مصيرُ لُبنان المَكتوم، بالفوضى الجارية معلوم... بقلم ألحان فرحات

  • شارك هذا الخبر
Thursday, September 24, 2020


كتبَ الروائي ومؤسّس ائتلاف الشباب اللّبناني ألحان فرحات:

منذ ثورة العام ٢٠٠٥ التي أخرجت الاحتلال السوري من لبنان، لم يكن هناك من ثورات بل مجرّد مهاترات سياسيّة لا تقدّم ولا تؤخر على مستوى الدولة والنظام. أمّا حركة ١٧ تشرين فما كانت ثورة أبدا بل مجرّد انتفاضة فقر وجوع خَرَّجَت مجموعات سياسية تواقة للسلطة، وأخرجت الشعوب اللّبنانية من بوتقات الأمان الى ساحات الفوضى، وأشغلت القوى الأمنية والجيش اللُّبناني بغير حقّ.

فما حدَث في السنوات الخمسة عشرَ الماضية، لا يعدو كونه تجاذبات حزبية على حصصٍ ومحاصصات "زعاماتية" متلطيّة باتفاق الطائف "الأرعن"، حيث أنّ فريق الرابع عشر من آذار خان شعوبه بالتسويّات المحليّة بعد أن وصل للسلطة بأكثرية نيابية في انتخابات شرعية. أمّا فريق الثامن من آذار فقد أذعن لا بل ذهب حتى النهاية خلف الوصايات الاقليمية والتبعيات الدولية، ليكون الفريقين قد قصّروا بحقّ لبنان أشرّ تقصير.

إنّ على "الشعوب" اللّبنانية أن تُدرك أن مسألة إلغاء الطائفية السياسية عبارة عن هرطقة دستورية لا يمكن تحقيقها ولن تعدو كونها "علكة" ممنوحة من أمراء الحرب لأتباعهم كيما يتسلّوا فيها؛ ومن ناحية أخرى إنّ مفهوم العيش المشترك ليس سوى "كذبة وطنيّة" كبيرة، لأنه مفهومٌ يخالف المنطق ويعاند العقل، بحيث لا يمكن إنصهار الجماعات الدينية المتعدّدة، لأنها أصلًا تختلف بالجوهر والنهج والغاية، وكم تكثر الأدلة على ذلك.

إنّ من مسؤولية اللّبنانيين أن يعوا، أنّ لبنان ليس بلدًا سيّدًا ولا حُرّا ولا مستقلا كما يسمعون دائما من حكّامهم في خطاباتهم الهشّة، أمّا مَن يقول بغير هذا فإمّا أنّه جاهل بالعلوم السياسية، أو شخصٌ مرائي بالوطنية، أو مواطنٌ يحيا بذميّة ذا لأنّ السيادة لا تكون منقوصة، والاستقلال لا يكون جزئيًا، والحرية لا تكون استنسابية.

فذاك فريقٌ إيراني يحكم بقوة المصالح العسكرية، وذاك فريق فرنسي يحكم بقوة المصالح الدبلوماسية، وتلك فرق بتبعيتها عربية أو روسية أو أمريكية، في حين أنّ البلد عالق بين مناوشات التمثيل المسيحيّة، وحصرية "المقاومة" الشيعيّة، والمناحرات السُنيّة، كما الإجحاف والظلم بحق الأقلية؛ ليعكُس كلّ ذلك المشهدية الحقيقية، والحقيقة التمثيلية الواقعية بأنّ لبنان بشعوبه كافة لا يعرف الكيفية في الظروف الآنية، بينما تَشرَعُ العقول السياسية الخارجية العالمية منها والاقليمية بالتخطيط والتفكير والعمل؛ فها هم اللبنانيون اليوم يعيشون الفوضى الخلّاقة بسبب "مطاردة" الأفكار الرومانسية والرغبة عبثًا بإحلال الدولة العلمانية دون أدنى معرفة بالخطط الجيوسياسية العالمية للمنطقة الشرق أوسطية.

أمّا عندما قدّم البعض طرح الفدرالية كحلّ (ونحن منهم بكلِّ فخرٍ واعتزاز)، خرجت بعض الأصوات الجاهلة بعلم السياسة، وتواردت علنًا ذبذبات التابعين لأهداف الرياسة أولئك المتشبصين برومانسيتهم الخيالية وعلمانيتهم اللاواقعية، ليتهموا أصحاب هذا الطرح الاتحادي المؤسّساتي الوحيد للأسف بحمل نوايا التقسيم واللامواطنة، معتقدين خطأً بأنّ الفدرالية تقسيم بينما هي فكرة اتّحاد واتّفاق على عدالة التمثيل وفق التعدّدية الطوائفية ضمن الوحدة في دولة واحدة موحّدة. لكن من الواضح الآن، أن الأوان قد فات على أي طرح أو حلّ، وقد صار المصير المكتوم، بالفوضى الجارية معلوم.

لذا كما قلنا قبلًا نكرّر دومًا بأنّّ لبنان ذاهب الى المجهول، فلا يعتقدّنّ أحدٌ بأن لبنان سيعرف الخلاص أو الراحة قبل حلّ مسألة التوطين ليس فقط للفلسطنيين بل للسوريين أيضا، كذلك إعلان موقف الدولة اللبنانية الرسمي صراحةً لجهة صفقة القرن "الكوشنيرية"، وتبيان الإتفاق الدولي على توزيع الحصص البترولية والغازية اللبنانية في لعبة الأمم. فكلّ ذلك لن يبدأ بالتحقق قبل التواجد الروسي العسكري على برّ لبنان بدءً من شماله، كما انتشار بوارج الأوروبي لجهة الغرب في بحره. عسى أن نكون بتفكيرنا وتحليلنا مخطئين.. أمّا العُبرة لمَن يعتبر، وإنّ لله في خلقه شؤون. ويبقى الأمل ببقاء الوطن إذا كُنّا كُلّنا وطن.

أعيشُ مبدَئي ما بقيت: أن أموتَ واقفًا حُرًّا مفكِّرا، خيرٌ لي مِن أن أعيشَ جاثيًا جاهلًا مقموعا.