ألبر داغر- جبران باسيل و«الطريق إلى جهنّم»

  • شارك هذا الخبر
Friday, November 20, 2020

كان لجبران باسيل دور مباشر في تردّي العملية السياسية في السنوات الأخيرة، وفي دفع البلاد إلى الانهيار الشامل. وكان قادة التيار قد ثابروا على ممارسة لا ينتج عنها سوى الإخفاق. وكانت عناصرها هي غياب المشروع الاقتصادي، وخلق الفراغ حول القيادة، والتعويل حصراً على التنفيعات لكسب الولاءات، وتدخّل عنصر الشخصية لتعميق الإخفاق. تتحمّل أوزار هذا الإخفاق جماعة طائفية بكاملها.

1. العناصر المسبّبة للإخفاق
درست نظرية علم النفس الاجتماعي سلوكيات الناس التي تتسبّب لهم بالإخفاق (self-defeating) (بومايستر وشار، 1988)، وهي لا توافق على أنّ الناس العاديين يعرّضون أنفسهم للأذى بشكل متعمّد. يكون تصرّفهم المؤذي لهم نتيجة خيار اعتمدوه للحصول على منفعة أو شعور بالأمان في المدى القصير، ولو أنّ هذا يكون مُكلفاً لهم في المدى الطويل. وقد عدّد بومايستر وشار، مجموعة من السلوكيات المسبِّبة للإخفاق يأتي في طليعتها التقدير الخاطئ للأمور (judgment errors) الناجم عن ضعف الإدراك للأوضاع (misperceptions) وضعف الإدراك للذات (self awareness) (بومايستر وشار، 1988: 12). وأضافا إلى ذلك، ضعف مقدرة المعنيّين كمفاوضين عن اجتراح مقاربات تمنع الوصول إلى طرق مسدودة، ورفضهم تغيير تصرّفاتهم بعدما لمسوا إخفاقها (non productive persistence). وقد درس الباحث كرامر سلوكيات السياسيين المسبِّبة لإخفاقهم، واستعاد حرفياً ما جاء في دراسة بومايستر وشار، كأسباب لإخفاق هؤلاء (كرامر، 2005).
الصدفة فقط هي التي جعلت جبران باسيل يلتقي بالجنرال. هذا اللقاء غيّر مجرى حياته وجلبه إلى ميدان، لم يكن ليدخل إليه بأيّ حال من الأحوال، أخذاً بالاعتبار لمنشئه وعائلته وبيئته من عشرات الأجيال. أن تعمل في السياسة، ولو أنّها عائلية وعشائرية، هي تنشئة وطريقة حياة وطموحات في الحياة. كلّ فرد في العشيرة هو مشروع زعيم وقائد. يقتضي ذلك إعداداً منذ أن يكون الفرد طفلاً بالتمييز في المعاملة، أي بالاحترام الذي يحصل عليه. ليس موجوداً هذا الأمر لدى العائلات التي لم تكن في موقع يسمح لها بالعمل في السياسة، منذ بدء التاريخ الإسلامي.
بدا باسيل متطفّلاً في وسط السياسيين التقليديين، يملكون مصدراً للشرعية لا يملكه هو. الدم يُكسِب مكانة لأفراد النخبة السياسية التقليدية. غالبية هؤلاء ورثوا شهيداً قُتل في معرض الصراع على السلطة. في المواجهة مع هؤلاء، يكون ضعيفاً من ليس سليل عائلة سياسية دفعت شهيداً أو شهداء أو تحدّرت من شهيد.
مع الوقت، كان يزداد شعور رئيس التيار بأنّه مبنوذ (rejection) في أوساط هؤلاء السياسيين، والسبب كان عجزه - وهو المفتقد لأيّة ثقافة - عن إقناع أقرانه بالتعاون بقصد الإنجاز في ملفّات إنمائية وفي الإصلاح بدل الكيد الواحد للآخر. لم يكن في جعبة التيار أيّ مشروع بديل ينطوي على مقاربات أو اقتراحات لبناء المؤسّسات العامّة أو تنفيذ برامج استثماريّة حكوميّة أو بناء اقتصاد منتج. كان الوقت يُستهلك في الجدال بشأن تقاسم المنافع والمواقع والتعيينات. كانت السجالات لا تتوقّف بحجّة الدفاع عن حقوق المسيحيين، وكانت تعمّم اليأس في أوساط الجمهور.

