أنطوني جعجع - هذا ما حصل مع ماكرون

  • شارك هذا الخبر
Sunday, September 27, 2020

لم يكن أحد في محور الممانعة ،من الرئاسة الأولى إلى حزب الله وحركة أمل والتيار الوطني الحر ، يريد السير جديا خلف الرئيس إيمانويل ماكرون، ولا تمرير مبادرته الإصلاحية، وجل ما كانوا يريدونه أساسا، تنفيس الشكوك التي كانت تحوم حول أدوار مختلفة لهم تتفاوت بين التورط والإهمال والتقصير في انفجار مرفأ بيروت، إضافة إلى احتواء اي تحرك في الشارع لا تقوى السلطة على تشويه أهدافه او التنكر لأسباب غضبه وثورته ...

جلسوا مع ماكرون من دون أي نية للمشاكسة او الاعتراض .. لقد كانوا مهيئين لتلقي اي اتهام او تأنيب او تهديد أو تجريح او تهويل في مقابل ان تنقلهم فرنسا من قفص الاتهام بعد تدمير بيروت وتسرب الفضائح، إلى مرحلة يكون فيها بعض الناس قد دفنوا موتاهم، والبعض حزم حقائبه ورحل، والبعض بدأ بترميم منزله بما تيسر، والبعض انتقل للعيش في مكان آخر، والبعض رضي بالمساعدات التي حطت من كل حدب وصوب في المناطق المنكوبة بعيدا من جيوب السلطة الحاكمة...

جلسوا مع ماكرون مرتين ... هزوا برؤوسهم طاعة وايجابا ... لم يعترضوا على ماخذه وما يُمسك عليهم من ملفات وصفقات وسرقات وسمسرات .... لم يكن لكرامات البعض اي انتفاضة، ولم يكن لمرافعات البعض اي صدى ، وذهب الرئيس الفرنسي إلى بلاده وفي ظنه أنه استنسخ الرئيس شارل ديغول ودوره في لبنان، او انه تعامل مع ساسة لا يزالون يرون في فرنسا ما لا يرونه في اي مكان دولي او اقليمي اخر، أو أنه يستطيع أن يقول للإيرانيين ها قد عدتُ او يقول للأميركيين ها قد نجحت...
محمد رعد جلس هناك كما يجلس تلاميذ الصفوف الداخلية، كان همه أن يبعد حزب الله عن انفجار بيروت، وعن اي علاقة له به سواء على مستوى التخزين او التفجير .. لقد كان نسف نصف العاصمة وضرب ثلث سكانها أعتى مما فعلته إسرائيل في حرب تموز...

رعد استمع الى ماكرون، فلم يزأر ولم يزمجر ولم يرفع لا صوتا ولا اصبعا، مكتفيا باقتراحبن خبيثين لم يتوقف عندهما الرئيس الفرنسي اما تواطئا واما غباء ...
اما الباقون ، فقد توزعوا بين واحد خائف من عقوبات تطاول امواله، وواحد خائف من الا تعطيه فرنسا ما لم يأخذه من سواها على مدى السنوات الثلاثين الماضية...
ودَّعوه بالبسمات والوعود والعهود وتهافتوا على القصر لتسمية مصطفى أديب والسعي لتشكيل حكومة استثائية لظرف استثائي لا تنتمي لأحد ولا تدين لأحد ولا تُرتهن لأحد ...
وحده مصطفى أديب أخذ المبادرة على محمل الجد، وظن أن المكيدة لن تأتي من "أشرف الناس" ولا من "صمام الأمان" ولن تأتي من "بي الكل" الذي أثبتت التطورات انه تبادل الأدوار مع الثنائي الشيعي بحيث يرفض ما يرفضانه ويرفضان ما يرفضه... فالفريقان يتقاسمان هما مشتركا: كيف نهرب من العقوبات الأميركية التي بدأت تطاول اهل البيت، وكيف نمضي الوقت قبل الوصول إلى الانتخابات الرئاسية الأميركية ...

مضى شهر على تكليف أديب ونحو شهرين على انفجار المرفأ.. فلم يجرؤ عون على التوقيع فأنقذ نفسه ولم يجرؤ أديب على قلة الادب فأنقذ سمعته...
الشارع هادىء والتحقيق محلي وبطيء ويشتري الوقت لمن يراهن على الوقت ... والناس بدأوا يتناسون ما أصابهم ولو على مضض .. فالشتاء على الأبواب والودائع رهينة في المصارف والدولة منشغلة بسد بسري ووزارة المال والختم الثالث، وتأثيرات السفر لم تصل بعد ...

ولم يكن هذا الواقع الا ما أراده حزب الله تماما ، إضافة إلى أمر آخر، الصوت الاعتراضي الفرنسي في مجلس الأمن ضد قرار أميركا التجديد لقانون حظر السلاح عن إيران...
ها هو مصطفى أديب ينسحب من المهمة ليسحب معه كرامة فرنسا وما تبقى من هيبتها في لبنان والشرق الأوسط، وها هو حزب الله يقول لإيران ها قد نفذ الأمر عل طريقتنا ولن يكون في لبنان الا ما تمليه كواليس الأئمة في قم او طهران ..
وزير الخارجية الإيرانية محمد جواد ظريف سأل من موسكو: ماذا يفعل ماكرون في بيروت ؟ قالها بوقاحةِ فاتحٍ ويقين قادر ... فلم يرد رئيس الجمهورية على من يتنكر لسلطته وسيادة بلاده، ولم تتحرك الأحزاب السيادية لتسأل عما يفعله الإمام خامنئي في لبنان ...
ترى ماذا يقول ماكرون المخدوع اليوم ردا على نسف مبادرته ومعها هيبته ...

هل يحرك البوارج وهو الذي تراجع امام تركيا في شرق المتوسط ؟وهل يضع حزب الله على لائحة الارهاب الفرنسية هو الذي نفى قبل أيام وجود متفجرات له في الأراضي الفرنسية ،؟وهل يعاقب إيران هو الذي يعترض بل يعرقل سياسة العقوبات الأميركية؟ وهل يضغط على مجلس الأمن للعمل على تطبيق القرار ١٥٥٩ الذي يجرد حزب الله من سلاحه ،وهو الذي أبعد هذا الملف في أروقة قصر الصنوبر؟ وهل يعمد إلى تسليح الجيش هو الذي لم يتطرق إلى دوره الأحادي في اي من إطلالاته الإعلامية في بيروت ...؟
قد لا يذهب ماكرون بعيدا في رده .. فهو يعرف ان المشاكسة مع محور الممانعة لا تمر على خير ... فقد اختبرها سابقا في شوارع باريس واختبرها امس في مقر الجريدة الكاريكاتورية وفهم الرسالة...

ممنوع اللعب مع الذئاب الإيرانية عندما تجوع... وممنوع القفز فوق الصيادين الاميركيين عندما يضيقون على الفريسة ..