جورج بشير- مجلس وزراء أم مجلس ملّي؟!

  • شارك هذا الخبر
Friday, September 25, 2020

على هامش المشاورات التي جرت بعد استقالة حكومة الرئيس حسان دياب، وجدَ اللبنانيون المصابون النكبات تلاحقهم منذ بدء الازمة المالية والاقتصادية والمعيشية مروراً بتمنّع دولة لبنان الكبير عن سداد ديونها والتداعيات المخجلة لهذا القرار بعدم الوفاء بالالتزامات، ونضوب الخزينة من المال العام بسبب عدم اعتماد سياسة المساءلة والمحاسبة من زمان في لبنان بفِعل «شطارة» معظم الطاقم السياسي الذي تعاقب أركانه أبّاً عن جد على كراسي الحكم والحكومة ومجلس النواب حتى الادارة والمؤسسات العامة، وجدوا ذواتهم في شبه حالة ضياع وقهر وهلع على المستقبل، مع الانتشار المريع لوباء كورونا والانفجار المروع الذي هزّ بيروت ولبنان على أثر هول الدمار اللاحق بمرفأ بيروت التاريخي وتداعياته الى اليوم. وقد سبقه أخطر موجة انهيار اقتصادي ومالي لم يعرف البلد مثيلاً لها في تاريخه لِما رافقها أيضاً من انهيارات في قطاعات الانتاج والتجارة والعمل في القطاعين العام والخاص، ما أفرز خطراً في انعدام فرص العمل للبنانيين الذين اضطروا صاغرين بسبب تواطؤ محلي وإقليمي ودولي على تَحمّل ضيافة ما نسبته نصف عدد المواطنين من الضيوف سواء كانوا لاجئين ام نازحين يتقاسمون فتات ما تبقّى لأبناء لبنان من طاقة وفرص عمل وخيرات.



هذه التراجيديا الخانقة التي تواجه اللبنانيين بفِعل تقصير وتواطؤ وجشع معظم الطاقم الحزبي والسياسي والميليشياوي ظَنّ هؤلاء اللبنانيون انّ سياسييهم تغيّروا او بدلّوا في نفوسهم تبديلاً، وانّ حكومتهم العتيدة لا بد وأن تبصر النور بسرعة لإنقاذ البلاد والعباد مما هو فيه وعليه، وانّ حكومة الانقاذ التي تضم أكفّاء واختصاصيين في البناء وإعادة التأهيل لبيروت خاصة في بناء الدولة العصرية التي تواكب ما يجري من تغييرات سياسية وجغرافية في المنطقة العربية بَدّلت تاريخها وجغرافيتها السياسية.





اللبنانيون الذين حلموا بوعي الطاقم السياسي لِما بات يحتاج البلد الى تحقيقه من دون إبطاء، وجدوا انّ التغيير حلّ بالمواطنين وآلمهم ولا يزال مُنزلاً بهم أشد النكبات، فيما هذا التغيير لم يلامس الطبقة السياسية والحزبية والميليشياوية الحاكمة التي ما زالت تعيش حال الماضي الذي أوصَل لبنان الى ما وصل إليه، إذ انّ معظم هذا الطاقم ما زال يعيش في الماضي التعيس الذي أوصَل لبنان الى الحال التي يعيشها اليوم.



هذا الطاقم في معظمه كلّ فريق منه يتطلّع الى حصته، والبعض الى حصة غيره كأننا ما زلنا في زمن المحاصصة، فيما بعض هذا الطاقم ينتظر البعض الآخر على الكوع كي يفرض شروطه المضادة، مدّعياً انّ ما يطالب به حق له بموجب الدستور (دستور الطائف). فيما هذا الدستور لا يخصّص أيّاً كان بأيّ مقعد من مقاعد مجلس الوزراء ولا بأية حقيبة بالاسم، إنما ينادي ويركز على اعتماد الكفاءة والاهلية الوطنية.



لا شك بأنّ ما أوصَل لبنان الى ما وصل إليه هو عقلية الذين جلسوا على كراسي الحكم والمسؤولية وتقاسم هذه الكراسي مع مغانم الحكم وغنائمه باسم الطوائف أو حتى باسم الشعب فلم يحاسبوا او يُسائلوا بعضهم بعضاً، حتى مجالس الوزراء والادارات كان الطاقم السياسي يتوزّع مقاعدها «بالتساوي» بحيث يعود الجالس على كرسي الحكم او مجلس الادارة ملزماً الى الزعيم السياسي او الحزبي او الميليشياوي الذي «أنعَم» عليه بهذا المقعد او بهذه الحقيبة، فضاعت «الطاسة» ومعها المسؤولية مع ضياع الاصلاح والتغيير ممّا أوصل البلد الى استبعاده حتى عن مجلس الشرق الاوسط لبعض الدول المنتجة «للغاز»، والى ابتعاد العدد الكبير من الدول الصديقة عن الاستثمار في قطاعاته الانتاجية والسياحية وإحجام الدول الشقيقة حتى عن زيارته والتمتّع بما حَباه الله من طبيعة خلّابة ومواسم اصطياف وإشتاء، وإحجامها عن مواصلة الاسهام في نهضته الاقتصادية والاجتماعية.



هل انّ دستور لبنان يلحظ في أحد بنوده تخصيصاً لأية طائفة او حزب او ميليشيا مقعداً معيناً في مجلس الوزراء مثلاً كي يتأخر ويتعقد أمر تشكيل وإعلان الحكومة العتيدة التي يفترض ان تكون حكومة إنقاذ للوطن من الهلاك؟





النائب السابق الاستاذ ادمون رزق الذي كتب دستور الطائف، يؤكد بأنّ أحداً من المشاركين في المؤتمر لم يُثر او يقترح اي شيء يتعلق بتخصيص طائفة او حزب او كتلة سياسية. فما هو مبرّر تجميد تشكيل حكومة الانقاذ المعتمدة على الكفاءة والاختصاص أسابيع وأشهراً من دون ان يصغي مَن بأيديهم الحل وفاقاً للدستور الى أنين اليتامى والثكالى والمعوزين والمواطنين الذين يعيشون في بيوت من دون سقوف ولأولئك الذين أصبحوا لاجئين في وطنهم؟



مجالس الوزراء والادارات التي لا تنتج يعود السبب الرئيس في قلة إنتاجها الى كون معظمها تحوّل الى ما يشبه المجالس «المليّة» التي يتوزّع مقاعدها من يعيّنهم زعماء وسياسيون وحزبيون وفاقاً للمنطق الطائفي وليس سنداً لكفاءتهم الثقافية واختصاصاتهم ونجاحاتهم في مجالات الحياة.



الرئيس فؤاد شهاب، عند إنجازه بناء أسس دولة المؤسسات، قال للشيخ فريد الدحداح أوّل رئيس لمجلس الخدمة المدنية، في حضور أركان الطاقم السياسي الحاكم أوّل الستينات: من الآن وصاعداً يا شيخ فريد لا تعتمد إلّا على ما في الكتاب (الدستور)، ولا تأخذ بما توصي به بطاقات التوجيه من «الفروماجيست». فهل انّ لبنان ما زال في ظل عهد «الفروماجيست»؟!