المشروع الاقتصادي الغائب
لم تمثّل دراسة النظام السياسي وكيفية إصلاحه أولوية لدى مؤسّس التيار. لم يكن هذا الهمّ موجوداً لديه، وإلّا لكان كُرّس له جهد وتعبئة وطاقات. لم ينشأ نقاش اقتصادي وسياسي ذو معنى داخل التيار. طرح هذا الأخير ـــ بعد عودة ميشال عون ـــ مشروعاً اقتصادياً صاغه أحد أعضائه كان على يمين الحريرية، وذلك لجهة رفض دور الدولة في الاقتصاد والتعويل حصراً على السوق. أي كان نسخة عن البرامج النيو - ليبرالية الرائجة، ثم اكتفى التيار بعد ذلك بمساءلة وزراء المالية عن ممارسات هذه الوزارة. وصدر «الإبراء المستحيل». يقول وزير سابق إنّه لم يلمس إمكان إجراء نقاش فكري مع أيّ أحد من المحيطين بعون، لكن هذا الأخير بدا له الوحيد الذي قد يعطي انتباهه لنقاش من هذا النوع.
لم يُطرح في التيار تساؤل بشأن جدوى السياسة الحكومية وبشأن دور الدولة في التنمية ودور الإدارة الحكومية في هذا. لم يُطرح دور الدولة في بناء الاقتصاد الصناعي المنتج، والأدوات والسياسات التي ينبغي أن تتوفّر لها لكي تلعب هذا الدور. ما يتلقّفه باسيل من المسؤولين الأجانب في باب السياسة الاقتصادية مثّل كلّ زادِه. وككلّ الآخرين انتمى إلى النخبة النيو - ليبرالية التافهة التي تذهب إلى خصخصة الدولة حتى آخر مؤسّسة فيها، وذلك إرضاءً للأفرقاء الخارجيين ولنيل دعمهم في تبوّء المناصب.
وقد أنشأ «مؤتمر الدوحة» لعام 2008 مظلومية لدى التيار، لأنّ رئيسه لم يُجرَ اختياره لرئاسة الجمهورية، وبدأت في التاريخ ذاته عملية دمج التيار في نظام المحاصصة. كان الدلع يؤدّي إلى تأجيل تشكيل الحكومات أشهراً طويلة، وأدّى لتأخير انتخابات رئيس الجمهورية سنتين ونصف سنة. استهلك الصراع على الرئاسة كلّ تلك السنوات، وكان يمكن خلالها العمل لبلورة مشروع إصلاح جدّي واستقطاب الطاقات لهذا الغرض.
يقول الكاتب جهاد بزّي إنّ الناشطين العونيين، على مدى عقد ونصف عقد بعد الحرب، كانوا يرمون بأنفسهم رمياً على اللبنانيين من الطوائف الأخرى، ويعبّرون عن رغبة عارمة في التواصل مع هؤلاء من أجل مستقبل لبنان. جاء هؤلاء من تجربة مرّة مثّلتها 15 عاماً من الحرب الأهلية وضخّ المشاعر السلبية. كلّ تلك المشاعر الإيجابية التي عبّر عنها هؤلاء الناشطون، كان يمكن تجييرها من أجل التأسيس لتصوّر جديد للبنان وفرضه.
لكنّ بلورة مشروع إصلاح يخرج على النظام القائم، كان خياراً غير مضمون النتائج. هو حاجة للبنان ولضمان مستقبل أهله بإرساء اقتصاد جديد يوفّر لهم عملاً ويصرفهم عن الهجرة، لكنّه يتعارض مع ضرورة التخلّي عن أيّ طموح للإصلاح لتنفتح طريق الرئاسة. ولم يكن هناك تردّد في التخلّي عن الإصلاح.

