الدكتور جورج كلاس- سُقُوطُ { المُوَاطَنَةِ } الأَصيلَةِ ...قِيَامُ { مُواطَنَاتٍ } بَديلَةٍ...!

  • شارك هذا الخبر
Monday, September 28, 2020

تُؤَكِّدُ الظُرُوفُ السِيَاسِيَّةُ الراهِنَةُ التي يَمُرُّ بها لبنان ، أَنَّ كُلَّ الشِعَاراتِ التي تَمَّ رَفْعُها مِنْ قِبَلِ غَيْورِينَ صَادِقينَ ، و مُفَكِّرِينَ مُخْلِصينَ حَوْلَ وُجوبِ إِنْتِهاجِ سُلوكَاتٍ وطَنِيَّةٍ مُلتَزِمَةٍ و واضِحَةِ الإِنتِماءِ ، لِتَعْمِيمِ { مَفْهومِ الوطنِ } و نَشْرِ {ثَقافَةِ المُواطَنَةِ} ، قَدْ سَقَطَتْ الى عُمْقِ الهَاوِيَةِ..!
سَقَطَتْ { المُواطَنَةُ } و قَامَتْ على أَنْقَاضِها { مُواطَناتٌ خاصَةٌ } مَدعومَةٌ و مَحْمِيَّةٌ...!
هي { مُواطَنَاتٌ خاصَةٌ } لها مُلْهِمُوها و فلاسِفَتُها و قَادَتُها و أَتْبَاعُها و مُناضِلوها و شُهداؤُها و زَبائِنُها و ضَحَاياها ، و لها عَقَائِدُها و فَلسَفَاتُها و أَنْظِمَتُها و كِيَانِيَّتُها و نَهْجُها السُلُوكيَُ المُرْتَكِزُ على سِياسَةِ الإِقْتِطاعِ والضَمِّ و الفَرْزِ و تَرْسيمِ الحُدودِ الخَاصَةِ بِكُلِّ { إِقطاعِيَّةٍ } تَلْبِسُ لُبُوساً طَائِفِيَّاً أَوْ مَذْهَبِِيَّاً أَوْ عَقِيدِيَّاً أَوْ قَبَلِيَّاً ، و بِكُلِّ نَزْعَةٍ حَنَّانَةٍ الى مَجْدٍ عَتيقٍ إِنْدَثَرَ..!
و لَيْسَ غَريباً أَنْ تَتَّبِعَ هَذِهِ { المُواطَنَاتُ } النَاشِئَةُ نَهْجَ مَنْ غَبُرَ و سَلَفَ مِن وَلاءَاتٍ و إِنتِمَاءَاتٍ ، سَعْيَّاً لِتَشريعِ حُضُورِها والتَأكيدِ على ضَرورَةِ وُجودِها و تَبْريرِ أَفْعَالِها ، بِأَنَّهُ حُتِّمَ عليها أَنْ تَكونَ مكانَ { المُواطَنَةِ العامَةِ } التي ما إِنوَجَدَتْ مَرَّةً و ما كانَتْ لَحظَةً ، ولوْ مِنْ بابِ { المُواطَنَةِ التَجْريبيَّة } أَو { الوَطَنِيَّةِ الإِخْتِبارِيَّةِ }...فهيَ { مُواطَنَاتٌ } قَامَتْ على أَنقَاضِ { مُواطَنَةٍ مَنقوصَةٍ } ، تَماماً كما تُقَامُ مَعَابِدُ دِينٍ جَديدٍ على أَنقاضِ هَياكِلَ مُعْتَقَدٍ بَائِدٍ ، خَوْفاً مَنْ إِنبِعَاثِ جَذْوَاتٍ في خَبايا النُفُوسِ ، أَوْ إِيقَاظِ مُعْتَقَداتٍ في مُخَلَّفاتِ الرُؤوسِ ، تُسْتَعادُ مَعَها عَصَبِيَّةُ { المُوَاطَنَةِ المَرْكَزِيَّة } ، و إِذَّاكَ تَتَرَكَّزُ الأنظارُ و تَسْتَعِرُ الأَخْطَارُ على المُسْتَنْسَخِ و المُسْتَوْلَدِ مِنَ المَفَاهيمِ التَسْويقيَّةِ والتبريرِيَّةِ لِطَرْحِ هذا الجِيلِ المُصطَنَعِ والهَجِينِ مِنَ { مُواطَناتِ الضَرُورَةِ } ، التي تَنْمو و تَزدَهِرُ في حُقولِ الفَوضى و إِختلالِ الأَوزانِ ، و تَيبَسُ و تَمُوتُ في ظُروفِ الإعتِدالِ و الأَوْضَاعِ السَوِيَّةِ..!
