"مسبار الأمل" يُدخل دولة الإمارات إلى نادي الكبار

  • شارك هذا الخبر
Tuesday, July 14, 2020

تُطلق الإمارات العربية المتحدة هذا الأسبوع بعثة فضائية إلى كوكب المريخ، آملةً أن تبني أول مستعمرة بشرية هناك في العام 2117، الأمر الذي يُجمع معظم الخبراء بأنه سيُعزّز وضع القوة الإقليمية للبلاد.

أصبح الفضاء بسرعة مجالاً جديداً لدول الشرق الأوسط لإبراز قوّتها والتنافس على القيادة في المنطقة. الإمارات العربية المتحدة هي مثال على ذلك، إذ أنها ستقوم هذا الأسبوع بإطلاق بعثة إلى المريخ. ويهدف العد التنازلي الوطني حتى 15 تموز (يوليو) إلى إثارة فخر الإماراتيين خصوصاً والعرب بشكل عام، لأنه يُمثّل المرة الأولى التي تُطلق فيها دولة عربية مهمة إلى الفضاء الخارجي.

أطلقت الحكومة الإماراتية على مهمتها إلى المريخ إسم “مسبار الأمل”، ولوّنته بمشاعر عربية. وتستدعي المهمة وتستذكر الإنجازات العربية الإسلامية السابقة في العلوم وتُحرّض العرب على الحفاظ على هذه الروح. ولا يوجد نقصٌ في الحماسة القومية كذلك. وقد برمجت دولة الإمارات ووقّتت الإنتهاء من مهمتها قبل الذكرى الخمسين لتأسيس الإتحاد في كانون الأول (ديسمبر) 2021. كما ربطتها بهدف المئة عام المُتمثّل في إنشاء مستعمرة بشرية على كوكب المريخ بحلول العام 2117.

تقوم الإمارات بتسويق رواية الأمل العربية غير السياسية التي تقودها العلوم، لكن سياستها الفضائية هي أكثر من ذلك. فهي تهدف إلى تعزيز مكانتها وقوتها الإقليمية المُكتَشفة حديثاً ومواءمة النظام الجيوسياسي في الشرق الأوسط لمصلحتها. كما أنها، بشكل افتراضي، تُبشّر بسباقٍ فضائي إقليمي، وهو أمرٌ جديد نسبياً في الشرق الأوسط. إن قدرة دولة الإمارات على إكمال وإتمام مهمة المريخ، وكيفية دخول هذه العوامل في سياستها الخارجية الناشطة، ستُحدّدان الدرجة التي تُحوِّل بها الإمارات نفسها والمنطقة في هذه العملية.

تفتخر دولة الإمارات بكونها “الأولى والأكبر والأفضل”. ولكن لا يمكنها إدّعاء ذلك في ما يتعلق بالفضاء. كانت إسرائيل الدولة الأولى في المنطقة التي بدأت برنامجاً فضائياً في العام 1983. لقد استفادت إسرائيل من الخبرة الأميركية وتمكّنت من إطلاق قمر اصطناعي للإستطلاع في العام 1988. حاول الإسرائيليون أيضاً الهبوط على القمر ولكنهم فشلوا في ذلك في العام 2019.

على الرغم من أن برنامج الفضاء الإسرائيلي هو الأقدم في المنطقة، إلّا أنه لم يكن أولوية بالنسبة إلى اسرائيل. وليس هذا هو الحال مع دبي، التي أسّست مركز محمد بن راشد للفضاء في العام 2006. ثم ما لبث أن تم توسيعه من قبل الحكومة الإتحادية في العام 2014 مع إنشاء وكالة الفضاء الإماراتية. ومع علمها أنها لا تملك الخبرة، فقد دخلت دولة الإمارات في شراكة مع ثلاث مؤسسات أكاديمية أميركية لتصميم وبناء مهمتها إلى كوكب المريخ. قام الإماراتيون بتشكيل فريقٍ لدعم جهودهم، بمتوسط عمر أقل من 35 عاماً، ثلثهم من النساء، برئاسة وزيرة شابة مُكلَّفة بتطوير العلوم، سارة الأميري. وقد عكست هذه الخطوات العلامة التجارية لدولة الإمارات على أنها داعمة للشباب والنساء، في حين قامت بتسويق هذا المشروع على أنه تعاون دولي يشمل التصنيع في الولايات المتحدة والإطلاق من اليابان.