خلق الفراغ
الوصول إلى الرئاسة تحقيقاً لطموح شخصيّ كان الهدف منذ البداية. كان ينبغي خلق فراغٍ بمعنى إزاحة كلّ من كان يمكن أن يشكّل منافساً أو يتمتّع بمواصفات تسمح له بلعب هذا الدور. أُوكل إلى باسيل كلّ شيء، فهو لا يملك كاريزما تسمح له بأن يتصرّف من دون أن يحتاج إلى وليّ نعمته. وكان ينبغي إزاحة كلّ المنافسين المحتملين، أي كلّ الناس الذين لديهم مواصفات تجعلهم مقبولين من الجمهور وتمنحهم سلطة معنوية على هذا الأخير. وجرى استخدام السلطة المعنوية على المحازبين، وأوهام هؤلاء بإمكان أن يكونوا حزب إصلاح. وأُلغي برنامج التثقيف السياسي الذي أوكل تنفيذه إلى أساتذة في التيار، وذلك لكي لا يعزّز التأهيل الذي يوفّره مقدرة للبعض على منافسة باسيل. وطُرد في نهاية المطاف كلّ من يعترض. يُقال إنّ باسيل أعجب الجنرال، لأنّه لم يكن يتلهّى بالنقاشات الفكرية، وكان ناجحاً كمقاوِل ويحقّق أرباحاً. جرت تنحية الأفكار والنقاش الفكري والسياسي جانباً، ومنذ ذلك التاريخ انتهى إمكان خلق تعبئة فكريّة من أجل الإصلاح. أصبح رسم السياسات والتداول في قضايا الشأن العام حكراً على باسيل ومجموعته.
بقي تيار عون يكتسب شرعية عند الجمهور، طالما كان يعطي الانطباع بأنّه يحمل مشروعاً إصلاحياً. في عامي 2005 و2009، انتخب أناس كثيرون مرشحي عون، من دون أن يكون هناك تواصل بينهم وبين هؤلاء المرشحين. عوّلوا على أنّ هؤلاء قد يقدّمون شيئاً مختلفاً عمّا يقدّمه السياسيّون التقليديّون، بل احتفظ البعض بهذا الأمل في مناسبة انتخابات عام 2018.

توزيع المنافع للبقاء
جاء العونيون إلى التعبئة الطائفيّة من باب الغبن الذي اعتبروا أنّه لحق بالمسيحيين بعد «الطائف». اعتبروا أنّ الأولوية هي لاستعادة حقوق سُلبت من المسيحيين. ذهبوا إلى ذلك، لأنّ المواد الأربع في الدستور اللبناني (9 و10 و24 و95) تؤمّن حقوقاً للمسيحيين كمسيحيين، مثلهم في ذلك مثل غيرهم، وتجعل المزايدة غير ممكنة في هذا المجال. وهي مواد تميّز بين اللبنانيين على قاعدة طائفية ومذهبية، وتمنح المكوّنات الطائفية والمذهبية للبنان «استقلالية ثقافية».
يقول بعض المتابعين إنّ اعتماد «المشروع الأرثوذكسي»، كان الهدف منه تأمين وصول باسيل إلى الندوة البرلمانية. هناك تفاصيل في كيفية إعداده والنقاش حوله، لكن ما هو مهمّ في هذا الإطار هو صدمة الشارع الذي كان يرى في العونيين حتى ذلك الحين فصيلاً يتوجّه بخطابه إلى كلّ اللبنانيين، ولا يعتمد على التعبئة الطائفية. بقي العونيون «علمانيين» حتى ذلك التاريخ، ليس بمعنى إنكار الهوية الدينية أو المذهبية، ولكن بمعنى عدم توسيط الانتماء الطائفي لاكتساب شرعية، وعدم التعبير عن مطالب بحت طائفية أو مذهبية.
