"بصباح الألف التالت بعد في جوع"، صدح صوت الفنانة كارول سماحة عشيّة العام 2000 من ابداعات العملاق منصور الرحباني؛ تضامننا حينها مع فقراء العالم الثالث، والبلدان غير المتطوّرة، مثل أنغولا وجنوب افريقيا حيث يكاد الدخل الفردي لا يتخطى نصف دولار يومياً، لم نعرف يومها أنّنا سنصل إلى هذا الدرك. لم نعرف أنّنا سنجوع مثلهم وسنفقد الخبز والماء والدواء. لم نعرف أنّ أطفالنا لن يشربوا الحليب بعد اليوم لأنّه صار أغلى من دخل ذويهم الشهري، إن وُجد الدخل. لم نعرف أنّ آباءنا سيموتون لأنّ دواءهم مقطوع، ورغيفهم مقطوع، وجنى عمرهم منهوب... لبنان، البلد الأغلى للعيش عربياً وعالمياً، بلد السهر والحريات ماذا فعلوا بك؟ كيف اتخذوك أسيراً لسياساتهم الخارجيّة؟ ولانتماءاتهم الإقليمية؟ يوم كتب نزار قباني قصيدته الشهيرة "بيروت" قال بلسان مخرّبيها أنّهم غاروا من مدينة التاريخ فدمّروها، لم يفهموها فعزلوها، حمّلوها معاصيهم فأحرقوها؛ اليوم نقول للعالم بأنّنا لم نفهم تاريخنا ولا عراقة بلدنا ولا الرسالة التي وُجد من أجلها، فدمّرناه، وخربناه، وأحرقناه، وقتلنا الأمل في عيون شبابه، والرحمة في قلوب شيبه، والطموح في ضمائر صغاره. "إنّ الثورة تولد من رحم الأحزان"، ألا يكفينا حزناً وقهراً وجوعاً حتّى نثور؟ ألا يكفينا ذلاً ومهانةً حتى نصرخ بأعلى الصوت "كفى"؟ ولكن، الشعب اللبناني المحب للحياة حدّد توقيت عملٍ لثورته المسائيّة، وأخذ بعين الاعتبار في نظامه الداخلي أيّام الآحاد والأعياد حيث يثور في المنتجعات السياحية والبحرية، في حين يجوع أولاده ويبحثون عن لقمة العيش فلا يجدونها. توقّف البابا فرنسيس بعد صلاة التبشير الملائكيّ يوم الأحد الفائت عند المعاناة في لبنان قائلاً: "تصوّروا أنّ هناك أطفالاً جائعين، وليس لديهم ما يأكلون!" وقد ناشد قداسته، المسؤولين في لبنان الذي يعاني من أزمةٍ اجتماعيّة وسياسيّة واقتصاديّة خطيرة، والتي تفاقمت جرّاء جائحة الكورونا، أن يقوموا بما يجب من أجل السلام. فهل يتوجّب علينا أن نبقى قاصرين فترشدنا الأمم الى صالحنا؟ ألا يجب أن نعي فنتصرّف؟ ألا يفترض علينا أن نفهم المخاطر المحدقة بنا فننأى بأنفسنا عنها؟ ولا نجعل من بلدنا مكسر عصا لهذه أو تلك من البلدان؟ أما حان وقت الاستقلال؟! #خدوني_ع_قد_عقلاتي