بول ناصيف عكاري- الثورة...المسيحيّون...الحزب

  • شارك هذا الخبر
Friday, November 20, 2020

بول ناصيف عكاري

لبنان منكوب بحزبه! وطن الرسالة (الإبليسيّة؟) مفلّس سياسيّاً واقتصاديّا ومجتمعيّاً ومنهوب ماليّاً. البلد منقسم أفقيّاً من الناحية الثقافيّة الأنتروبولوجيّة وعموديّاً بالسياسة المدعّمة بالتمذهب البشريّ. المذهبيّة المشيطنة باتت تتحكّم بهذين المحورين ليستحصل مناصروها على السلطة المطلقة والمال. في خضمّ الديناميكيّة الجيو-دينيّة* التي تتحكّم بمجريات الأحداث في هذا الشرق اللعين* لا بدّ من قراءة متأنّية من خارج الصندوق للتمكّن من الخروج من المأزق.
إستشهد الرئيس الحريري وخرجت الوصاية السورية مخلفةً فراغاً سياسياً وأمنياً لم يتمكن من ملئه سوى حزب الله وحلفاؤه.عماد تلك الوصاية كان الفساد بإخضاع الدولة بالسيطرة على كلّ مكوناتها أهمّها الأمن والقضاء وبقهرها المجتمع بإفقاره. النتيجة: نهب البلد وإنحطاط إجتماعيّ ثقافيّ...المفارقة الوحيدة أنّها لم تتمكّن من السيطرة على الموارنة كأمّة حرّة مؤمنة بلبنان الحرّية و"العيش المشترك" (التجليطة).
من هذا المنطلق وقع الحزب بين شاقوفين: "الوفاء" للنظام السّوري والولوج في منظومة الممانعة حاملاً لواء ولاية الفقيه تحت غطاء من بعض الموارنة المنبطحين من أجل هيكل كرسيّ نجس، أو الإندماج في منظومة "العيش المشترك" تحت سقف الطائف ووفقاً لمبادئ الدستور. إختار الحزب الشاقوف الأول وعليه دخل البلد في الدوّامة اللولبيّة الإنحداريّة، كناية عن وضع ما، يسؤ تدريجيّاً بشكل سريع ويصعب السيطرة عليه؛ هذه الدوّامة أصعب من الحلقة المفرغة ولا يمكن إلّا أن تؤدّي الى الإنهيار. وما الوضع الحاليّ إلّا الإثبات المبين لما تقدّم. من استراتيجيّات هذا الشاقوف إخضاع الموارنة وبالتالي إخضاع لبنان. وهذا ما يحصل الآن.... سوف يكتشف الوطنيّون أنّ هزيمتهم أمام الحزب كانت سوء إدارتهم وتخاذلهم وليس قوته الجبّارة.
من أهداف الثورة الأساسيّة أن يكون للبنان نظام سياسي وطنيّ غير مذهبيّ، غير مرتزق، أساسه "الوحدة في التنوع" بحيث يتفاعل الكلّ مع الكلّ من أجل إعلاء شأن الوطن والمواطن في دولة "مدنيّة" عادلة آمنة. السياسة الخيّرة تصنع دولة أهل الخير الّتي تبني الإقتصاد المتين والمستدام الذي يمكّن المواطن من العيش الكريم دون عوز ومنّة. هذه الدولة تقضي على الفساد والمحسوبيّة والفقر والظلم وتعمل على إحقاق العدل والأمن والأمان. إنها تسترجع الدّين الأصيل وتقضي على الأصوليّة والتّطرّف والفساد الممذهب والجهل وتعطي تعاليم جميع الأديان مساحة لبناء الإنسان الإنسانيّ. أليست هي رسالة هذا الوطن الّذي يستطيع إستيعاب مئة طائفة ومذهب؟ وهنا أُذَكِّر بعهد الإمام عليّ (ع) لمالك الأشتر...
