شربل البيسري- "أميركا القيم والمصلحة"... في نظرة ديبلوماسية لبنانية
شارك هذا الخبر
Saturday, November 21, 2020
فَرضُ «أجندة الحرّية والديموقراطية» في دول الشرق الأوسط الكبير، بحدوده التي تعرّف بها الولايات المتحدة (أي الدول العربية بالإضافة إلى تركيا، إيران، باكستان وأفغانستان)، لطالما كانت في أولويات الخُطَب الأميركية والقيم التي تبنّاها مسؤولو الإدارة. وتتباين نِسَب التدخّل الأميركي لقلب الموازين وتنميط هذه القيم بين دولةٍ وأخرى، تِبعاً لمصالحها فيها ورؤية المؤثرين في السياسة الخارجية والأمن القومي، لأي رئيس تبّوأ الإدارة في البيت الأبيض.
غاصَ السفير اللبناني في واشنطن سابقاً عبدالله بوحبيب، في شرح السياسة الأميركية، منطلقاً من تجربته الشخصية خلال عمله الديبلوماسي وأيضاً في البنك الدولي، فضلاً عن تقديم مراجع عدة أغنت شرحه، وبرز منها مذكرات وزراء الخارجية والدفاع والرؤساء والمسؤولين في الكونغرس والبيت الأبيض، في كتابه «أميركا القيم والمصلحة - نصف قرنٍ من السياسات الخارجية في الشرق الأوسط» الصادر العام الماضي (2019) عن دار «سائر المشرق».
بتسلسلٍ زمني-استراتيجي، روى السفير بوحبيب أحداث عهد كل من الرؤساء التسعة في الإدارة الأميركية منذ مطلع السبعينات (من ريتشارد نيكسون (1969) إلى دونالد ترامب)، من دون أن يغضّ النظر عن مؤثرات عهد كل من الرؤساء فرانكلين روزفيلت وهاري ترومان ودوايت أيزنهاور، الذين مهّدت سياساتهم للهيمنة الأميركية اقتصادياً وعسكرياً على العالم.
كما عمَدَ بوحبيب إلى سرد ونقل تطوّرات الخرائط المقدّمة والاقتراحات المطروحة في أهمّ الأحداث الشرق أوسطية، أي معضلة السلام بين إسرائيل والفلسطينيِّين، التي لم تتكلّل بالنجاح، لغياب الالتزام بالمقرّرات في بعض الأحيان، ولتعنّت طرف أحياناً أخرى، حيث تُصرّ الإدارة الأميركية في أن يكون «السلام المنشود» من صنعها، تعزيزاً لمصالحها وشعبية أي رئيس أرادَ الترشح لولاية ثانية.
بلغةٍ سهلة ومبسّطة، وصف الكتاب الإمكانية الكبيرة للإسرائيليِّين، عبر اللوبي الإسرائيلي (أيباك) الفاعل بمقدار كبير في واشنطن، في التأثير على السياسة الأميركية الخارجية في الشرق الأوسط، والاطلاع مبكراً على أي نشاط تنوي القيام به، على عكس اللوبي أو اللوبيات العربي/ية التي تكاد تكون اجتماعاتها مضيعةً للوقت.
الإرهاب والشيوعية وإيران
وفي محاربة الإرهاب، الموضوع الذي أخذ حيّزاً كبيراً في السياسة الأميركية خلال العقدَين الأخيرَين، يتبيَّن، بحسب ما ذكر بوحبيب، «إنّ الإرهاب الموجّه إلى الولايات المتحدة بدأ فلسطينيًّا، وهو اليوم جهادي إسلامي بامتياز. مع أنّ فلسطين باقية في «ضمير» كل المجاهدين، إلّا أنّه بالكاد تلحظ القضية الفلسطينية في بياناتهم وتصريحاتهم».
ونظراً لعدم تجانس شعوب الشرق الأوسط طائفياً وإتنياً، وللحفاظ على «ديموقراطية كل منطقة» وإبعادها عن الشيوعية، ترى الغالبية في الإدارة الأميركية، أنّ «الأنظمة الفيدرالية واللامركزية الموسّعة تحافظ على وحدة البلاد وسلامة حدودها... فيما الاعتقاد العربي السائد، أنّ كل نظام حكم غير مركزي ضعيف وبداية تقسيم».
علاوةً على ذلك، تناول الكتاب أحداث وتأثيرات محاربة تمدّد الشيوعية في الشرق الأوسط، خصوصاً لتعاطفها مع القضية العربية، ونتائج ذلك على تدفق النفط الخليجي إليها وأوروبا، ما أدّى إلى إرساء قواعد عسكرية أميركية في الخليج، بعد خسارتها الهيمنة على استخراج النفط الإيراني مع الثورة الإسلامية المعادية لها، بالإضافة إلى العقوبات والمفاوضات في عهد الرئيس باراك أوباما مع إيران.
وشكّل لبنان وأحداثه وسياساته حيّزاً واسعاً من صفحات الكتاب، خصوصاً في فترة الثمانينات والتسعينيات (الفترة التي حملت تقطّعات في العلاقات بين بيروت وواشنطن)، وتعاون الديبلوماسي فيليب حبيب (اللبناني الأصل الذي عمل في الإدارة الأميركية طويلاً) والتدخّلات السورية ميدانياً وسياسياً، معتبراً أنّ هناك «مشكلة لدى السياديِّين في لبنان مع واشنطن، اليوم وأمس وخلال رئاسة جورج بوش الإبن، حتى أنّ سياستها حيال لبنان هي دائماً جزء لا يتجزّأ من الاستراتيجيا الإقليمية».
يعكس كتاب بوحبيب واقعية انشغال العالم، بما فيه اللبنانيّون، في الانتخابات الأميركية الأخيرة، كما سابقاتها، والتفضيل بين الديموقراطيِّين والجمهوريِّين كلٌّ «لمصلحته»، مشدّداً على التغييرات في عهدَي جورج بوش الإبن وباراك أوباما، الذي اعتمدَ سياسة «لا تفعل شيئاً غبياً»، وحاول تغييب العسكريِّين الأميركيِّين عن الخطر، من أجل منع كوارث إنسانيّة، إلّا إذا هدّد ذلك الأمن القومي الأميركي (مصالح الولايات المتحدة).
بالإضافة إلى أنّه يوضح مدى تعلّق الديموقراطيِّين واهتمامهم بالسياسة الخارجية، وإرساء القيم الديموقراطية والإنسانية وتقبّل الآخر، من دون أن يؤثر الأمر على مصالح بلادهم، على عكس الجمهوريّين.