إِنَّ مَرْكَزِيَّةَ القُوَّةِ في { المُواطَناتِ الناشِئَةِ } هيَ في الظَرْفِيَّةِ التي لَائَمَتْ بُزُوغَ فِكرَتِها و تَوْقيتَ طَرْحِها كَمْبْدأٍ وُحودِيٍّ لِلجماعةِ السياسيةِ التي تُطلِقُها كَفكْرَةٍ تَأْسيسِيَّةٍ ، وتُدَافِعُ عنها كَحَقٍّ مُكْتَسَبٍ ، و تَتَباهى بها كِإنجازٍ مُحَقَّقٍ ، و تَعْمَلُ لإِسْتِثْمَارِها كَمُنطَلَقٍ لِتَثبيتِ شَرعِيَّةِ فِيدراليتها و { مُواطَنَتِها الخاصَة } على حِسَابِِ الشَرعيَّةِ المَرْكَزِيَّةِ للوَطَنِ الجَامِعِ لِكُلِّ مُكَوِّنَاتِهِ المُجْتَمَعِيَّةِ و الطَائِفِيَّةِ والمَذْهَبِيَّةِ و القَوْمِيَّةِ و العِرْقِيَّةِ.
لَيْسَ مِنَ اليَسيرِ ولا مِنَ السَهْلِ أَبداً الحَديثُ عَنِ { المُواطَنَةِ } الخَالِصَةِ والتَبْشيرِ بِها ، كَعُنْصُرٍ إِنقاذِيٍّ لازِمٍ لِبَلَدٍ مُرَكَّبٍ و دائِمِ التَشَظّي ، و مَوْسَمِيِّ النِزَاعَاتِ و كَثيرِ الإِنقِسَامَاتِ و مُوَزَّعِ الوَلاءَاتِ و لَحْظَوِيِّ الإنتِمَاءَاتِ مِثْلَ لبنان !
لا ولَيْسَ مِنَ المُسَلَّمِ بِهِ ولا مِنَ المَسْموحِ إِطْلاقَاً أَنْ يَخْتَبِئَ الغَيْورونَ الصَادِقونَ أَوْ أَنْ يَتقاعَسوا عَنْ رَفعِ الصَوْتِ و إِتِخَاذِ المُبادَرَةِ بالمُنَادَاةِ (بِالتربيةِ على المُواطَنَةِ) و تَعْليمِ الناسِ مَبَادِئِها و التَدريبِ على عَيْشِها كَنَمَطِ حَياةٍ تَشارُكِيَّةٍ و طَوْعِيَّةٍ بينَ أَهْلِ البلَدِ الواحِد ، خُصُوصَاً في ظِلِّ إِنْعِدامِ عُنصُرَيْنِ لازِمَيْنِ للإِنصِهَارِ الوَطَني و التَكَافُلِ الإجْتِماعيِّ ، هُما : ١- عُنصُرُ التَكامُلِ بينَ الفِئَاتِ والطَبَقَاتِ ، في مُجتَمَعَاتٍ مَوْصُوفَةٍ (بالتَعَدُدِيَّةِ) ، حَيْثُ وُجوبُ التَفَاعُلِ معَ مَنْطِقٍِ {التَكامُلِيَّةِ} التي يكونُ لِكُلِّ مُكَوِّنٍ وعنْصُرٍ دَوْرٌ فيها ، مَهْما كَبُرَ أَوْ صَغُر..!