بخلاف إسرائيل، كانت إيران ناشطة أيضاً على المستوى الإقليمي في الفضاء. لم يكن تعاونها الدولي شديداً مثل تعاون الإمارات. ومع ذلك، تنتج إيران أقماراً اصطناعية منذ إنشاء وكالة الفضاء الإيرانية في العام 2004، مما يجعلها ثاني دولة فضاء في المنطقة. كما أرسلت حيوانات إلى الفضاء، وأطلقت قمراً اصطناعياً عسكرياً في نيسان (إبريل) الماضي. وقد أدّى تعاون طهران المُبكر مع روسيا والصين إلى أول قمر اصطناعي تم بناؤه محلياً في العام 2009، والذي أطلقت عليه اسم “أُميد” أو “أمل”، وهو الإسم الذي اختاره الإماراتيون أيضاً لمهمتهم إلى المريخ.

الإمارات ليست الدولة العربية الأولى التي تُبدي اهتماماً بالفضاء. قادت المملكة العربية السعودية مجهوداً عربياً في العام 1976 لتأسيس مُشغّل الأقمار الإصطناعية “عرب سات”. كما أنتج السعوديون أول رائد فضاء عربي، الأمير سلطان بن سلمان. وتبعت مشاركته في مهمة مكوك الفضاء ديسكفري في العام 1985 سياسة فضائية سعودية، ولكن تم تعليقها بعد تحطّم المكّوك الفضائي “تشالنجر” (Challenger).

من خلال المغامرة في هذا المجال، تُريد دولة الإمارات أن تضع نفسها في مجالٍ احتلّه وسيطر عليه حتى الآن الخصوم الإقليميون مثل إسرائيل وإيران. يُركّز التفكير الإماراتي على تمييز دولة الإمارات عن الآخرين وتعزيز أجندتها على الرغم من التحدّيات. ستكسب الإمارات الكثير إذا نجحت مهمتها إلى كوكب المريخ – وهو إنجازٌ لم تنجزه سوى الولايات المتحدة والإتحاد السوفياتي السابق والهند ووكالة الفضاء الأوروبية. إن الفضاء هو البطاقة الإماراتية التالية المُناسِبة لرفع مكانة البلاد. وهذا من شأنه أن يسمح لدولة الإمارات تعزيز صعودها بعد العام 2011 كقوة وسطية في منطقة تضاءلت وخفتت فيها المراكز التقليدية – مصر والعراق وسوريا. وهذا سيمنح الإمارات رأياً مُتزايداً في القضايا الإقليمية الشائكة، مثل السلام مع إسرائيل، والإتفاق النووي مع إيران، والصراع اليمني، والنزاع داخل مجلس التعاون الخليجي.

لم تمر إجراءات وأعمال الإمارات في الفضاء من دون أن يلاحظها أحدٌ في المنطقة. أنشأت كلٌّ من المملكة العربية السعودية وتركيا وكالة للفضاء في كانون الأول (ديسمبر) 2018. وما لبثت مصر أن إنضمّت إلى النادي بعد ذلك بوقت قصير في آب (أغسطس) 2019. ولعدم رغبتها رؤية هذه اللحظة من الإهتمام الإقليمي بالفضاء أن تذهب سُدى، أنشأت أبو ظبي المجموعة العربية الأولى للتعاون الفضائي في العام 2019، التي جمعت إحدى عشرة دولة عربية، وهدفها الأول تطوير “813”، وهو قمر اصطناعي لرصد الأرض. وقد اختير الرقم 813 لكونه “تاريخ بداية ازدهار بيت الحكمة في بغداد في عهد المأمون، البيت الذي جمع العلماء وترجم المعارف وأطلق الطاقات العلمية لأبناء المنطقة”، وفقاً لما قال الشيخ محمد بن راشد. ومع ذلك، فإن تكريم التاريخ العربي لا يعني أن الإمارات ستتجنّب الظهور. لقد تركت لنفسها الإنجاز الأكثر بروزاً في مهمة استكشاف المريخ، بينما تركت الهدف الأقل طموحاً وهو بناء قمر اصطناعي للتكتل العربي.

لقد ركّز العرب وجيرانهم تاريخياً أنظارهم واهتمامهم على البحر والأرض من أجل الحصول على قُوتهم ومعيشتهم. الآن، يُقدّم الفضاء ساحةً جديدة للتطوير والمنافسة والنزاع. بالنسبة إلى الإمارات العربية المتحدة، فإن قدرتها على تشكيل الجغرافيا السياسية الإقليمية لصالحها مليئة بالمخاطر، بخاصة مع تدخّلاتها الأجنبية الخطرة. لذا، إذا نجح برنامجها الفضائي في مهمته فقد يُعوّض عن بعض هذه المخاطر، ويوفّر فرصة لرؤيةٍ عالمية تتمحور حول الإمارات لكي تسود في الشرق الأوسط المُتغيّر باستمرار.


بقلم بدر موسى السيف- زميل غير مقيم في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت