية الوثيقة في لبنان!! مما يجعل الحاجة إلى دراسة هذه المرحلة مُضاعفة، من وجهة التأثيرات الدولية وتداعيات الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة....
وكخُلاصة، ‏جاء مسار استقلال لبنان يوم ٢٢ تشرين الثاني ١٩٤٣ في لحظةٍ تاريخية حرجة خلال الحرب العالمية الثانية، ولا علاقة مُباشرة لذلك بمشروع إقامة كيان إسرائيليّ غاصب على أرض فلسطين!! بل استباقاً لطموحات سوفياتية آتية بعدما لاح الانتصار السوفياتي الحاسم على ألمانيا.... هل كانت السرعة في إنجاز هذا المسار تسرّعاً؟؟ يبدو أنّ لبنان بات نقطة الارتكاز الأولى في انطلاقة الحرب الباردة الآتية (١٩٤٦ - ١٩٩١)، بين الأميركيين وخلفهم حلف شمال الأطلسي من جهة، والسوفيات وخلفهم حلف وارسو من جهة ثانية....


د. إيلي جرجي الياس- كاتب، وباحث استراتيجيّ، وأستاذ جامعيّ