٢- عُنصُرُ الَمَقبولِيَّةِ الإرادِيَّةِ لِلإِنْضِوَاءِ في كَيْنونَةِ الوَطَنِ كَخَيارٍ ثَابِتٍ و كِيانٍ نِهائِيٍّ لِكُلِّ أَبْنَائِهِ خارِجَِ أَيِّ تَمْييزٍ أَوْ تَمايُزٍ أَوْ تَفَاوُتٍ بَيْنَ شُعُورَيْ ( الإِعْتِزازِيَّةِ ) و ( المَقْهورِيَّةِ )!
يَنتُجُ عَنْ ذَلِكَ تَثْبيتُ القَنَاعَاتِ و تَوْحيدُ الرُؤى بينَ الجماعات حَوْلَ مُثَلَّثٍ قِيمِيٍّ ، أَضْلاعُهُ : سِيَادِيَّةُ الوَطَنِ ، و مَعنى الإستقلالِ ، و مَفهومُ الحُرًّيَةِ ، و التي هِيَ رَكيزَةُ أَيِّ خَيَارٍ حُرٍّ و قَرَارٍ جَريئٍ و مَوقِفٍ صَريحٍ..!
ما حَرَّضَني الى هذهِ المُقارَبَةِ ، ضُمورُ الحِسِّ بِ {الموَاطَنَةِ } عِنْدَ فِئاتٍ كَثيرَةٍ من اللبنانيين ، على حِسَابِ بُروزِ { مُوَاطَناتٍ بَديلَةٍ } ، مُنْبَعِثَةٍ مِنْ عَوامِلَ حَادَّةٍ ، أَبرَزُها :
١- إِفتِقَادُ المُجتَمعِ اللبناني ، المُرَكَّبِ و المُتَشَظِّي لِلتربيةِ على {المُواطَنَة } ، بِحَيْثُ بَرَزَتْ مَشاعِرُ مُختَلِفَةٌ و مُتباعِدَةٌ أَوْ مُتنافِرَةٌ حَوْلَ القِيَمِ والمَبادئِ والمفاهيمِ التي يُبنى عليها الوَطَن .
٢- عَدَمُ وُجُودِ إِلتِفَافٍ حَقِيقيٍّ لِلوَلاءِ المُوَحَّدِ حَوْلَ نِهَائِيَّةِ الإنتِمَاءِ للوَطَن ، بِسبَبِ التَبَاعُدَاتِ التي فَرَضَتها الأحْداثُ و ما أَفرزَتهُ من وَلاءَاتٍ كَثيرَةًٍ، حَيْثُ غابَ لبنانُ المُوَحَّدُ و حَضَرَتْ {اللُبْنَانَاتُ المُتَشَرْذِمَة}.
٣- إِفتِقادُ لبنان {لِخِدمةِ العَلَمِ } التي أُوْقِفَ العَمَلُ بِها و إِعتِمَادُها ، كَعُنْصُرِ جَمْعٍ و إِنْصِهارٍ فِكريٍّ و تداخُلٍ سُلوكِيٍّ بينَ الشبابِ اللبناني، الذي تَجْهَلُ نِسبَةٌ كبيرَةٌ مِنهُ ، كاملَ الخارطةِ اللبنانيَّةِ على صِغَرِ مِساحتها ، و لا هيَ تَعرفُ خصائصَ الجَمَاعاتِ الروحيةِ وتعاليمَها و قِيَمَها ، في الوقتِ الذي تَتَنَشَّأُ فيهِ أجيالُنا الشبابيةُ على مَعارفَ وثقافاتٍ غَريبَةٍ ، و تَنْقادُ وراءَ عَاداتٍ إِستهلاكِيَّةٍ غريبةٍ عن طِباعِنا و أَطبَاعِنا ، فقط لأن بَعْضَ الشباب لا يَعرِفُ كل لبنان ولا كُل اللبنانيين ، لأن الدولةَ تقاعَسَتْ و تهاونَتْ و تركتْ مَطرَحها لغيرها و إستقالتْ من دورها طَوْعاً و خُنوعاً و إستسلاماً..!
فَكَيفَ نُعيدُ هنَدسةَ قِيمَنا و نُرَسِّمُ مبادئنا و نبني لن وطناً جديداً ، ونَحنُ أَغرابٌ عن وَطننا و فاقدون َ للمواطنة.!؟