الحزب أدّى قسطه في الإقليم وبالأخصّ في سورية وحان وقت العودة للمساهمة في صنع الدولة المرجوة والحفاظ عليها. يجب على الحزب أن يبدأ بتنفيس فائض قوته السلبيّة المستوردة وبالتخلي عن الحجم اللازم من ذاك الفراغ المملوء منه لباقي مكونّات الوطن أخصّها المكون المسيحيّ. من ثم إعطاء الدولة "المدنيّة" الحجم اللازم والطّبيعيّ لينضوي الكلّ تحتها ولينخرط بها خير إنخراط. الخير في السياسة هو الأساس ويبدأ بالمصالحة والتفاهم على أسس وطنيّة وإنسانيّة مع الحفاظ على التنوّع والخصوصيّة.
مع السّماح بتعداد وجهات النّظر، وخلافاً للأوراق والتفاهمات الثنائية وما شابه، الحزب مدعو الى الدخول في حوار وطنيّ مع المكون المسيحيّ من أجل إعادة لمّ الشمل وفقاً لأسس اتفاق الطائف والدستور. يجب على كلّ فريق أن يتخلّى عن الإعتقاد أنّه وحده على صواب، وبالأخصّ الحزب، وأن يبحث ويجد ويستوعب ما هو مميّز عند الآخر الخصم. هذه التعدديّة الفكريّة المقبولة من الآخر ما ينقص في الحياة الوطنيّة وبالتالي التفاهم على أيّ لبنان نريد. إنّ ما يجمعهما أكثر مما يفرّقهما. "لبنان أولاً وأخيراً"(الحزب؟). انهما ينتميان الى نفس الوطن والدولة (الحزب؟) حيث يجب أن يعيشا بسلام وأمن ووئام. الإثنان أولاد مقاومة: المقاومة اللبنانيّة (المسيحيّة) هزمت مشروع إنشاء كيان فلسطينيّ على تراب الوطن وخصوصاً في الجنوب حيث معقل الحزب ومنعت النظام السوريّ من الهيمنة على لبنان. أمّا الحزب فهزم الصهاينة وحرّر تراب الجنوب وهزم في القصيّر المشروع التكفيريّ. كما ينتميان الى دينين غايتهما إحلال المحبّة والعدل والسلام والإخاء في الإنسانيّة في وطن قُدّر له أن يحمي كلّ مضطهد(؟). كلٌّ على طريقته ووفقاّ للظروف الّتي كانت سائدة وقتها ساهم في منع انهيار البلد.
قبل البدء بأيّ شيء يجب أن تتوقف معزوفة التخوين لأنّ "من كان بيته من زجاج فلا يرمي الناس بالحجارة."...الحزب مدعو، وقبل أن يُفَوِّتَ الفرصة، الى إختيار الشاقوف الثانيّ وكحركة جماهرية التخلي عن شيطانه الداخلي الذي منحه أُصولاً أجنبيّةً واستبداله بشيطان المنظومة الفاسدة المافياويّة* (التي دخلها وأصبح قائدها بكلّ أسف) دامجاً اياه بالشيطان الصهيونيّ. أليس العدو يريد دمار لبنان؟ الثورة ليست بشيطان والمكون المسيحيّ ليس بشيطان والحزب يجب أن لا يشيطن أيّ لبنانيّ من أجل علّة وجوده ولا يجب أن يجعل من نفسه شيطان بنظر الآخرين. أليس بالأجدر أن يُتَّخذ قرار خيّر، والآن، لإنقاذ ما يمكن إنقاذه؟ ألا يجدر به أن يشبك الأيادي لوقف إنهيارالوطن؟ أليس عندها ينتظم العمل الوطنيّ ولا نعود بحاجة الى شياطين سلطويّة ومذهبيّة؟ ماذا ينفع لو ربح الحزب الممانعة وخسر عامليّته ولبنانيته وبالتالي لبنان؟ كمّ من الويلات يمكن تجنبها إذا عاد الى الوطن وعمل وفقاً للدستور ومبادئ الطائف وأسس "العيش المشترك"؟
بصريح العبارة، كلّ ما ورد أعلاه هو زرّ الرماد في العيون، والسؤال البديهي ماذا يريد الحزب من اللبنانيّين ولبنان؟ ماذا يريد الحزب من المسيحيّين تحديداً؟ لماذا هذا الشر غير المفهوم؟ لماذا هذه الساديّة في إذلال اللبنانيّين؟ بأستثناء مؤسسة الأمن العام، ما هو سر فشل وفساد المؤسسات التي أدارها وحلفائه؟ فليعلن دولته وليتركنا بشأننا!
*: وردت في مقالات سابقة للكاتب