قوات متعددة الجنسيات لـ"تطويع" حزب الله؟

  • شارك هذا الخبر
Friday, August 14, 2020

لم تتوقف المقاطع الصوتية، مجهولة المصدر، التي تتناقلها مجموعات "الواتسآب" للتحذير من عمل عسكري غربي ضد "حزب الله". يزعم المجهولون فيها أن الغرض من رسو البوارج العسكرية الفرنسية هو التحضير لحرب.

يستند هؤلاء الى مواقيت سياسية بالغة الدقة: التجديد لقوات حفظ السلام الدولية العاملة في الجنوب (اليونيفيل) والمطالبة الأميركية بتعديل ولايتها، وانفجار المرفأ، وسقوط الحكومة اللبنانية المدعومة من الحزب، وتواقيع السلام العربية المتوقعة بعد تطبيع العلاقات بين الإمارات واسرائيل، وقرب نهاية الولاية الأولى للرئيس الأميركي العازم على ادخال "صفقة القرن" حيّز التنفيذ.

ثمة الكثير من التحليلات والخرافات التي تغري بالتهويل. عند كل حدث، تخرج فئة مجهولة للحديث عن مؤامرة كونية "ضد لبنان الحاضن للمقاومة"، وعن مسارات المواجهة. تسخّن تلك التحليلات، عبر السوشال ميديا والأخبار المضللة، تصريحات لشخصيات ما انفكت تستضيفها الشاشات، وترسم سيناريوهات "ابوكاليبسية".. ينتشر الخوف في الشاشات الصغيرة، ويخرج في مواقع التواصل الاجتماعي على شكل معلومات جازمة، لا تحمل أي دليل على قائلها.

ومحاولات الدحض لكل تلك المعلومات، لا تنفع. ثمة مسلَّمات تستند الى "توقعات ميشال حايك". "ألا ترى كيف صدقت توقعاته؟".

إذن لا ترتبط التحليلات بالمعلومات، بقدر ما ترتبط بالتوقعات. الشعب يعتاش عليها، ليؤكد نظريته عن مخطط دولي "لتطويع المقاومة". وتتسع مساحة الخوف في مواقع التواصل: "وصلت البارجة البريطانية.. وصلت البارجة الفرنسية.. البوارج الأميركية في البحر.. لجنة من FBI تشارك في التحقيقات في بيروت"، لتخلص الى سؤال: "هل هناك تكرار لأحداث 1983 حين نزلت القوات متعددة الجنسيات الى بيروت؟" والسؤال الحاسم: "ألم تنزل القوات الفرنسية والأميركية الى بيروت في ذلك الوقت قبل أن تتعرض لتفجيرات"؟

تتعدد الأسئلة، وتخلط الماضي بالحاضر، والهاجس بالمتوقع. فتدويل الأزمة اللبنانية، بالفعل وقع، من طلب مساعدة صندوق النقد الدولي، الى المطالب بلجنة تحقيق دولية في تفجير المرفأ، الى المشاركة الدولية في التحقيق فعلياً، وهو مرتبط قبل أي شيء بسياق الأزمة اللبنانية المستمرة المرتبطة بالفساد. تلك التي استدعت تلك التغييرات، وحفزّت على تدخل أكبر ربما يرتبط برسم معالم السياسة الخارجية القائمة على النأي بالنفس أو الحياد...

لكنه في الواقع، ليس تطوراً دراماتيكياً، كما اصطُلِح على وصفه، يُراد منه الحرب. فحزب الله، الذي يعترف به الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، كجزء من التركيبة السياسية الداخلية، لا يبدو انه سيكون في مواجهة مع أحد. أولى الاشارات ستُقرأ في شكل الحكومة المقبلة، وهي أجواء لا تبدو تصعيدية. فضلاً عن أن الخلافات الحدودية، تسير في اتجاه الحلحلة، وتخضع التطورات الأمنية جنوباً الى ضوابط دولية.

إذن، ماذا تفعل البوارج الحربية في مرفأ بيروت؟

في الجانب المعلن، ثمة مساعدات انسانية ومشاركة في التحقيقات عبر تقديم تقنيات لبناء تصور عن تفجير المرفأ. وفي الجانب المضمر، لا تقتصر الرسائل على الداخل اللبناني ومحاولات ضبط أي تدهور أمني جنوباً، بوجود عسكري. ثمة تطورات في شرق المتوسط تستدعي الحضور الغربي الداعم لليونان في مواجهة محتملة مع تركيا، على خلفية الصراع على التنقيب عن الغاز في حوض المتوسط. وبالتالي، قد يكون الساحل اللبناني ساحة دعم لوجستي وقاعدة اتصالات بين القوات الغربية التي تتحشد لليونان في المتوسط.

ثمة رسائل كثيرة في التواجد العسكري، محلية وإقليمية، لا تلتقي كلها عند التقديرات باندلاع حرب وشيكة أو بتوجيه ضربة لحزب الله.. لكنها، في الوقت نفسه، والى جانب التدويل التدريجي للأزمة اللبنانية، تعرّي مفهوم "السيادة" اللبنانية و"كرامة" بيئة تتغنى بها، كما توجه ضربة قاسمة للحياد المطلوب. الأزمة اللبنانية مدوّلة، كذلك جغرافية البلاد، الى أمد غير منظور.


نور الهاشم- المدن