تميِّز النظرية بين الأنظمة السياسية الناجحة والفاشلة. يكون الخيار بين أن تعطي هذه الأنظمة الأولوية للسياسات العامّة التي تنفع الكلّ، أو أن يلجأ المسؤولون لاستخدام الموارد العامّة لتوزيع منافع فردية أو خاصّة (دو مسكيتا وآخرون، 2003: 42؛ دو مسكيتا وروت، 2000، 10). الأنظمة الفاشلة هي من هذه الفئة الثانية. يُمضي السياسيون عمراً بكامله ليبنوا قاعدة موالين أو محاسيب محلية، من خلال التنفيعات التي يوفّرونها، ويتابعون إذا كانوا قد ورثوا هذه القاعدة المحلية، مهمّة تطويرها. بدا التيار مستعجلاً إلى أقصى حدّ في بناء قاعدة المحاسيب هذه. تحوّل العمل السياسي العوني إلى استغلال صفيق للموقع العام من أجل توزيع منافع خاصّة (private benefits). واعتبر رئيس التيار أنّ العمل السياسي كناية عن صفقات يجريها مع رجال أعمال لتسهيل أمورهم في الحصول على عقود وتلزيمات حكومية، ويمكن التعويل على هؤلاء، لاحقاً، في تقديم التمويل للتيار. واعتبر أنّ العمل السياسي هو توفير أوسع مروحة من التعيينات لأزلام ومعارف.
وهناك نموذج في كلّ المناطق والطوائف بأن يحتلّ متموّلون الساحة، ويقدّموا مكرمات تفيدهم في ما بعد في الترشّح إلى النيابة واحتلال مواقع وزارية ورسم صورة مستقبل لبنان. وهذا الخلط بين المتموِّل والسياسة، هو القاعدة في كلّ الدول الفاشلة. وقد تحوّلت قيادة التيار إلى أيدي مجموعة متموّلين هم أعضاء في مجلس إدارة الشركة التي يملكها باسيل، وقد أصبح أغلبهم نواباً ووزراء. وهو يدير الشأن العام بواسطة هذه المجموعة.

2. عناصر الشخصية
رأى بومايستر أنّ «الانتماء المحِب للجماعة» (empathic identification) هو الشرط الذي ينبغي أن يتوفّر في السياسيين ليتمكّنوا من إقناع من يتوجّهون إليهم بأنّهم يعكسون هواجسهم (بومايستر، 2012: 15). يكون هذا الشعور مفقوداً لدى فئتَي النرجسيين (narcissists) وعديمي الضمير (psychopaths). وحين يحاول هؤلاء نيل رضى الآخرين (ingratiation strategies) يخفقون في ذلك (بومايستر وشار، 1988: 15).
يهتمّ النرجسيّون بالبروز ويحتاجون للتحقُّق باستمرار من نظرة الآخرين المؤيّدة لهم، ويرون أنّ لهم حقوقاً على الآخرين (entitlement). وتطغى في شخصيّتهم الجوانب السوداء، تتحكّم بحياتهم الحاجة إلى السيطرة على الآخرين (social dominance)، وذلك كنقيض للتصرّف الذي يعبّر عنه الأسوياء الذي تكون القاعدة فيه التعبير عن مشاعر ودّ تجاه الآخرين (social warmth) (كامبل وبومايستر، 2006: 423). وهم لا يستطيعون التعبير عن مشاعر تعاطُف مع الآخرين (empathy)، وليست لديهم مشاعر حرج بشكل عام (scruples) (بومايستر، 2012: 12)، ويتقاسمون مع المنتمين إلى فئة عديمي الضمير هذه المواصفات.
السياسة عند هؤلاء هي «بيزنس» وصفقات، لا تتوخّى سوى المنفعة وتنتفي منها أية مشاعر أو اعتبارات أخرى. يتقدّم النرجسيّون على الآخرين، حين يعملون ضمن فريق، وذلك للحاجة الشديدة لديهم لإظهار أنّهم الأفضل. ويقتضي مرور بعض الوقت ليكتشف الآخرون مقدار الأذى الذي يلحقه هؤلاء بالعمل برمّته.
وقد بات ملحّاً بالنسبة لرئيس التيار إعادة التموضع مع بدء السباق لرئاسة الجمهورية، وبدت قوّته كما لو كانت مستعارة كما يقول بعض الباحثين. بدا مفتقداً لشرعية مسيحية، ومستعيضاً عنها بالدعم الموفّر له من خارج الطائفة. وترافق ذلك مع بهلوانيات ومزايدات في الخطاب وفي الموقف بكلفة فادحة على اللبنانيين.
