بارعة يوسف الأحمر - مسار طبيعي لثورة تستفيد من التنوع
شارك هذا الخبر
Saturday, July 4, 2020
منذ الأيام الأولى لثورة 17 تشرين، انطلقت محاولات عدة، ساعيةً إلى: توحيد العمل الثوري، التنسيق بين مجموعات الثورة، التحالفات والائتلافات الخ... وتستمر المجموعات الثورية بمحاولة إطلاق ما بات يُعرف بـ "وثيقة للثورة"، بهدف توحيد المطالب وخلق قيادات تُعنى بتحريكهم.
حتى يومنا هذا، لم تنجح أي من المجموعات في هذا الجهد. والمؤسف أن هناك من يصور عدم إحراز تلك المساعي نتيجة ملموسة، على أنّه تشتّت وضياع وتفتّت.
أؤكّد، من خلال تجربتي الشخصية الميدانيّة في الثورة، وجود تباين بين العمل الثوري على الأرض، وما يسعى إليه الداعون للتنظيم والتوحّد والتنسيق داخل الثورة، ومعظم هؤلاء من الانتليجنسيا. مَن أُتيحَ له الاطلاع على بعضٍ من هذه الوثائق، يلاحظ بأنّها ربما تكون منقولة عن بعضها، نظرًا إلى مضمونها المتشابه الذي لا يكاد يختلف إلّا بالشكل. ونسأل: إذا كانت المطالب موحّدة في الساحات، وكذلك في الوثائق التي تُصدرها المجموعات، فلماذا كل الصراخ بأنّ مجموعات الثوّار غير موحّدة، وبأنّها تحتاج إلى قائد، أو قائدة، لإدارتها؟
ليست الثورة موحّدة، وليس المطلوب أن تتوحّد، والأهم، أنّ ما سبق ليس نقطة ضعف في مسارها!
مواضيع ذات صلة عندما تحول "لقاء بعبدا" إلى استفتاء على الحكم
وزير الداخلية... والمجاهرة بالقتل!
المادوفية اللبنانية هل الثورة حزب؟ لا ليست حزبا. إذًا لماذا هدر كل هذا الجهد والوقت لتوحيد المجموعات، وانتخاب قيادات؟
لو كانت الثورة حزبًا، لتحتّمَ علينا أن نضعَ لها وثيقة، وتنظيمًا داخليًّا، وننتخب لها قائدًا، وأمينًا عامًا، ومجلسَ قيادة، لتولّي شؤونها وتحريك المنتفضين.
وفي المقابل، لا يجوز ترك الأمور كما هي اليوم: مجموعات توافق على تحرّك معين وتشارك فيه، ومجموعات تقف ضده؛ مجموعات تحمل لواء الانتخابات المبكرة، وأخرى لا تتبنّاها؛ ثوّار مع قطع الطرق وحرق الدواليب، وثوّار يعارضونه؛ فصائل تشمل حزب الله وسلاحه بـ " كلّن يعني كلّن"، وأخرى ترى أن الظرف غير مناسب لإثارة هذا الموضوع؛ والأمر نفسه في مسألة المصارف... وعليه، من الضروري تنظيم الأمور ولو بالحدّ الأدنى.
وبما أنّ الثورة ليست حزبًا، بل مكوّنة من مجموعة أضداد، فلا بدّ أن نعترف بأنّ الأضداد لا تذوب ببعضها، بل تتكامل لبلوغ هدف واحد.
إن ما يجمع بين المجموعات الثائرة هو: الولاء لاستراتيجيّة واحدة، على ان تَدين كل مجموعة للأخريات بعدم الخيانة وعدم الطعن بالظهر!
الاستراتيجيّة التي توحّدنا كثوّار ولا يختلف عليها اثنان هي:
نريد السلطة، ونريد أن نوصل إلى السلطة رجال دولة، ونساء بالطبع، أكفّاء ونزيهين يتولّون بأنفسهم التغيير المنشود. أوليس هذا ما يعنيه شعار "كلّن يعني كلّن"؟
في ما عدا هذه الاستراتيجيّة، كل الخطوات تدخل في إطار "التكتيك"، والخلاف على "التكتيك" لا يُفسد الاتحاد في سبيل الاستراتيجيّة الواحدة، خصوصًا إذا جرى فكّ الارتباط بين المجموعات، بحيث تركز كل مجموعة تحرّكها ضمن منطقتها وبالطريقة التي تراها مناسبة، ممّا يُصعّب على السلطة عملية قمع الثوار، كي لا نقول يُتعبها.
إذا انتهجنا هذا النوع من التخطيط، سيتعين على المفكّرين داخل الثورة، إصدار أكثر من "وثيقة تنظيميّة" تحدّد كل منها، آلية التحرّك الخاصة بمجموعة ثوريّة أو أكثر، لبلوغ الاستراتيجيّة الواحدة الجامعة.
وفي ضوء ما تقدّم، يصير ضروريًّا: ألّا تصدُر بعد الآن أيّ وثيقة باسم الثورة عامة، بل تصدر الوثيقة باسم المجموعة التي أنجزتها، مع وجوب تنبّه نخبة المفكرين، بأن مساعيهم لتظهير المساحات المشتركة بين الثوّار، لم تلقَ آذانًا صاغية لدى قاعدة الثوّار، خصوصًا أن النخبة، عن قصد أو غير قصد، تميّز بين سلوكها وسلوك ثوّار الأرض الذين هم في الواقع أساس ثورة 17 تشرين، وهم في مقاربتهم التوقيت والتحرّكات الثورية، لا يتوافقون دائمًا مع حسابات الانتليجنسيا. وهذا موضوع شائك، يحتاج لمقال منفصل.
