كيف نتفادى المخاطر الصحية "الخفية" لطهي الطعام؟

  • شارك هذا الخبر
Thursday, July 2, 2020

تقول جينا ماكسيوشي، باحثة في تأثير التغذية ونمط الحياة على الجهاز المناعي بجامعة ساسكس، إن طهي الطعام كان ضروريا لتطور البشر، فلولاه لظل البشر يأكلون الطعام دون توقف، لأن أجسامنا تجد صعوبة في الحصول على المغذيات من الأطعمة النيئة.

ويؤيد هذا الرأي علماء البيولوجيا، إذ كشفت أبحاث عديدة أن استخدام النار ارتبط بتطور البشر. فبفضل طهي الطعام ومعالجته، تمكنت أجسام أسلافنا من استخلاص السعرات الحرارية والدهون من الطعام، ومن ثم استفاد الجسم من الطاقة الزائدة التي كانت تهدر في مضغ الطعام النيء وهضمه.

ويقال إن طهي الطعام أسهم أيضا في تقليص حجم عظام الفك لدى البشر وزيادة حجم الأدمغة، وتوفير الطاقة اللازمة لتأدية الأنشطة العصبية في الدماغ.

ليس هذا فحسب، بل إن الطهي يقتل الكثير من البكتيريا المضرة التي قد تنمو وتتكاثر في الأطعمة ويسهم في حمايتنا من التسمم الغذائي.

لكن رغم مزايا الطهي العديدة، هل من الممكن أن تتسبب معالجة الأطعمة عند درجات حرارة مرتفعة في مخاطر صحية خفية؟

وفي ظل تزايد الإقبال على الأنظمة الغذائية التي تعتمد على الطعام النيء واستخدام تقنيات جديدة وغير معهودة للطهي بشكل عام، سلط علماء من جميع أنحاء العالم الأضواء على مزايا ومخاطر الأطعمة الساخنة.

الأكريلاميد: مخاطر الإصابة بالسرطان
قد تكون بعض طرق الطهي أفضل للصحة من غيرها. لكن مخاطر بعض طرق الطهي، ولا سيما التي تتطلب درجة حرارة عالية، تتوقف على نوعية الطعام الذي نطهوه.

إذ حذرت وكالة معايير الأغذية البريطانية من مادة الأكريلاميد، التي تنتج عن طهي النشويات. ويعد الأكريلاميد مادة كيميائية تستخدم في صناعة الأوراق والصبغات والبلاستيك، لكنها تنتج في الطعام عند خبزه أو قليه أو شوائه عند درجات حرارة مرتفعة للغاية ولمدة طويلة.

وتعد الأطعمة الغنية بالنشويات، كالبطاطس والخضروات ذات الجذور والخبز ورقائق الإفطار والقهوة والكعك والبسكويت، هي الأكثر عرضة لإنتاج هذه المادة عند درجات الحرارة المرتفعة، ويُلاحظ أثر التفاعل عندما تكتسب النشا في هذه الأطعمة لونا داكنا، إذ يصبح لونها ذهبي ضارب إلى البني أو تبدو محروقة.

وأجريت دراسات حول مخاطر الإصابة بالسرطان بسبب استهلاك مادة الأكريلاميد، رغم أن معظم الأدلة التي تؤيد العلاقة بين الأكريلاميد والسرطان مستخلصة من تجارب على حيوانات.

لكن ماكسيوشي وخبراء التغذية والوكالات المعنية بمعايير الغذاء ينصحون بتقليل استهلاك الأطعمة الغنية بالأكريلاميد إيثارا للسلامة.

وتقول ماكسيوشي إن معظم التجارب (التي تثبت علاقة الأكريلاميد بمخاطر الإصابة بالسرطان) أجريت على حيوانات، لكننا نرى أن الأكريلاميد أحد المسببات المحتملة للسرطان لدى البشر، ولذا ينبغي أن يتوخى الناس الحذر تجنبا للإصابة بالسرطان. وقد تحتوي أيضا الأطعمة المعالجة على كميات أكبر من مادة الأكريلاميد بسبب المعالجة الصناعية.

