«ماما، بابا، ما بدّي نام وحدي»

  • شارك هذا الخبر
Friday, September 18, 2020

د. أنطوان الشرتوني

بعد «الكارثة» التي حلّتْ بلبنان في الرابع من شهر آب، كانت التداعيات مؤسفة وحزينة على جميع اللبنانيين والعالم أجمع. والكثير من الدول وقفت إلى جانب لبنان ومصيبته، التي تمّ إعتبارها من أقصى المصائب في أيامنا هذه. ولم تقتصر التداعيات «الكارثية» فقط على الشهداء الذين نطلب لهم الرحمة، ولا على الدمار الذي تغلغل في كل زوايا بيروت، بل طالت التداعيات الأطفال أيضاً. وقد ظهرت السلوكيات والاضطرابات عند أطفالنا، بعد أكثر من شهر على الكارثة، بسبب الصدمة. ومن أكثر الإضطرابات التي ظهرت على أطفالنا هو الخوف من النوم. فكيف يمكن تفسير سبب هذا الخوف؟ وكيف يمكن للأهل تخفيف آثار الصدمة على أطفالهم؟
للنوم قيمة أساسية في حياة الطفل، فهو الذي يؤمّن النمو الجسدي والتوازن النفسي له. ففي سن الطفولة، خصوصاً ما بين السنتين والثلاث سنوات، تظهر عند الطفل بعض الاضطرابات الطبيعية في نومه. وغالباً ما تكون هذه الاضطرابات ردّة فعل تجاه النمو الجسدي والنفسي والاجتماعي عند الطفل. وفي بعض الأحيان، يمكن أن يُفسّر اضطراب النوم الطبيعي عند الطفل بأنّه عدم الشعور بالأمن أو الخوف من شيء ما. ولكن، بعد الصدمة التي عاشها كثير من الأطفال اللبنانيين بعد إنفجار المرفأ، إضطرب النوم عند كثيرين منهم، كما اختلفت نوعية النوم وكميته.



النوم وأهميته لطفلنا



النوم مهم للنمو النفسي، وكذلك للنمو الجسدي. فتتجدّد خلال النوم نشاطات القوى النفسية والحسية والعضوية، وطبعاً عند قلّة النوم نجد الطفل خمولاً وضعيفاً وخائر القوى. ويساعد النوم في التركيز وفي النضج الطبيعي، والنمو السليم، والتكيّف الاجتماعي في الأسرة وخارجها، وفي السيطرة على النشاطات التي يقوم بها الطفل خلال النهار.



إضطراب النوم عند طفلنا



عدم القدرة على النوم قليل الشيوع في الطفولة، ويظهر خصوصاً خلال فترات النمو أو التغييرات الكبيرة في حياة الطفل: صدمة كبيرة إختبرها، ولادة طفل جديد في العائلة، صراع في الأسرة أو حدوث خلاف بين الزوجين، طلاق الوالدين، موت أحد الأقارب... فتظهر المخاوف عند الطفل، فيرفض مثلاً النوم، خوفاً من أن يتمّ سلخه عن العائلة.



وبعد الصدمة التي أودت بحياة أكثر من 200 شهيد مع دمار شامل في بيروت، بكى العالم كله على مدينتنا العزيزة، وظهرت إضطرابات عند الأطفال، ومنها عدم القدرة على النوم، أو عدم قبول الطفل أن ينام وحيداً في فراشه. فبعد الأصوات المرعبة التي سمعها والمشاهد الدموية التي شاهدها، كثير من الأطفال حفظوا في ذاكرتهم المأساة ولا يريدون النوم، خوفاً من الموت.





لذا، نرى ظاهرة الرعب الليلي، أي المخاوف الليلية التي تحدث عند كثير من الأطفال، حيث يستيقظون من نومهم العميق، يصرخون ويبكون بسبب الكوابيس، ويتنفسون بصعوبة ويكونون متوترين بشكل واضح.. كما قد يكونون فاقدين للوعي وللاتجاه الزماني والمكاني، ومع ذلك فهم يجيبون عن الأسئلة ويهدأون تدريجياً مع وجود الأهل بقربهم. أهم أشكال إضطراب النوم عند الأطفال بعد كارثة بيروت هو الأرق، أي عدم القدرة على النوم، وصعوبة البدء في النوم، أو الوصول إلى نوم عميق وعدم الراحة خلاله، أو الاستيقاظ مرات عدة في الليل أو الإستيقاظ المبكر في الصباح.



بعد التأكّد من عدم وجود مرض عضوي (مثل مشكلات في الإمعاء، وإرتفاع الحرارة، وضعف التنفس)، على الأهل أن يتأكّدوا إذا كان الطفل قلقاً أو خائفاً من شيء ما. وأبرز مسببات الأرق المزعج للطفل كما لوالديه:



- الإرهاق الجسدي والضغوطات النفسية والتوتر،

- تأخّر أوقات الذهاب إلى النوم أو تغيير مكان النوم،

- الحرمان من الأب أو الأم،



- الأزمات الأُسَرِية أو المدرسية،

- الشعور بالذنب والخوف من الوقوع في الخطأ،



- مضايقة زملاء الطفل له في الروضة أو المدرسة،

- الاستثارة الشديدة في النهار،

- الغيرة من الإخوة، والخلافات مع الأطفال الآخرين.



عند مقاومة الطفل وقت الخلود إلى النوم، عادةً تكون نتيجة القلق أو الإثارة الزائدة. ويكون هو بحاجة إلى الإطمئنان من الوالدين، حيث يمكن الاستعانة ببعض الموسيقى الهادئة مع قصة جميلة لإنهاء النهار بالهدوء والسكينة.



وأهم أسباب مقاومة الذهاب إلى النوم وحلولها هي:



- الخوف من الظلام، على الوالدين أن يتفهما

ذلك وألّا يوبخّا الطفل. بل يجب تشجيعه على التحدث عن خوفه، ومحاولة إقناعه بأنّ ذلك الخوف لا مبرّر له. كما بإستطاعة الأهل ترك ضوء خفيف جداً مضاء في غرفته.

- عدم شعور الطفل بالنعاس، هنا، يجب تقليص فترة النوم للطفل خلال النهار، وعدم إجباره على الخلود إلى النوم إذا لم يشعر بالنعاس.





بعض الإقتراحات لتفادي مشكلة اضطرابات النوم عند الأطفال



1- معرفة مصدر القلق والخوف، وتشجيع الطفل للإفصاح عن مشاعره،

2- جعل وقت النوم وقتاً مرحاً، دون إجبار الطفل على النوم،



3- جعل الساعة التي تَسبِق نوم الطفل مريحة وهادئة وخالية من الشجار والانفعالات مع الطفل أو داخل الأسرة،

4- عدم إجبار الطفل على النوم بعد تعرّضه للضرب أو للتوبيخ بطريقة قاسية أو متسلطة،



5- تحديد ساعة ثابتة للنوم، ولكن تكون مرنة عند الحاجة،

6- قراءة قصص جميلة تبعث في نفس الطفل الهدوء والإطمئنان،



7- عدم إغلاق باب غرفة النوم وإطفاء الأنوار،

8- عدم إطعام الطفل السكريات قبل النوم،

9- تهيئة الطفل قبل الذهاب إلى النوم ومنحه أشياء تبعث الطمأنينة، مثل لعبة من القطن يمكن احتضانها خلال النوم.