خاص ــ الحكومة تهتز من داخلها: وزراء ينتقدون رئيسها وانخراطها في لعبة المحاصصة... بولا أسطيح

  • شارك هذا الخبر
Friday, July 31, 2020

خاص- الكلمة أون لاين

بولا أسطيح


بقدر ما تسعى هذه الحكومة لتبدو متماسكة وصلبة بالشكل، بقدر ما هي ضعيفة ومفككة من الداخل. اذ وبالرغم من كل الجهود والمساعي المبذولة على أكثر من صعيد لمدها بجرعات الدعم ما يؤمن صمودها في أصعب مرحلة في تاريخ لبنان الحديث، لم تنجح القوى السياسية الحاضنة لها بتجنب اهتزازها في أكثر من محطة واستحقاق ما يجعلها في اي وقت عرضة للانفراط، رغم اقرار واقتناع قوى السلطة والمعارضة على حد سواء انها ستبقى تصرّف الاعمال لأجل غير مسمى بانتظار تسوية ايرانية – اميركية ما ينعكس مباشرة على الوضع اللبناني الداخلي.

ولعل ما يزيد من التخبط الحكومي اصرار معظم القوى السياسية "السلطوية" على تصوير الوزراء وكأنهم منزلين من المريخ وغير تابعين لأي منها، قبل ان تنقلب على موقفها هذا عند اول محطة ملوحة بورقة سحب وزرائها من الحكومة، ما فاقم عامل الثقة المفقودة لدى اللبنانيين بحكومتهم وجعلهم يتحينون الظرف والتوقيت المناسبين للانقضاض عليها في الشارع كما فعلوا في 17 تشرين الاول الماضي.

ولم يعد خافيا على أحد ان "كورونا" شكّل طوق نجاة لهذه الحكومة التي كانت لتسقط قبل أشهر لولا لم تسحب الاجراءات المشددة التي رافقت التعبئة العامة عوامل تفجيرها خاصة انه بوقتها ترافقت التحركات في الشارع مع نقمة من قوى السلطة على آداء بعض الوزراء ما كان ليجعل سقوطها متاحا لا بل سلسا. وتأتي اليوم الموجة الثانية من "كورونا" لتجنبها مجددا التداعي وتؤخر تجدد الانتفاضة الشعبية التي باتت كل عناصرها مؤمنة. فاذا كان رفع تكلفة "الواتساب" فجّر الانتفاضة الاولى فكيف بالحري الانهيار الذي نعيشه على كل الاصعدة ان كان في موضوع انقطاع الكهرباء او احتجاز اموال المودعين في المصارف او فقدان مئات الآلاف وظائفهم وانحدار عشرات الآلاف تحت خط الفقر.

ولعل ما فاقم مؤخرا الانتقادات اللاذعة بحق الحكومة ما نقل عن رئيسها وبعض وزرائها من اعتراضات على تلكؤ امني وحتى قضائي، ليتأكد وجود نوع من انقسام عمودي داخلها بين وزراء لا يخفون انتماءهم واجندتهم الحزبية وبين آخرين يتناغمون الى حد بعيد مع صبغة التكنوقراط وخط الرئيس حسان دياب الذي يحاول على ما يبدو ارساء نوع جديد من العمل السياسي والتعاطي الدبلوماسي مع الدول.

ويُجمع وزراء الحكومة على ان الهجمة التي يتعرضون لها غير مسبوقة وانها بكثير من الاوقات غير محقة. ويقول وزير "سيادي" أنه "لا يجوز تحميل هذه الحكومة مسؤولية الانهيار لانها تسلمت اصلا بلدا يتداعى محاولة ادارة السقوط الحاصل ليتم بأقل الأضرار الممكنة"، ويضيف الوزير:"الا ان الوقاحة وصلت بالبعض الذين خرجوا قبل أشهر من الحكم بعد أن أمضوا فيه عشرات السنوات ليلقوا مسؤوليات افعالهم علينا. ولعل المؤسف في كل هذا ان بعض اللبنانيين يتأثرون بحملاتهم السياسية والاعلامية المنظمة في هذا الاتجاه!"

ويقر المصدر الوزاري بأن "آداء الحكومة قد لا يكون مثاليا لكن هناك جهود كثيرة تبذل صادقة وحثيثة وبالمقابل هناك بعض الممارسات غير المقبولة، كالسير بنظام المحاصصة الذي كنا قد تعهدنا مواجهته. أضف انني لا أؤيد ما ورد على لسان رئيس الحكومة بخصوص موقفه من وزير الخارجية الفرنسية الذي كان صريحا معنا وأبلغنا بوجوب اتمام فروضنا وواجباتنا لمساعدة فرنسا لتساعدنا بدورها بفك الحصار المفروض علينا او اقله التخفيف من وطأته. فاذا كان هناك مريض وجاء من يقول له انه مريض، هل تتوجب عندها مهاجمته؟"

ويرى المصدر الوزاري أن "التحدي الاكبر في هذه المرحلة يبقى الوضع المالي والاقتصادي في ظل تراجع موجودات مصرف لبنان وتعثر المفاوضات مع صندوق النقد الدولي"، لافتا الى ان "التطورات على الجبهة الجنوبية، ملف التجديد لليونيفل وصدور حكم المحكمة الدولية، كلها مواضيع حامية لكن نستبعد ان يؤدي اي منها لانفجار امني او عسكري كبير. ففي نهاية المطاف ورغم الحصار العربي والدولي المفروض علينا، لكن أحدا لا يريد الانهيار الكامل للبنان امنيا واقتصاديا وماليا لأن الكل يعي ان ذلك سيؤثر عليه بطريقة أو بأخرى خاصة في ظل كل هذه الاعداد من النازحين السوريين واللاجئين الفلسطينيين".

بالمحصلة، يبدو أن عناصر تفجير الحكومة موجودة داخلها كما خارجها. وكأنه لا تكفيها الطلقات التي تتلقاها ليل نهار من معارضيها المتمكنين سياسيا، كي تفاقم انتقادات واحتجاجات الوزراء الذين تصور رئيس الحكومة انهم سيكونون مطواعين بين يده على اساس انهم "تكنوقراط" ، الواقع الحكومي الهش. فهل يتحمل البلد المتداعي سلطة تثبت عند كل استحقاق انها غير قادرة على رفع أثقال هذه المرحلة؟ وهل غياب البديل وانسداد الافق الاقليمي والدولي يعني حكما التوجه بخطوات متسارعة الى الجحيم!؟