ولتفادي استهلاك جرعات كبيرة من مادة الأكريلاميد، تنصح وكالة معايير الأغذية البريطانية، بطهي الطعام أو تحميصه حتى يكتسب لونا ذهبيا، وتفادي حفظ البطاطس في الثلاجات إذا كنت تنوي طهيها عند درجات حرارة عالية. إذ تطلق البطاطس عند تبريدها السكريات التي تتفاعل مع الأحماض الأمينية لتنتج الأكريلاميد أثناء الطهي.

ويفضل بشكل عام، تفادي طهي هذه الأنواع من الأطعمة لمدة طويلة لتفادي إنتاج الأكريلاميد.

لكن ماكسيوشي تحذر من أن الأكريلاميد ليس سوى واحد من مخاطر عديدة تنطوي عليها الأنظمة الغذائية الحديثة، ولن يزيد مخاطر الإصابة بالسرطان بمفرده. لكن إذا كان النظام الغذائي للشخص غير صحي، فقد يكون من الأفضل أن يتجنب استهلاكه تفاديا لمخاطر الإصابة بالسرطان.

دخان المطبخ وسرطان الرئة

لا تنتقل مخاطر الطهي عبر الطعام الذي نأكله فحسب، بل أيضا عبر الهواء الذي نتنفسه. إذ تعد مواقد الطهي التقليدية التي تعتمد على الوقود الصلب، مثل الخشب ونفايات المحاصيل والفحم، مصدرا رئيسيا للأمراض في الدول النامية، لأنها تؤدي إلى تراكم الدخان داخل المنازل. وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن هذه الأفران تتسبب في ما يصل إلى 3.8 مليون وفاة مبكرة سنويا.

وقد تؤدي بعض مكونات الطعام إلى تلوث الهواء في المنازل. وكشفت دراسة في عام 2017، نشرت في دورية أبحاث السرطان وعلم الأورام السريري، عن وجود أدلة تؤكد أن التعرض للدخان المتصاعد من زيوت الطهي يزيد مخاطر الإصابة بسرطان الرئة.

وحلل الباحثون 23 دراسة تابعت 9,411 حالة سرطان في الصين، وخلصوا إلى أن المطابخ سيئة التهوية زادت من احتمالات إصابة النساء اللائي يطهين الطعام فيها بسرطان الرئة، وأن أضرار أبخرة الطهي تتفاوت بحسب الطريقة المستخدمة في الطهي.

وبينما زاد التعرض للدخان المتصاعد من القلي السريع مع التقليب المستمر على الطريقة الصينية من مخاطر الإصابة بسرطان الرئة، فإن التعرض لدخان القلي العميق في زيت غزير لم يزد مخاطر الإصابة به.

وأشارت دراسات أخرى إلى أن التعرض لدخان زيوت الطهي أثناء الحمل قد يؤثر على حديثي الولادة عن طريق تقليل وزنهم عند الولادة.

لكن باحثون في تايوان أجروا دراسة عن تأثير طرق الطهي وزيوت الطهي على كمية انبعاثات الألدهيدات - وهي فئة من المركبات الفعالة التي يعد الكثير منها ساما للبشر- في الدخان المتصاعد من زيوت الطهي.

ورأى الباحثون أن الدخان المتصاعد من زيت دوار الشمس والقلي العميق والقلي السطحي باستخدام كمية قليلة من الزيت، تزيد مخاطر إنتاج الألدهيدات، في حين أن الزيوت منخفضة الدهون المشبعة، مثل زيت النخيل وزيت بذور اللفت، والطهي الخفيف، مثل القلي مع التقليب، تنتج كميات أقل من أنواع الألدهيدات التي يعتقد أنها مضرة.

اللحم المطهو وداء السكري

وأشارت دراسات مختلفة إلى أن تعريض اللحم الأحمر للهب المباشر أثناء الطهي، سواء عن طريق الشواء على الفحم أو في الفرن، واستخدام أساليب الطهي التي تتطلب درجات حرارة عالية، مثل التحميص في الفرن، يزيدان مخاطر الإصابة بالسكري بين النساء اللائي اعتدن على استهلاك اللحوم الحمراء في الولايات المتحدة.