وفي الأشهر التي سبقت الانتفاضة، كان يتنقّل بوتيرة غير طبيعية في أنحاء الجمهورية شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، وفي مواكب من عشرات السيارات، لإلقاء محاضرات والمساهمة بمهرجانات. كان احترام موقع رئاسة الجمهورية يجبر أناساً كثيرين على تلبية الدعوة لحضور مهرجانات ينظّمها باسيل ويلقي فيها خطباً طويلة لا يعرف الناس ماذا يريد منها.
وقد تفاجأ اللبنانيون من مقدار تردّي علاقة باسيل مع الأفرقاء الآخرين من كلّ الأطياف. اختبر الكلّ صعوبة العلاقة مع هذا النوع، وانتفت عند البعض الرغبة بمتابعة هذه العلاقة كائناً ما كانت منافعها.
ثم جاءت انتفاضة 17 تشرين لتقول لباسيل إنّ هناك حدوداً لكلّ شيء، وإنّ فترة السماح الطويلة التي حظي بها من قبل جمهور المسيحيين قد انتهت. فوجئ المتابعون بالكراهية التي استثارها شخصه بالذات لدى الجمهور وجرى التعبير عنها.
لم يقدّم التيار بعد الانتفاضة فكرة واحدة في تفسير ما يعنيه بالإصلاح. تجلّت، في حينه، حالة «الصفر أفكار» بوضوح أكبر. احتمى وراء حجّة واحدة: «ما خلّونا». أي كنّا نرغب بالإصلاح واصطدمنا برفض الآخرين، وذلك في تناقض صارخ مع الممارسة اليومية القائمة على التدخّل في عمل الإدارة العامة وتوفير الحماية لشبكات من اللصوص.
وفي حوار لباسيل مع رجال أعمال، وصف هذا الأخير وزراء حكومة «التكنوقراط» بأنّهم أغبياء وعديمو الجرأة، وذلك لعجزهم عن تمرير الصفقات والتوقيع على عقود للمحظيين. ووجد أنّها كانت غلطة كبيرة له أن يترك الوزارة التي بدا وكأن لا مبرّر لها إلّا لتمرير الصفقات. وقد أصبح المعنيّون في التيار أكثر استشراساً في ملء المواقع العامة بالأزلام، بعدما لفظهم مجتمعهم ونزع عنهم أية شرعية في التمثيل. وتواطأ هذا الأخير مع أطراف مهيمنة في الطوائف الأخرى للإطباق على الموجود من المواقع العامة. وكانت الإدارة العامة على مدى السنوات الأخيرة ميدان عزل للأكفّاء من المواقع التي يحتلّونها.
لم يُعدِّل شيئاً في تعاطي هؤلاء المسؤولين مع أدوارهم أن يكون لبنان قد بات دولة نفطية. لم يخطر ببالهم أن يجري تسريع استثمار هذه الثروة. لم يتنبّه أحد إلى إمكان التفاوض مع المنقّبين عن النفط والغاز بأفكار جديدة وجريئة يكون الهدف منها حفظ القدرة الشرائية للبنانيين وحماية لبنان من الاندثار بالإحباط والهجرة. بقي الصراع على المواقع والوزارات لاستثمارها في توزيع المنافع هو القاعدة. وبقيت هذه الصراعات مادة وحيدة للإعلام تنقل وسائله تفاصيلها، وتسجن هذا الشعب الشقي في إسارها. أهمل السياسيون الأميّون هؤلاء إمكان تحويل الدولة من خلال أجهزة إدارية جديدة إلى دولة تنموية. أي دولة تدفع إلى الأمام بمشروع إنفاق عام استثماري يعيد ثقة أبناء هذا الشعب ببلدهم وبإمكان بناء غد لهم ولأولادهم فيه.
ينتظر المسيحيون وكثير من اللبنانيين انحسار الجائحة وعودة التواصل بين الدول ليتقدّموا بطلبات هجرة جماعية من بلادهم، وذلك عن قناعة بأنّ هذه بلاد لا تستحقهم. تقرأ اليأس على وجه كلّ واحد منهم، وسوف يختفون من المشهد العام في وقت قياسي. هذا ما جنوه من انتظار الإصلاح على يد هذه المجموعة. وهذا هو الثمن الذي ستدفعه جماعة طائفية بكاملها من إيكال مستقبلها إلى هؤلاء.