خاص- شهادتان مؤثرتان لزميلين أنقذتهما العناية الإلهية...

  • شارك هذا الخبر
Sunday, August 9, 2020

خاص- الكلمة أون لاين

عبير بركات

في اليوم الرابع من "الجريمة" التي هزّت العالم ما زالت الحسرة واللّوعة تملأ قلوب اللبنانيين، ومشاهد الألم تحرقهم وهم يحاولون لملمة جراحهم ودمار بيوتهم وأرزاقهم..

في هذه السطور، نتناول وجع زميلين لنا، وهما الإعلامية زينة باسيل شمعون والإعلامي موريس متى، اللذان نجيا من الموت وتمسّكا بالحياة بعدما أنعم عليهما الله بقيامة جديدة.

قصّة زينة وموريس هي واحدة من قصصٍ كثيرة نسمعها يومياً منذ أن قَلَبَ حياتنا زلزال مأساوي هو الأكثر قساوة في تاريخنا.

تقول زينة إن أصدقاؤها كانوا دوماً ينبّهونها ويطلبون منها الانتباه إلى نفسها سيما أن عملها الميدانيّ عند تغطية المظاهرات و"تسكير" الطرقات والمواجهات بين المتظاهرين و"الخارجين عن القانون" يعرضّها دوماً للخطر، ولم تتخيّل يوماً أن يوم إجازتها سيعرّضها لخطر الموت بينما كان من الممكن أن تتعرّض للخطر في أيام عملها وتغطيتها الأحداث.

تروي زينة أنها في ذلك النهار كانت تزور أهلها في منطقة الأشرفية وتركت منزل ذويها عند الساعة 5:45 لتلتقي بأصدقاء لها في الجميزة، فرَكنت سيارتها في موقف وناداها شاب يعمل هناك ليريها الحريق في إهراءات المرفأ، فأجابته بأنها لم تكن تعلم به لأنها في يوم إجازتها، ولكن واجبها الإعلامي لم يسمح لها بأن تمضي دون التقاط صور للحريق وإرسالها إلى موقع أخبار MTV. وبعدما تمّ إرسال الفيديو.. لم تعد تذكر شيئا.. فهي فقدت وعيها لمدة من الزمن ووجدت نفسها في مكان آخر عندما اسيقظت والدماء حولها جرّاء تكسّر زجاج على جسمها وقد طار هاتفها، ورأت مشاهد جدّ مؤلمة وموجعة وجثثا وناساً يطلبون النجدة، ولم يكن الصليب الأحمر والدفاع المدني قد وصلا الى المكان بعد.

ثلاثون دقيقة من الرعب والدمار والموت والخوف عاشتها زينة مثل غيرها من الذين تواجدوا في محيط المرفأ، مشت إلى مستشفى الوردية القريبة من المكان ولكنها خجلت أن تطلب المساعدة عندما شاهدت عدد الجرحى والحالات الخطرة، فالمشهد كان صادماً والمستشفى بحال يرثى لها، فعادت وذهبت الى مستشفى الجعيتاوي ورأت المشهد المؤلم نفسه.

أما الإعلامي موريس متى، فكان متواجداً بمكتبه في جريدة النهار وشاهد الحريق الذي اندلع في المرفأ وأبلغ زملاءه به كي يوثقوه، بعدها نزل إلى الطابق السفلي حيث يركن سيارته، ويروي أنه تذكر المرور إلى مدخل البناية ليستلم "غرضا" من أحدهم وإجراء مكالمة قبل أن ينقطع إرسال هاتفه في المرآب، وخرج من مبنى النهار فسمع الانفجار الأول، وعلى الفور أمسك هاتفه ليصوّر، لكن بعد لحظة اندلع الزلزال الأكبر الذي رماه من مبنى النهار إلى قرب مطعم وسط المدينة، وتساقطت ألواح الزجاج على جسده، لكنه بقي بوعيه وتمسّك بـ"شادر" من القماش ووضعه عليه مما حماه قليلاً من الردم والزجاج الذي تساقط لمدة 15 ثانية متواصلة، من كسور في قفصه الصدري الأيمن، لكن ذلك لم يمنع من تقطّع عروق يديه وتكسّر أصابعه مما استدعى قيامه بعملية فورية.

يقول موريس إن العناية الإلهية هي التي أنقذته، ففي الوقت الذي توقّف فيه الزلزال أخذ يبحث عن هاتفه بين الركام ليطلب النجدة وطلب من الله أن يرنّ هاتفه كي يعثر عليه، وهذا ما حصل!

لحظات الموت اختبرها موريس، هي دقائق تختصر العمر كلّه.. فهو لم يستطع أن يصل الى مستشفى الجعيتاوي بسبب القتلى والحطام وكل المآسي التي سببها الإنفجار، فحاول اللجوء الى مستشفى الروم بعدما اشتدّ نزيف الدمّ على جسده، ولكن وضعه كان مأساويا أكثر، فطلب من أحد الأطباء أن يلفّ يده بربطة ليصل إلى مستشفى آخر، وصعد مع أحد الأشخاص على دراجته النارية وأوصله الى الكرنتينا حيث كان أهله وأصدقاؤه بانتظاره فأخذوه الى مستشفى سيدة لبنان حيث تعالج من كسوره.

موريس الذي "شاف الموت بعيونو" لا يمكنه أن ينسى فضل إدارة والطاقم الطبي في مستشفى سيدة لبنان على اهتمامهم به وبجميع المرضى الذين أنقذوا حياته وحياة مئات الجرحى بإمكاناتهم المحدودة، وخصّ بالشكر د. جان مطر ود. صايغ ود. نصر ود. جورج حنا ود. مصابني وطاقم التمريض كله.

موريس يبدأ علاجاً طويلاً بعد الكسور التي ألمّت به وينتظر مثل كل اللبنانيين أن يُعاقب المجرم على أفعاله وأن تأخذ العدالة الأرضية مجراها.

الإعلامية زينة باسيل والإعلامي موريس متى نجيا بأعجوبة من إنفجار أودى بحياة شباب وأطفال، وأمام هول ما جرى، يمكن لجروح الجسم أن تداوى، لكن هل يمكن لجروحات القلب والألم والذاكرة أن تمحوها الأيام.. هنا تتوقف لغة الكلام!

يإسمي وبإسم كل الإعلاميين والشعب اللبناني نقول:

أيها السياسيون، ارأفوا بوجع الناس واشعروا بآلامهم.. قولوا لهم بعد انتهاء التحقيق من المسؤول عن موتهم.. حاسبوهم ولو لمرة في التاريخ.. أعيدوا ثقة الناس ببلدهم.. لا تؤلّفوا روايات ولا تتقاذفوا الإتهامات.. بَرّدوا قلوب الأمهات.. ولو لمرة أخبرونا الحقيقة وقولوا لنا من قتلنا وقتل براءة أطفالنا... وزُجّوا المجرمين في السجن حتى لو كانوا وزراء أو رؤساء.. لا تُغرقوا الحقيقة تحت الركام والأنقاض لتبقى مع جثث المفقودين.. لا تمنحوا أسبابا تخفيفية للمسبّبين بالجريمة كما تفعلون عادةً.. لقد سرقتم أموالاً كثيرة وحرقتم أعصابنا أمام أبواب المصارف وقتلتمونا على عتبة المستشفيات وفظّعتم بشعبكم على مدى سنوات.. إرحمونا من الجحيم هذه المرة.. وإلا فنهايتكم مأساوية!

Abir Obeid Barakat