فعلى الرغم من قناعتي العميقة بحاجة الثورة الى مفكرين/ات، إلّا أن أسلوب هؤلاء لم يُثبت بعد تأثيره، لأنّهم يتحرّكون عبر التواصل بالـ "أونلاين" والإطلالات التلفزيونيّة والإذاعية، وهم بذلك يكشفون أنفسهم ومخططاتهم للسلطة، حتّى قبل وصول هذه المخططات إلى قاعدة الثوار، وهو الأمر الذي يُتيح للسلطة عرقلة مسار الثورة عبر بث ما يُناقض ويُجهض ما تسعى النُخبة إلى تحقيقه. من هنا، لا بدّ من التخفيف من الإطلالات والتنظير، والإكثار من العمل.
على ماذا يلتقي الثوار؟
¶ يلتقي ثوار لبنان على رفض أي متحدث باسمهم، هم لا يحبون المتسلّقين على مآسيهم ويعتبرون أن عددا كبيرا من هؤلاء منشغل جدا بحملاته الانتخابية.
¶ يلتقي ثوار لبنان على السعي لانتزاع السلطة وإيصال رفاقهم الى الحكم، ممّن يملكون رؤية، ويتمتعون بالقدرة على تنفيذها في مشروع بناء الدولة على أسس مختلفة.
¶ يلتقي ثوار لبنان على أن المنظومة الحاكمة أفلست الخزينة وسرقت أموالهم بالتعاون والتواطؤ والتكافل مع المصارف.
¶ يلتقي ثوار لبنان على قناعة راسخة بجدوى النضال وبقدرتهم على التغيير.
على ماذا يختلفون؟
يختلف ثوار لبنان على ترتيب الأولويات في التكتيك.
خارطة التنوع في مجموعات الثورة بسيطة، وتعكس تنوع المجتمع اللبناني:
¶ اليسار الذي يرفض الحديث عن سلاح حزب الله، ويريد الفصل بين " المقاومة الإسلاميّة" و سلاحها، على اعتبار أن ذلك يؤذي هذه المقاومة في وجه إسرائيل، بغض النظر عن مفاعيل سلاحها في الداخل.
¶ اليمين الذي يرى أنّ لسلاح حزب الله غير الشرعي، دورا في حماية الفساد وإضعاف الدولة، ووضع اليد على مقدّراتها. ويعتبر هذا اليمين أنّ سلاح الحزب غير لبناني ويذكّر بالسلاح الفلسطيني عشيّة الحرب الأهلية.
¶ ويسار يميني، يريد تأجيل المطالبة بنزع سلاح الحزب، لأن قرارًا من هذا النوع لن يكون لبنانيا بنظرهم، بل دوليا ولم يحن وقته بعد... وبالتالي لا جدوى من المطالبة به. مع العلم أن هذا اليسار اليميني يعترف ضمنًا بأن السلاح مشكلة مستعصية.
وسط التباين في الأولويات، هناك بين الثوار أصوات، تعلو يوما بعد يوم، تذكّر الجميع بأن السيد حسن نصرالله هو من وضع نفسه في مواجهة مباشرة مع الثورة حين توجّه الى اللبنانيين المحتجين في الساحات وأطلق في وجههم لاءاته الشهيرة المتعلّقة بإسقاط العهد والحكومة السابقة، وبتقديم موعد الانتخابات النيابية، واتهمهم بالعمالة متنكرا لمعاناتهم ونضالهم في سبيل الإصلاح.
على الثوار ألا يغرقوا في اليأس وألا ينسوا:
¶ على الرغم من التباين في التكتيك، نجحت الثورة في فرض نفسها.
¶ أنّ السلطة لا تزال قادرة على استخدام مختلف وسائلها البوليسية والمخابراتية، للترهيب والترغيب على حدّ سواء...
¶ حتى هذه الساعة، فشلت السلطة وأجهزتها وحلفاؤهم الأجانب والمحليين، ولم ينجحوا في إخماد الثورة أو إيقاف تأثيراتها، التي أقل ما يُقال عنها إنّها تُدحرج أزلام المنظومة الحاكمة كأحجار دومينو.
¶ أنّ تجربة التنوّع المطلبي، ولامركزية التحرّكات الثورية يُربكان السلطة ويُنهكانها.
¶ أنّ أعداء الثورة هم المصارف وسلاح حزب الله على السواء، خصوصًا أنّ حزب الله كان، لعقد ونيّف من الزمن، يحمي المنظومة الحاكمة والمصارف ويشاركهما الحكم والأفعال.
المطلوب من الثورة الاستعداد للخراب الآتي لا محالة:
¶ عليها أن تجهد لتكون هي صاحبة القرار بعد الخراب، وأن تقطع الطريق على الذين تسبّبوا بهذا الخراب.
¶ أن تستمر في إثبات حضورها على الأرض ولو بأعداد محدودة وبشكل لامركزي.
¶ أن تتوقف عن الدعوات إلى تظاهرات كبرى أو تجمعات ضخمة قد ترتكب فيها أخطاء تستغلها السلطة، لم تعد الثورة بحاجة لتلك التجمعات الضخمة، وكل ما عليها فعله الآن هو التفرّج على تفكّك اتحاد السلطة والمال والسلاح .
في المحصّلة الثوار مدعوون إلى فك الارتباط بين المجموعات، وعدم التمركز في ساحة مركزيّة، بل الاستمرار في الانتشار على ساحات الوطن كافة من دون استثناء. هكذا نضاعف إرباك السلطة وإنهاكها، ونفضح أكثر عجزها وخوفها، وعدم قدرتها على التركيز في عمليات القمع وتسديد الضربات القوية للثوار، كما كان يحصل عند جدران العزل في محيط مجلس النواب.