وأشارت دراسة أخرى إلى وجود علاقة بين الطهي عند درجات الحرارة العالية أو على اللهب المباشر، وبين داء السكري من النوع الثاني، لدى الرجال والنساء على السواء الذين يستهلكون اللحوم الحمراء والدجاج والسمك، بغض النظر عن كمية اللحوم التي يستلهكونها.

لكن تجدر الإشارة إلى أن هذه الدراسات لم تأخذ في الاعتبار عوامل نمط الحياة، مثل التمارين الرياضية والنظام الغذائي، بما في ذلك كمية السكريات التي يستهلكها المشاركون. وقد تكون هذه العوامل هي المسبب لهذه العلاقة. لكن الباحثين نصحوا بطرق أخرى بديلة للطهي، مثل السلق أو الطهي بالبخار، التي لم تزد مخاطر الإصابة بداء السكري.

طرق الطهي البديلة
على مدى القرن الماضي، تطورت أساليب الطهي وتنوعت ولم يعد الطهي يعتمد على مصادر الحرارة البدائية. ولا يكاد يخلو منزل الآن من أفران الميكروويف والمواقد الكهربائية وأجهزة تحميص الخبز، التي تغنينا عن الطهي على الشعلة المباشرة.

وأشار الكثير من العلماء إلى أن أفران الميكروويف هي البديل الصحي للأفران والمواقد، لكن هذا يتوقف على نوع الطعام الذي يُطهى فيها.

إذ خلصت دراسة إسبانية على سبيل المثال إلى أن الطريقة المثلى للحفاظ على القيمة الغذائية للفطر هي عن طريق طهيه في فرن الميكروويف، لأن الميكروويف على عكس القلي والسلق، يساعد على زيادة محتوى الفطر من مضادات الأكسدة، أو المركبات التي تحمي الخلايا من التلف.

وأكدت الكثير من الأدلة العلمية أن تقليل مدة طهي الخضروات واستخدام أقل كمية ممكنة من السوائل يسهمان في الحفاظ على أكبر قدر من المغذيات والفيتامينات في الخضروات. وهذا يدل على أن أفران الميكروويف هي البديل الصحي لطهي الخضروات، لأن الخضروات التي تطهى في الميكروويف تحتفظ بقيمتها الغذائية، خلافا للخضروات المسلوقة التي تفقد جميع الفيتامينات والمغذيات في ماء السلق.

وتقول ماكسيوشي إن طهي الخضروات بالبخار أفضل من سلقها، لأن الطهي لمدة طويلة وعند درجات حرارة عالية يسبب مشاكل صحية، ويقلل القيمة الغذائية ويولد المركبات المضرة بالصحة، مثل الأكريلاميد.

وينطوي استخدام الزيوت في الطهي على مشاكل أخرى، إذ يؤدي تعريض الزيوت للحرارة إلى حدوث سلسلة من التفاعلات الكيميائية، وقد يتحول الزيت في النهاية بعد طهية عند درجة حرارة مرتفعة إلى مكون آخر يختلف اختلافا غير ملحوظ عن المكون الذي أضفته في البداية.

وتنصح ماكسيوشي باستخدام زيت الزيتون في معظم أنواع الطهي لفوائده الصحية، لكن لا تنصح باستخدامه في أساليب الطهي التي تتطلب تعريض الطعام للحرارة العالية لمدة طويلة.

لكن رغم مخاطر الطهي، فإن تناول الطعام نيئا ينطوي على مخاطر أكبر للصحة. إذ راقبت دراسة ألمانية مجموعة أشخاص يتبعون نظاما غذائيا يعتمد على الطعام النيء لعدة سنوات. وفي نهاية الدراسة أصبح وزن نسبة كبيرة من المشاركين أقل من الطبيعي، واشتكت ثلث النساء المشاركات من عدم انتظام الدورة الشهرية. وخلص الباحثون إلى أن الأنظمة الغذائية التي تعتمد على الطعام النيء لا ينصح بها على المدى الطويل.

وتقول ماكسيوشي إن طهي اللحم والنشويات يسهم في زيادة المغذيات التي يمتصها الجسم من هذه الأطعمة، في حين أنك لو تناولت البطاطس نيئة لن يستفيد جسمك من المغذيات التي تحتوي عليها ولن تستمتع بطعمها.


BBC