ضاعت فرصة – ولن أقول أضاع اللبنانيون فرصة – تكليف حكومة تنقذ ما يمكن إنقاذه في لبنان إقتصادياً ومعيشياً وصحياً واجتماعياً وتربوياً، برئاسة الدكتور مصطفى أديب. فالرئيس مصطفى اديب إبن طرابلس الفيحاء، أفقر مدينة على شاطئ البحر المتوسط، والتي لها في قلوبنا محبة خاصة، كان استاذاً جامعياً، وهو سفير لبنان في المانيا. ولم يستطع أحد ان ينسب اليه اي تصرف مشين او غير لائق. مع العلم انه في مثل هذه الحالة، وعندما يعين احد في منصب او مركز، تبدأ وسائل التواصل الاجتماعي بنبش كل شيء عن حياته وتنشرها، كما قد تنشر اموراً غير صحيحة عنه. أما الرئيس اديب فلم يستطع احد قول كلمة واحدة عنه الا كونه غير معروف، او مسمى من قبل الدولة الفرنسية...الخ. ولم نسمع او نقرأ عنه انه استفاد من اي منصب او مركز او قام بأي عمل لا يوحي الثقة والاحترام. أكتب هذا الكلام بعد ان اعتذر الرئيس اديب وعاد الى المانيا، وليس قبل ذلك وخصوصاً عندما كان مكلفاً. ومن متابعة نشاطه منذ بدء التكليف، يظهر كم هو انسان محترم وكتوم وعميق ودبلوماسي. الا ان الميزة الاساسية التي يتمتع بها فهي: الصدق. نعم الصدق. فمنذ اللحظة الاولى، تكلم عن حكومة من اربعة عشر وزيراً (وإن كنت اخالفه الرأي وأؤيد طرح فخامة الرئيس العماد ميشال عون بأن يكون لكل حقيبة وزير)، ويوافق على زيادة العدد الى ثمانية عشر وزيراً عند الضرورة، وفي حال الاصرار على عدم القبول بحكومة الاربعة عشر وزيراً. وبقي على موقفه ولم يغير في كلامه او في قناعاته. وكانت لديه الجرأة في تقديم اعتذاره عن تشكيل الحكومة هو امر لم نشهده في لبنان لعدة اسباب واعتبارات ومصالح. وبالتالي، فإن شخصية من هذا الطراز يجب المحافظة عليها واحتضانها وعدم التفريط بها. والمؤسف هو ان الرئيس اديب كان مدعوماً من المجتمع الدولي، وكان على قدر المسؤولية؟ إذ انه يمكن احياناً ان يتم دعم شخصية معينة دولياً ولا تتمتع بالكفاءة والعمق وبعد النظر والخبرة في معالجة الامور. اما ما حصل مع الرئيس اديب فهو انه يحوز على هذه الميزات التي كان من الممكن جداً ان تساعد على إنقاذ ما يمكن إنقاذه في لبنان. لبنان هذا البلد المعذب الذي ما ان يحاول النهوض من مصيبة او فضيحة او نكبة، حتى يواجه مصائب وفضائح ونكبات اكبر. واخشى ان اسمع يوماً صوتاً آتياً من البعيد البعيد: ابكوا كالنساء على وطن لم تحافظوا عليه مثل الرجال.