المحامي فؤاد الاسمر- لبنان الحضارة الجنائزية

  • شارك هذا الخبر
Monday, September 28, 2020

بقلم المحامي فؤاد الاسمر

لم نبن الحدائق المعلقة ولا الجسور العابرة للمسافات ولا ناطحات السحاب.
لم نقم المدينة الفاضلة ولا الرجل الآلي ولا الهاتف الذكي.
لم نجترح عجائب الطب ولا روعة الهندسة ولا دور لنا بانجازات الفكر الانساني.
لا علاقة لنا بعالم الفضاء ولا بعالم الطيران ولا حتى بالمحركات الارضية.
لا نعرف المختبرات ولا شأن لنا بالابحاث ولا نسأل حتى عن مستقبل.
نلتهم الافكار والابحاث والانجازات كعلف لا يعرف القطيع مدى صلاحه.
تائهين في بدائية الغريزة الملثمة بالبزة العصرية.
كل بيده خنجر الهمجية والتعصب الاعمى.
نتقاتل ونموت وتُسفك دماؤنا انهراً وسواقيّا من اجل الزعيم ونسله وصحبه.
نتقاتل ونموت وتُسفك الدماء انهراً وسوقيا من أجل اله يختلف عن الآخر والله واحد أحد.
نتقاتل ونموت وتُسفك الدماء انهراً وسواقيا من اجل وطن يختلف عن الآخر ولبنان واحد أحد.
نلبس الحضارة شكلاً ومظهراً ونعيش البدائية والغريزة والكفر روحاً ومضموناً.
لا نعرف سوى التحلل درباً للنهاية.
لا نعرف سوى دفن ابنائنا وشبابنا وآمالنا في حروب لا مغزى منها وفي تفجيرات وصدامات وتخبطات وازمات لا غاية لها سوى الفناء.
نتقاتل بالافراح ونتقاتل بالاتراح، نتقاتل يوم نختلف ويوم نتفق ويوم نولد ويوم يولد الزعيم ويوم يتبوأ السلطة ليعلمنا ان موتنا محتوم لأنه لا صلاحية له الا بتقرير الموت.
تعيش آلهتنا وتتغذى من رائحة الدماء وتعِبُّ من معين الدموع وترقص على نحيب الثكالى والارامل واليتامى.
ذاكرتنا الفردية والجماعية لا تختزن الا مواعيد الانفجارات واماكن الدفن وصور الجثث المتطايرة.
مواعيدنا اكاذيب نعرفها فارغة ووعود نعرفها هباءً زائلاً وشعارات نعرفها صنوج ترن وطبول تطن.
ماضينا احمر وحاضرنا اسود ومستقبلنا سراب في مجهول معتم مظلم دامس.
حضارة عنوانها جنازة مستمرة ومواكب متشحة بالسواد وازهار يانعة تذوي في التراب وشمس تأفل في المغيب عند الفجر.
ننتخب ونختار ونقترع لجلاد لا يحمل لنا الا النهاية المحتومة مشروعاً والذل والقهر والهوان سبيلاً وحصرية رفاهيته وثراء نسله حاضراً ومستقبلاً.
ننتخب ونختار ونقترع لمن يقودنا الى الموت او الى الموت.
فمتى ستزهر حضارة الحياة؟؟؟